عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم اخبار الهيئة / مؤتمر اهل السنة الثالث الذي اقامته دار الافتاء العراقية

مؤتمر اهل السنة الثالث الذي اقامته دار الافتاء العراقية

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [سورة آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَـالاً كَثـِيـرًا وَنِـسَاء وَاتَّقُـواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءَلُـونَ بِــهِ وَالأَرْحَـامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْـكُمْ رَقِيبًا) [سورة النساء: 1] .(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [سورة الأحزاب:70 ـ 71] .
أما بعد: فَإِنَّ خَيْرَ الكلام كلام اللهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلی الله علی وآله وسلم وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ وبعد : أحييكم بتحية الله الطيبة المباركة .
أقف في هذه الساعة الكريمة مع بعض الأمور التي استشعر أنها من واجب الوقت
واقع الأمة الإسلامية:
إنه مما لا يخفى عليكم جميعاً أن ما عليه المسلمون اليوم من واقع الأمر السيء في هذا العصر الذي نعيشه هو بلا شك أسوأ ما أصاب المسلمين في كل عصورهم المتأخرة مما لا يحتاج أحدٌ إلى أن يوصف له لأنه يحياه ويعايشه فكلنا يعلم انتشار أنواع الفسق والفجور في العالم الإسلامي وقليلٌ ممن لا يزالون يعتصمون بكلمة الحق وباتباع الكتاب والسنة، أما الأكثرون فكما قال رب العالمين: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 187]. وكما قال في الآية الأخرى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) [يوسف: (106)] .
افتراق الأمة:
واقع الأمة اليوم مما تحدث عنه رسول الله صلی الله علی وآله وسلم قبل أن نرى ما رأينا، بل وقبل أن يرى ما رآه أجدادنا من قبل من الفرقة والتحزب والتفرق في الدين خلافاً لقول رب العالمين: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم: 31 ـ 32]. وكما قال رب العالمين في الآية الأخرى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].
وقد بين رسول الله صلی الله علی وآله وسلم هذه السبل في الحديث الصحيح الذي صور تفرق المسلمين وخروج الكثيرين منهم عن الخط المستقيم فيما رواه عبد الله بن مسعود(رضى الله عنها)قال: “خط لنا رسول الله صلی الله علی وآله وسلم يوماً خطاً على الأرض مستقيماً ثم خط حوله خطوطاً قصيرةً، ثم تلا قوله تبارك وتعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) ثم قال(صلی الله علیه وسلم ) وقد مر بإصبعه الشريفة على الخط المستقيم: “هذا صراط الله” وأشار إلى الخطوط القصيرة التي على جانبي الطريق بقوله عليه الصلاة والسلام: ” هذه طرق وعلى كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه” صححه الإمام – رحمه الله تعالى – في: ( ظلال الجنة في تخريج السنة برقم: 16 و 17) ..
فقد بين النبي صلی الله علی وآله وسلم في هذا الحديث أن الطريق الموصل إلى الله عز وجل إنما هو طريقٌ واحدٌ وليس كما يقول أو يزعم البعض : إن الطرق الموصلة إلى الله عز وجل هي بعدد أنفاس الخلائق” . هذا كانوا يقولونه قديماً، أما اليوم فقد تعددت الطرق بتعدد الجماعات والأحزاب وكل حزبٍ بما لديهم فرحون مع أن هؤلاء المسلمين اليوم جميعاً يعلمون قول الله عز وجل: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
ضرورة التزام سبيل الـمؤنين:
