عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم الاسلاميات / القواعد الشرعية في العمل السياسي الاسلامي

القواعد الشرعية في العمل السياسي الاسلامي

القواعد الشرعية في العمل السياسي الاسلامي
القاعدة الأولى :لا تفريط في شيء من الحق
الأصل الأول للسياسة الشرعية الإسلامية في مجال العمل السياسي أنه لا يجوز للمسلم أن يتنازل عن شيء من الحق، أو أن يخلط الدين الذي أنزله الله بباطل المشركين. وذلك أن الدين من الله -سبحانه وتعالى- وهو الحكيم فيما يشرع. وهذا يعني أنه كله حق وأنه لا يجوز اعتقاد نقصه أو خطئه. قال تعالى: {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} (المائدة:50) وقال تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} (الأنعام:121). وهذا بشأن تحليل “الميتة”. وقال تعالى: {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون} (الكافرون:1-2) الآيات، وهذا عندما عرض الكفار على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة ثم ينظروا أي السنوات أعظم بركة وخيراً..!!
فعقيدة الدين لا يجوز خلطها بغيرها، وشريعة الإسلام لا يجوز كذلك خلطها بغيرها، والانتقاء منها حسب الهوى والمصلحة المزعومة. بل لا إسلام إلا لمن أسلم قلبه وعمله ووجهه لله -سبحانه وتعالى-.
ومعنى ذلك أنه لا يجوز تحت أي ظرف من الظروف التنازل الاعتقادي عن شيء من الدين والرضا القلبي بأن نأخذ من الإسلام ومن غيره. وأما الرضوخ والجبر لشيء مخالف من الدين، في ظرف من الظروف فهذا أمر آخر. كما جاء في “صلح الحديبية” مثلاً حيث قبل الرسول صلى الله عليه وسلم برد المسلمين إلى الكفار، مع ما فيه من قبول بالذل وإسلام المسلم لأعدائه. وقد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، لما كان في هذه الاتفاقية من بنود تتحقق معها عزة الإسلام مستقبلاً، كالسلم وفتح مكة أمام الدعوة الإسلامية، واعتراف قريش بأن للمسلمين دولتهم وكيانهم، ودينهم، وفتح المجال لدخول القبائل حلفاء للرسول وغير ذلك من أمور كانت في صالح المسلمين، وأما ذلك الشرط فإن الرسول أجاب عنه: بأن الله سيجعل للمسلمين المضطهدين بمكة فرجاً ومخرجاً. وقد كان.
وليس المجال بيان المصالح العظيمة، والفتح الكبير في شروط “الحديبية”، ولكن المقصود هو التنبيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا العمل السياسي قد رجح جانب المصالح العظيمة في هذا المصلح، ولا شك أن ذلك كان بوحي من الله -سبحانه وتعالى- والمهم أن هذا ولا شك للتشريع (أي الدائم)، ليستفيد المسلمون من ذلك في ظروف مشابهة.. وعلى كل حال ليس هذا من التنازل عن شيء من الحق لأن هذا ليس تغييراً للتشريع، ولا للأحكام لأن أصل النصرة ظل موجوداً في الدين، بل هو من أصول الإسلام كما قال صلى الله عليه وسلم: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه] (متفق عليه). ومعنى يسلمه: يخلي بينه وبين أعدائه، وكما قال تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذي يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً} (النساء:75). فالآية آمرة بوجوب نصر المؤمنين إخوانهم ممن يعذبهم من الكفار ويستذلونهم. ولكن الله -سبحانه وتعالى- استثنى من هؤلاء من يكونون تحت كفار معاهدين للمسلمين. كما قال تعالى: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} (الأنفال:72).
ومن الأمثلة أيضاً عقد الرسول صلى الله عليه وسلم مع تميم أن يرجعوا برجالهم في (الخندق) ولهم ثلث ثمار المدينة. ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب العهد بينه وبينهم ولم يوقعه إلا أن الأنصار رفضوا العهد وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أهذا شيء أمرك الله به فنطيع أم شيء تحبه أم شيء تصنعه لنا؟! فقال: [بل رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فأحببت أن أنفس عنكم إلى حين] فقالوا: والله يا رسول الله لا نعطيهم إلا السيف!! (ذكره ابن اسحاق بالتحديث عن عاصم بن عمر عن الزهري إلى عينية ابن حصن، والحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان، انظر البداية ص104 ج4).
والمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هم وشرع في إرضاء هؤلاء الكفار بضريبة عظيمة وذلك حتى ينفس عن المسلمين بعد أن رأى كل قوى الشر في الجزيرة: اليهود، وقريش، وغطفان، وتميم، قد اجتمعت عليهم دفعة واحدة.وأن همهم كان استئصال المسلمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع مفسدة أعظم بمفسدة أقل، فسار في هذا الصلح. وهذا يدل في التشريع على “جواز ارتكاب أخف الضررين”، و”دفع المفسدة العظمى بمفسدة أخرى أقل منها ضرراً”.
ولكن الله برحمته وإحسانه برسوله تولى بنفسه الدفاع عن المسلمين حيث يقول: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها..} (الأحزاب:8) الآيات. وقال تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال} (الأحزاب:25) وظل المسلمون يرددون في هتافهم بعد ذلك: “الله أكبر، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده”.
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.
والمهم البيان أن مثل هذه المواقف ليست تنازلاً عن عقيدة أو شريعة من الدين، ولكنها قبول بموقف تفرضه الظروف وتحتمه الملابسات، ومثل هذا ليس تبديلاً للدين، ولا تغييراً للتشريع، ولا رداً لأحكام الله، وإنما هو موقف يقابل فيه المسلم ظرفاً وضرورة.

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مؤلفات وكتب مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ..

السيد مهدي بن السيد أحمد بن السيد صالح بن السيد خليل بن السيد موسى بن ...

(( مُجمَلُ اعتِقادِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في محبةِ آلِ بَيتِ الرسُولِ الكَريمِ )) .

1- أهلُ السُّنَّةِ يُوجِبونَ مَحبَّةَ أهلِ بَيتِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، ويجعلون ذلك ...

مفتي الجمهورية هناك أوصاف مهمة في اختيار الصديق الصالح ..