جاء رجل الى امير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه فقال له :
يا إمير المؤمنين لقد اشتريت دارا وارجو ان تكتب لي عقد شراءها بيدك,
ونظر الإمام اليه بعين الحكمة الثاقبة فوجد الدنيا قد تربعت على عرش قلبه وملكت عليه أقطاره حتى أنسته ذكر ربه
وأراد الامام ان يذكره ويعلمه الوفاء بالعهد الذى أخذه الله علينا و نحن في عالم الذرة ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) الاعراف 172
فماذا يفعل امير المؤمنين ليلقن الرجل درسا فى ذكر الله و عدم نسيان مولاه
فماذا يفعل أمام الرجل الذى زاد عنده حب الدنيا حتى اصبح فى قلبه و دمه ؟
أمسك بقلمه و قرطاسه فكتب قائلا :
يريد ان يُذِكّر بالدار الباقية,
كتب بعدما أن حمد الله وأثنى عليه أما بعد:
فقد أشترى ميت من ميت دارا في بلد المذنبين وسكة الغافلين لها اربعة حدود,
الحد الأول ينتهي الى الموت
والثاني ينتهي الى القبر
والثالث ينتهي الى الحساب
والرابع ينتهي إما الى الجنة وإما الى النار .
فلما سمع الرجل هذا الكلام من أمير المؤمنين بكى بكاء مرا وعلم ان الإمام اراد بذلك ان يكشف الحجب الكثيفة عن قلبه الغافل,
فقال الرجل للإمام:
يا أمير المؤمنين إننى قد تصدقت بدارى على الفقراء و المساكين وأبناء السبيل !!
فانشد الامام قائلا:
النفس تبكى على الدنيا وقد علمت آن السلامة فيها, ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فان بناها بخير طاب مسكنها وان بناها بشر, خاب بانيها
أين الملوك التى كانت مسلطنه حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا: لذوى الميراث نجمعها ودورنا: لخراب الدهر نبنيها
كم من مدائن في الآفاق قد بليت أمست خرابا, وافنى الموت أهليها
لكل نفس وان كانت على وجل من المنية أمال تقويها
المرء يبسطها والدهر يقضيها والنفس تنشرها والموت يطويها
إن المكارم أخلاق مطهرها لدنيا أولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها, والحلم رابعها والجود خامسها, والفهم ساديها
والبر سابعها والشكر ثامنها والصبر تاسعها ,واللين باقيها
النفس تعلم أنى لا أصادقها ولست ارشد الاحين اعصيها
لاتركنن إلى الدنيا وما فيها فالموت لاشك يفنينا ويفنيها
اعمل لدار, غدا رضوان خادمها والجار احمد والرحمن منشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها
أنهارها لبن محض من عسل والخمر يجرى رحيقا فى مجاريها
والطير يجرى على الأغصان عاكفة تسبح الله جهرا فى مغانيها
من يشترى الدار في الفردوس يعمرها بركعة في ظلام الليل يحيها
لماذا فعل هذاالرجل بدار اراد ان يملكها ؟
هل من كلمات سمعها
ام تأثر بصاحب الكلمات التي اخرج كلماته من قلبه المملوء بحب الله وطاعته
فدخلت الى مسامع قلب هذا الرجل الغافل فدلته الى طريق الصواب لتكون هذه الدنيا سبيله الى الله ولم تعد الدنيا اكبر همه و لا مبلغ علمهوأيقن ان الرازق هو الله و ان المعطى هو الله تعالى وان خير الديار هي الدار الاخرة :
من اراد زاداً فالتقوى تكفيه …
من اراد عزاً فالاسلام يكفيه ..
من اراد عدلاً فحكم الله يكفيه ..
من اراد انيساً فذكر الله يكفيه…
من اراد جليساً فالقران يكفيه …
من اراد واعظاً فالموت يكفيه …
من اراد غنى فالقناعه تكفيه …
من اراد زينه فالعلم يكفيه…
من اراد جمالاً فالاخلاق تكفيه ..
من اراد راحه فالاخره تكفيه ..
ومن لم يكفيه كل هذا فالنار مثواه وتكفيه …
مكتب الدعوة والدعاة
الأحد 25 رجب 1435 هجرية