وفي ذلك دلالة واضحة على أن المسلمين جميعاً في هذه العصور المتأخرة لا يجوز لهم أن يخالفوا سبيل المؤمنين الأولين لأنهم كانوا على هدىً من ربهم ولذلك أيضا خصَّ رسول الله (صلی الله علیه وسلم )بالذكر أصحابه المفضلين على أصحابه الآخرين ألا وهم الخلفاء الراشدون المهديون كما جاء في حديث العرباض بن سارية(رضى الله عنها) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه وسلم ): “أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة”(( صححه الإمام – رحمه الله تعالى – في: (سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2735))).
أسباب الوهن:
أما أسباب الوهن فهي عند العلماء كثيرة وكثيرة جدا وقد يعلمون كلهم أو على الأقل بعضهم أن الله تعالى قال في كتابه ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) والنبي صلی الله علیه وآله وسلم _ جمعها في جملة واحدة في الحديث الثابت الصحيح عنه صلی الله علیه وآله وسلم قوله: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها” قالوا: “أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟” قال: “لا، بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنَّكم غثاءٌ كغثاء السيل ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن”. قالوا: “وما الوهن يا رسول الله؟” قال: ” حب الدنيا وكراهية الموت ( صححه الإمام – رحمه الله تعالى – في: سلسلة الأحاديث الصحيحة) برقم: (958).
حب الدنيا رأس كل خطيئة:
وصدق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فليس يخفى على كل مسلم عاقل أن (حب الدنيا رأس كل خطيئة) ضعَّفه الإمام – في: (ضعيف الجامع برقم: 2682) ولكن معناه صحيح بلا ريب ) .
وأنه سبب كل معصية وبلية، كيف لا، وهو الذي يحمل الناس على الشح بالمال والنفس؟! ولذلك قال: “اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم” كما ورد في كثير من كتب السنة ومنها: صحيح الإمام مسلم.
التحذير من استحلال الـمحارم :
وأقول محذراً: وهذا النوع من الارتكاب والاستحلال لما حرم الله عز وجل بأدنى الحيل قد وقع أيضا فيه كثير من المسلمين في بعض معاملاتهم وعقودهم من أشهر ذلك نكاح التحليل الملعون فاعله في السنة الصحيحة لقوله صلی الله علیه وآله وسلم : لعن الله المُحلِل والمُحَلَل له ( صححه الإمام – رحمه الله تعالى – في: (إرواء الغليل) برقم: (1897) ومع ذلك فلا يزال في المسلمين_ انتشار ظاهرة المخنثين والمثليين والمستغرب في بلد الإمام الكاظم عليه السلام والامام أبي حنيفة النعمان.
واليوم بعض المتفيقهة يُجيزون نكاح التحليل رغم لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعله، وكذلك مما فشا في العصر الحاضر بيع التقسيط بزيادة في الثمن على ثمن بيع النقد (سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: 2326) )، وكذلك بيع العينة المنتشر في بعض البلاد الإسلامية ولا يتسع المجال الآن لشرح ذلك كله، وإنما أردت أن أذكر الحضور الكرام _ بحديث يناسب المقام ألا وهو قوله صلی الله علیه وآله وسلم : إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم” صححه الالباني – رحمه الله تعالى – في: (سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: 11) )، ففي هذا الحديث بيان واضح جداً لبعض الأسقام والأمراض الناتجة من حب الدنيا، ومن ذلك الداء الأول الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ألا وهو التبايع بالعينة، فإن هذا الداء مستشرٍ في بلادنا وللأسف .
بيع العينة ومفهومها:
إن بيع العينة هو نوع من البيوع أو المعاملات الربوية التي لا يجوز التعامل بها ومع الأسف إن بعض الناس يتعاملون بـها على أنها من المعاملات الجائزة شرعاً.
