السائل أحمد محمد الجنابي من محافظة الأنبار / قضاء هيت يسأل _ سماحة المفتي رعاكم الله حين أصابتنا جائحة كورونا وتمت اصابة بعض الأشخاص ثم تماثلوا للشفاء بفضل الله ولكن حال شفائهم قام البعض ببيع بلازما الدم وهي المادة الضارة لفايروس كورونا التي تكون عند مَن شفي ويمكن يتعالج بها شخص آخر هل يجوز بيع بلازما الدم ممن شفي لشخص آخر مصاب … راجين بيان الرأي الشرعي في هذه المسألة افتونا يرحكم الله .
أجاب على السؤآل سماحة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ( سدده الله تعالى ) الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على امام المتقين وقائد الغر المحجلين نبينا محمد الأمين واله وصحبه أجمعين وبعد :وفقكم الله تعالى وهيء لكم ولجميع المسلمين أسباب السلامة والشفاء _ أن بيع المتعافي من كورونا بلازما دَمِه حرامٌ شرعًا ؛ وسلوك لا ينبغي أنْ يتعامل به مريضُ الأمس مع مريضِ اليوم… لما في ذلك من تحويل فعل الخير والتعاون على البر والتقوى الى التجارة والمرابحة في الذمم ، العافية هي خير النّعم على الإطلاق بعد الإيمان بالله سُبحانه ؛ فعن رفاعة بن رافع قال: قام أبو بكر الصدِّيق على المنبر ثمَّ بكى فقال: قام فينا رسولُ الله ﷺ عامَ الأوَّل على المنبر ثمَّ بكى فقال: «سَلوا اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ، فإنَّ أحدًا لمْ يُعْطَ بعدَ اليَقِينِ خيرًا مِنَ العَافِيَةِ» [أخرجه الترمذي وصححه وصححه العلامة الأباني ].
فالعافية بعد البلاء، والشّفاء من عُضال الدّاء من نعمة الله تعالى ، ومن شكر نعمة العافية بعد الإصابة بفيروس كورونا أن يتبرع المُتعافي ببلازما دمه لمصابٍ؛ كي يخفف ألمه، ويعينه على بلواه ؛ حِسبةً لله سُبحانه، وحمدًا له، وعملًا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» [أخرجه مسلم].
أمَّا أنْ يبيع المُتعافي بلازما دمهِ مُستغلًا الجائحة فلا يجوز شرعًا ؛ إذ إن جسد الإنسان بما حواه من لحمٍ ودَمٍ ملك للخالق سُبحانه لا ملكًا للعبد، ولا يحق لأحد أن يبيع ما لا يملك.وأكمل:إنَّ ثمن الدَّم حرام لا يجوز؛ لأن الشيء إذا حُرّم أكله حُرّم بيعه وثمنه، قال سُبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3].وقال ﷺ: «وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ» [أخرجه أحمد وصححه الأرناؤوط].وقد نَهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الدَّم صراحةً فيما يرويه عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، قال: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ..» [أخرجه البخاري].قال الإمام ابن حجر رحمه الله:(والمراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير وهو حرام إجماعًا؛ أعني بيع الدم وأخذ ثمنه) [فتح الباري لابن حجر (4/ 427)].
كما لا يجوز قِياس بيع بلازما المُتعافين على بنوك الدّم؛ لأن وجود بنوك الدّم ضروري للتداوي والعلاج، أما بيع المتعافي بلازما دمه فإتجار محرَّم مُتَّفَق على تحريمه.وأشدُّ منه حُرمةً أن يُتاجِر المُتعافي بآلام الناس فيبالغ في ثمن دمه، ويعقد عليه مزادًا سريًّا أو علنيًّا، وأن يستغل حاجة الناس ومرضهم وفاقتهم؛ فهذه والله لأخس أنواع التجارة وأذمها؛ لمنافتها الدين والمروءة ولين القلب وكرم النفس وشكر النعمة؛ وهي صفات لا تليق بصحيح فضلًا عن أنْ يتعامل بها مريضُ الأمس مع مريضِ اليوم؛ قال الحقُّ سُبحانه في مُحكم تنزيله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 6]… وقياس بيع البلازما عل موضوع التبرع بالدم قياس فاسد محرم لأن التبرع بالدم ضرورة فيها إنقاذ حياة انسان مضطر وبيع البلازما فيها جريمة استغلال في حياة إنسان مضطر .
المكتب العلمي للدراسات والبحوث / قسم الفتوى
الثلاثاء 17 شوال 1441 هجرية 9 حزيران 2020