عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم الاسلاميات / جمع السلف الصالح بين العبادة وطلب الرزق الحلال

جمع السلف الصالح بين العبادة وطلب الرزق الحلال

جمع السلف الصالح بين العبادة وطلب الرزق الحلال

يقول الله تعالى: ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ ﴾ [العنكبوت: 17]، وقال سبحانه:﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10].

فالإسلام جاء بصلاح الدِّين والدنيا، وقد علَّمنا الله أن نسألَه أن يؤتينا في الدنيا حسنَة وفي الآخرة حسنة، وكان هذا أكثر دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ كما في الصحيحين، وكان من دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أَصلِح لي ديني الذي هو عِصمة أمري، وأَصلِح لي دنياي التي فيها مَعاشي، وأصلِح لي آخرتي التي فيها معادي))؛ رواه مسلم في صحيحه (2720) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقد مدح الله الذين يجمعون بين العبادة وطلَبِ الرِّزق، ولا تشغلهم الدنيا عن ذِكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال سبحانه: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾ [النور: 37]، فوصفهم الله بأنَّهم تجَّار، ولكن لا تَشغلهم الدنيا عن العبادة.

وتأمَّل كيف وصف الله صحابةَ رسوله رضوان الله عليهم بقوله: ﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29]، فأثنى الله عليهم بأنَّهم يجمعون بين العبادة وطلَب الرِّزق، وعندما نَسخ الله الأمرَ بقيام الليل ذكر أنَّ من أسباب ذلك: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20]، وقد أباح الله التجارةَ حتى عند أداء مناسك الحجِّ، فقال سبحانه: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 198]، وذكر الله أنَّ من نِعَمه على عباده أن يسَّر لهم أسبابَ طلب الرزق، فقال: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 10]، وقال: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الإسراء: 12].

فالإسلام يهتمُّ بالأموال، بل إنَّ أطول آية في كتاب الله هي آية المداينة لحِفظ الأموال من الضَّياع، فالأموال قيامٌ لحياة الناس، كما قال الله سبحانه: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 5]، قال المفسِّرون: أي جعلها الله لكم قوام معايشكم، قائمة بأموركم؛ والمعنى أنَّ الأموال صلاح للحال وثَبات له؛ انظر: “فتح القدير”؛ للشوكاني (1/ 489).

ومن الخطأ ألَّا يهتمَّ المسلِم بطلب الرِّزق الحلال؛ فهذا مخالِف لما أَمر الله به عباده، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، وقال جلَّ وعلا: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأعراف: 32].

وكان من دعاء النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم الذي يَقوله صباحًا ومساء: ((اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من الكُفر والفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر))؛ رواه أبو داود (5090)، بسند حسن.
وروى أحمد في مسنده (17763) – وصحَّحه الألباني – عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: ((نِعْم المال الصَّالح للمرء الصَّالح)).
وروى ابن ماجه (2141) – وصحَّحه الألباني – عن يسار بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: ((لا بأس بالغِنى لمن اتَّقى، والصحَّةُ لمن اتَّقى خيرٌ من الغنى، وطيب النَّفس من النَّعيم)).
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (98) عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: “يا حبَّذا المال؛ أصِل منه رَحِمي، وأتقرَّب إلى ربِّي عزَّ وجل”.

وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (64) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “عليكم بالجمال واستصلاحِ المال، وإيَّاكم وقول أحدكم: لا أُبالي”.

وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (49) عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: “احرث لدنياك كأنَّك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنَّك تموت غدًا”.

وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (84) عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: “يأتي على النَّاس زمان لا يَنفع فيه إلَّا الدينار والدرهم”.

وروى الحاكم في المستدرك (6565) عن الصَّحابي الجليل قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنه أنه قال لبنيه: “عليكم بإصلاح المال؛ فإنَّه منبهة للكريم، ويُستغنى به عن اللَّئيم”.

وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (55) عن سيِّد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله قال: “لا خير فيمن لا يريد جمعَ المال من حِلِّه؛ يكفُّ به وجهَه عن النَّاس، ويصِلُ به رَحِمه، ويعطي منه حقَّه”.

وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (60) عن سيد أتباع التابعين سفيان الثوري رحمه الله قال: “كان من دعائهم: اللهمَّ زهِّدنا في الدنيا، ووسِّع علينا منها، ولا تزوها عنَّا فترغبنا فيها”.

وروى ابن أبي الدنيا في كتابه إصلاح المال (79) عن سفيان الثوري أيضًا قال: “المال في هذا الزمان سلاح المؤمن”.
هذه نبذة مختصرة في بيان جمع السَّلَف الصالح بين العبادة وطلَب الرِّزق، وعدِّهم طلب الرِّزق الحلال من عبادة الله، ومن أراد التوسُّع في هذا الموضوع، فلينظر كتاب: “الحث على التجارة والصناعة والعمل، والإنكار على من يدَّعي التوكل في ترك العمل، والحجَّة عليهم في ذلك”؛ لأبي بكر الخَلَّال، المتوفَّى سنة 311 هـ.

والحمد لله رب العالمين.

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

(( مُجمَلُ اعتِقادِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في محبةِ آلِ بَيتِ الرسُولِ الكَريمِ )) .

1- أهلُ السُّنَّةِ يُوجِبونَ مَحبَّةَ أهلِ بَيتِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، ويجعلون ذلك ...

مفتي الجمهورية هناك أوصاف مهمة في اختيار الصديق الصالح ..

مفتي الجمهورية يطالب بمحاسبة الرادود الذي تجاوز على مقام أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

استنكر سماحة مفتي الجمهورية حجة الاسلام والمسلمين الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ممتعضاً ومتأسفاً ...