والعينة مشتقة من عين الشيء أي ذاته ونفسه وبيع العينة معروفٌ عند العلماء ويتمثل في أن يأتي الرجل إلى تاجر يبيع سيارات مثلاً فيسومه على سيارة فيشتريها منه مثلا بعشرين ألفاً – بسعر التقسيط وليس نقدا – ثم يعود هذا المشتري بائعا فيقول للتاجر: هل تشتري مني هذه السيارة ؟ فيعرف التاجر بأن الرجل يريد منه المال فيتفقان على سعر دون السعر الذي اشتراه منه فليكن مثلا بأقل بألفين أو ثلاثة فهذا الذي اشترى ثم باع قد سُجِّلَ عليه العشرون ألفاً وإنما أخذ أقل من ذلك بألفين أو أكثر هذه المعاملة هي بيع العينة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الصورة الحقيقية المرادة من هذا البيع – عند من يبتعد عن اتباع الهوى أو على الأقل اتباع ما اعتاده من بيع العينة – إنما هي: أن يأخذ بأقل مما سُجِّلَ عليه. لا فرق بين هذه الصورة التي سُتر الربا فيها بالبيع وبينما لو جاء إلى هذا التاجر وقال له: ” أعطني ثمانية عشر ألفاً وأعطيك عشرين ألفاً “. كل المسلمين والحمد لله إلى اليوم يعتقدون جازمين أن هذه المعاملة ربا .
تحايل اليهود:
فالشحوم من الطيبات المحرمة عليهم وقد جاء في الحديث السابق: “لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها وإن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه”. ففي هذا الحديث نجد أن اليهود تلاعبوا بالحكم الشرعي ألا وهو تحريم الشحوم فكان اليهودي إذا ذبح الشاة أو الكبش السمين أكل اللحم الأحمر فقط ورمى الشحم على الأرض ائتماراً منه بأمر الله عز وجل، ثم لم يصبر اليهود على هذا الحكم الشرعي فاحتالوا على استحلاله فذوبوا هذا الشحم، ذلك معنى قوله(صلی الله علیه وسلم ): “فجملوها” أي: ذوَّبوها، ألقوا الشحوم في القدور وأوقدوا النار من تحتها فأخذت الشحوم شكلاً آخر وهو استواء الشحم على السطح كاستواء الماء، أوهمهم الشيطان وسوّل لهم وزيّن لهم أن الشحم الآن خرج عن كونه شحماً وهم يعلمون أنه لا يزال في طبيعة تركيبه وطعمه ولذته شحمًا إذ هم غيروا الشكل من أجل الأكل ـ كما يقال في بعض البلاد ـ فهم بهذا التغيير استحلوا ما حرم الله .
الاعتبار من أحوال الـهالكين:
لـم يقص علينا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قصة استحلال اليهود لهذه الشحوم بهذه الحيلة وما قص ربنا عز وجل قصة اليهود في احتيالهم الصيد للسمك يوم السبت بحصرها في الخلجان كما هو مذكور في التفاسير من أجل التأريخ فقط وإنما كما قال عز وجل: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) [يوسف: 111] . فالعبرة هنا في القصتين -قصة اليهود مع السمك وقصتهم مع الشحم -: ألا نقع فيما وقعوا فيه من الاحتيال على ما حرم الله .
فبيع العينة حرمها النبي لكي لا يقع المسلمون في الاحتيال على الربا الذي صورته أن يستقرض أقل مما يسجل عليه، وبيع العينة صورته أيضاً كذلك و لكن من وراء بيع شكلي صوري كما أن اليهود غيروا الشحوم حينما أذابوها شكلاً . وأنا حينما أقول هذا أعلم أن بيع العينة يحرمه كثير من العلماء وكما أن بعضهم – ممن لم يبلغه هذا الحديث أو لم يصح عنده لأنه ليس من تخصصه – يقول بجواز هذا البيع تمسكاً بلفظ البيع، ولكن أهل العلم يعلمون أن مجرد ورود لفظ البيع في معاملة ما لا يجعل تلك المعاملة بيعاً إلا إذا كان الشرع لم يحرمها. وإذا رجعنا إلى هذا الحديث وجدنا أن النبي(صلی الله علیه وسلم ) ذكر التبايع بالعينة أول مرض من الأمراض التي ساقها من بعده ألا وهي التكالب على الدنيا والانغماس في الأخذ بأسباب جمع المال الذي يترتب منه ما هو واقع المسلمين اليوم مما ذكره عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث عطفاً على داء التبايع بالعينة والأخذ بأذناب البقر والرضى بالزرع فقال عليه الصلاة والسلام: “وتركتم الجهاد في سبيل الله عز وجل ” .
ضرورة نصرة المقاومة والممانعة :
فترك المقاومة والجهاد الذي أصبح عاماً اليوم يشمل مع الأسف الشديد كل الدول العربية والإسلامية رغم كونها تملك من وسائل الجهاد والقتال ما لا تملكه الشعوب المسلمة المتحمسة للدفاع عن بلادها وعن أراضيها بل وعن أعراضها ولذا كان أمراً طبيعياً -سنة الله عز وجل ولن تجد لسنة الله تبديلاً – أن يسلط الله عليهم ذلاً لوقوعهم في مثل هذه المخالفات والاستحلال لما حرم الله عز وجل . هذا الذل الذي نراه قد ران على بلاد المسلمين كافة ولو أنهم كانوا في الظاهر أحراراً، ولكنهم مع الأسف الشديد لا يستطيعون أن يتحركوا بما يأمرهم به كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم .
نحن الآن قد ألغينا الجهاد بالنفس وركنا إلى الجهاد بالأموال لوفرتها لدينا وباللسان لسهولة ذلك علينا أما الجهاد بالأنفس فذلك مما أصبح مع الأسف في خبر كان ؛ ولذلك فالنبي صلی الله علیه وآله وسلم قد وصف في هذا الحديث الصحيح الداء مع الدواء حيث ذكر نماذج من الأمراض التي ستصيب المسلمين في أول هذا الحديث – حديث العينة- ثم بين في آخره صلی الله علیه وآله وسلم _ الدواء فقال: لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم” وهذا الدواء هو العلاج الوحيد للمسلمين إذا أرادوا أن يعود إليهم عزهم ومجدهم وأن يمكن الله لهم في الأرض كما مكن للذين من قبلهم فقال صلی الله علیه وآله وسلم : ” بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والمجد والتمكين في الأرض ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب” صححه الإمام – رحمه الله تعالى – في: ( صحيح الترغيب والترهيب برقم: 23 و 1332 ) .
سبيل النهوض :
إذاً قوله صلی الله علی وآله وسلم في هذا الحديث: “حتى ترجعوا إلى دينكم _ ما هو سبيل النهوض بهذه الأمة التي أصابها من الذل والهوان ما لم يُصب الأمة من قبل هذا الزمان؟
فنقول: إن النبي صلی الله علیه وآله وسلم حينما وصف الدواء في هذا الحديث بالرجوع إلى الدين إنما انطلق من مثل قوله عز وجل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ) [الرعد: 11].
وقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الأنفال: 53]. فما هو السبب الذي من أجله غيَّر الله فينا نعمة القوّة والعزّة والتمكين في الأرض والتي كان عليها المسلمون من قبل؟ ذلك لأننا غيّرنا نعمة الله عز وجل وبدّلنا فأخذنا بأسباب الدنيا وتركنا الجهاد في سبيل الله عز وجل وكنتيجة شرعيّة وكونيّة أن المسلم إذا لم ينصر الله عز وجل لم ينصره الله كما هو صريح قوله تبارك وتعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) [محمد: 7]…. وهذا الذي يظهر جلياً فحكام المسلمين حينما تمسكوا بالاسلام أخذوا الجزية من قادة الروم والتتار والمماليك واليوم حينما ابتعدنا عن الاسلام اخذنا ندفع مليارات الدولارات لإرضاء قادة الروم دون جدوى وفائدة .وما قول ترامب قبل ايام عن المملكة العربية السعودية وكلامه المؤلم عنكم ببعيد ولا كلامه عن جمهورية ايران الاسلامية وتهديداته ووعوده المتخفمة بالتحدي والتعدي .
* مظاهر البعد عن الإسلام:
هنا لا بد لي من وقفة، إذا كان الله عز وجل قد جعل على لسان نبيه العلاج لهذا المرض العضال الذي أصاب المسلمين في أرضهم الإسلامية كلها مع الأسف الشديد إنما هو الرجوع إلى دينهم، والدين كما تعلمون إنما هو الإسلام وقد قال رب الأنام:

(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85]. وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [الـمائدة: 3]. ويعجبني بمناسبة هذه الآية ما ذكره الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه العظيم الاعتصام (1 / 62) ) عن الإمام مالك أنه قال: “من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلی الله علی وآله وسلم خان الرسالة” – وحاشاه- ثم قال: “اقرؤوا قول الله تبارك وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)
ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
أيها الأفاضل _ لا بد للمسلمين اليوم من أن يفهموا دينهم فهماً صحيحاً ثم يطبقوه كلٌّ بحسبه تطبيقاً صحيحاً حكاماً ومحكومين شيوخاً وتابعين فالمحكوم غير الحاكم، الحاكم له سلطة عليا والمحكوم سلطته محدودة فإذا قام كل من الحاكم والمحكوم بفهم الإسلام فهماً صحيحاً ثم بتطبيق هذا الإسلام تطبيقاً كاملاً كلٌّ بحسب ما يستطيعه كما أشرت إليه آنفاً يومئذ -في اعتقادي – يفرح المؤمنون بنصر الله، ولكنني أرى أن كثيراً من الدعاة الإسلاميين الذين يلهجون دائماً وأبداً بدعوة الحكام إلى الحكم بما أنزل الله عز وجل … فتطبيق الحكام الإسلام في دساتيرهم وفي قوانينهم وعلى شعوبهم كل هذا حق واجب ولكن نحن نذكر أفراد الشعوب المسلمة الذين ينادون بكلمة الحق هذه – وهي الحكم بما أنزل الله -أن عليهم أن لا ينسوا أنفسهم كما قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [الـمائدة: 105].
فلذلك على أفراد المسلمين أن يفهموا الإسلام فهماً صحيحاً ثم يطبقوه تطبيقاً كاملاً في حدود استطاعتهم على أنفسهم، وعلى من لهم ولاية عليهم من رعاياهم كما قال(صلی الله علیه وسلم ): “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالرجل راع وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية وهي مسؤولة عن رعيتها” البخاري في عدة مواضع منها برقم: (893 و 2409), ومسلم برقم: (1829).
إنًّ هذا المعنى من التربية للنفس يشير إليه بعض دعاة المسلمين بقوله: ” أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضكم” .
هذا ما أردت أن أقوله بهذه المناسبة الطيبة التي أسأل العلي القدير أن يجعلها مناسبة ،عز وفخر ، وخير لجميع المسلمين وللعراقيين ، وأن يتقبل دعاءنا و ينصرنا على أعدائنا إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين .
أخوكم الشيخ الدكتور
مهدي بن أحمد الصميدعي
مفتي جمهورية العراق
9 صفر 1440 هجرية 18 تشرين أول 2018

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مفتي الجمهورية خلال خطبة الجمعة اليوم 6 تشرين الأول ٢٠٢٣ مطالبنا التي نكررها في كل جمعة :

١. اصدار قانون العفو العام ٢٠ تعديل المادة ٥٧.. ٣. تعديل سلم رواتب العمال والموظفين. ...

عاجل _ مئات من النشامى /أحرار العراق ومشايخ وأساتذة يقفون مع مفتي الجمهورية والعلماء الذين يعقدون جلسة طارئة حول حقوق الأئمة والخطباء .

شارك المئات من أبناء المقاومة الاسلامية / أحرار العراق لمشايخ والاساتذة والدعاة الذين يعقدون جلسة ...

مفتي الجمهورية يلتقي في مكتبه بدار الافتاء العراقية اللواء المتقاعد صفاء حسين شاكر الرضوي .

مفتي الجمهورية يلتقي في مكتبه بدار الافتاء العراقية اللواء المتقاعد صفاء حسين شاكر الرضوي … ...