عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم الدعوة والدعاة / التمسك بالسنة دين (1-2)
مئات اليوخ والشباب يؤيدون مفتي الجمهورية بمواقفه الاسلامية الداعية الى الحفاظ لوحدة الوطن وحرمة الاستخفاف بالدماء والذمم

التمسك بالسنة دين (1-2)

التمسك بالسنة دين (1-2)
وإذا كانت السنة النبوية بتلك السعة وهذا الشمول، فإن التمسك بها تمسك بالدين، سواء تعلق الأمر بالأهم منها أو المهم، لأن الكل داخل في مطلق الاتباع وشمول الاقتداء والتأسي.

قال تعالى: ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)) [آل عمران:31].

وقال تعالى: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا)) [الأحزاب:21].

يقول الغزالي: ” اعلم أن مفتاح السعادة في اتباع السنة، والاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جميع مصادره وموارده، وحركاته وسكناته، حتى في هيئة أكله وقيامه، ونومه وكلامه، لستُ أقول ذلك في آدابه في العبادات فقط – لأنه لا وجهَ لإهمال السنن الواردة في غيرها- بل ذلك في جميع أمور العادات، فبه يحصل الاتباع المطلق، كما قال تعالى: ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)) [آل عمران:31].وقال تعالى: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا))(1) [الحشر:7].

فهل – بعد ذلك – يليق بعاقل أن يتساهل في امتثال السنة، فيقول: هذا من قبيل العادات، فلا معنى للاتباع فيه؟.

إننا نعلم أن من السنن ما هو مؤكد كان يفعله الرسول – صلى الله عليه وسلم – كثيرًا، ومنه ما هو غير ذلك مما كان يفعله الرسول في بعض الأوقات.

ومن هذه السنة ما له قيمة كبيرة وثواب عظيم كأداء المسلم للصلوات في جماعة، ومنه ما له قيمة صغيرة كالأكل باليد اليمنى، وغير ذلك من تفصيلات الحياة التي كان يمارسها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

لقد رأى البعض أن التمسك بتلك الأشياء الصغيرة من السنن تشدد لا مبرر له, وحجر على العقول الإنسانية، إذ لا يدرى ما فائدة أن يأكل إنسان باليد اليمنى ويترك اليسرى؟ خاصةً وأن ما يسمونه حضارة يُملِي على الناس أن يستعملوا كلتا اليدين إحداهما تمسك السكين والأخرى تمسك الشوكة.

وهؤلاء من الذين يريدون أن يخضعوا كل شيء لموازين عقولهم حتى أمور الدين وما جاء به من أحكام وأخلاق وسلوك. هذا في الوقت الذي يعترفون فيه بأن هناك حدودًا للعقل لم يتخطها بعد، وفي الوقت الذي يدرك فيه كل عاقل أنه ليس هناك في الحقيقة عقل مجرد وإنما يتأثر عقل أي إنسان بالبيئة التي ينشأ فيها، والثقافة التي يتثقفها، والعقائد التي يدين بها ويتعصَّب لها.

ومن هنا إذا حكَّم إنسانٌ ما عقله في العقيدة وفي الأمور الدينية فإنه يخشى عليه من أن يصدر أحكامًا خاطئةً؛ لأن العقائد الدينية ليست نابعةً من بيئة أو خاضعة لثقافة أو صادرة من عقل بشري، وإنما هي فوق ذلك ومن قوة عليا.

ومن أجل هذه الحقيقة واحترامًا من الإسلام للعقل البشري كانت هناك الحرية المطلقة في الدخول في الإسلام، وعلى أساس من الاقتناع الفكري والقلبي، أو على أساس التسليم: ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيِّ))[ البقرة:256].

ولكن بعد الدخول في الإسلام على المرء أن يخضع لتعاليمه، ومبادئه، وقوانينه، سواء أفهمها عقله وأدرك ما فيها من فوائد أم لا، وهذا هو المعقول وهي – بلا شك وفي اعتقاده إذا كان مسلمًا حقًا – صادرة من عليم خبير حكيم، يودع في طياتها كل ما يصلح عباده الذين خلقهم، فلِمَ إذن الاعتراض والافتراء بأن بعض أمور الدين التي جاءت من عند الله أو من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي لا ينطق عن الهوى – غير معقولة أو غير مفيدة؟.

لكننا بعد أن نسلم بكل ما يأتي به الرسول – صلى الله عليه وسلم -، ونمارسه سواء أكان هذا من الفروض الواجبة علينا أو من غيرها، فإننا حتمًا سنهتدي إلى الفوائد التي نجنيها من ممارستها؛ لأن الإسلام الذي جاء من عند الله لا يتناقض مع العقل أو الطبيعة البشرية التي خلقها الله – عزَّ وجلَّ – كذلك.

ولنفكر في تلك الفوائد التي يمكن أن تجنى من تمسكنا بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، وخاصةً ما ترك لاختيارنا وإرادتنا، نفعله أو لا نفعله ما كبر منه وما صغر، إننا نوافق بعض الباحثين فيما ذكروه من فوائد وأسباب ثلاثة لتمسكنا بالسنة(2).

السبب الأول:

” هو تمرين الإنسان بطريقة منظمة على أن يحيا دائمًا في حال من الوعي الداخلي، واليقظة الشديدة، وضبط النفس”.

فالله تعالى قد ميّز الإنسان عن سائر المخلوقات بالإرادة الحرة، ولكن من الممكن أن تلغى هذه الإرادة إذا أسلم الإنسان نفسه لعادات وأعمال تصدر منه دون وعي ودون تفكير ” فإن الأعمال والعادات التي تقع عفو الساعة تقوم في طريق التقدم الروحي للإنسان كأنها حجارة عثرة في طريق الجياد المتسابقة”.

يجب إذن أن تظل هذه الإرادة حيةً نابضةً في الإنسان، ويجب أن تقلّ الأعمال عنده التي تصدر منه في غيبة هذه الإرادة ” فكل شيء نفعله يجب أن يكون مقدورًا بإرادتنا وخاضعًا لمراقبتنا الروحية” حتى نُحقِّق ذواتنا.

والتمسك بالسنن غير المفروضة يعيننا على ذلك، إنها تحتاج إلى شيء من الجهد، وإلى شيء من المشقة في بعض الأحيان، وإلى كثير من التحدي، خاصةً في عصرنا الذي نعيش فيه، فالمحافظة على الصلاة في جماعة في أول الوقت فيه شيء من المشقة، وخاصةً إذا كانت هذه الصلاة هي صلاة الفجر. وصلوات النوافل التي تصاحب الفروض قبلاً أو بعدًا فيها شيء من الجهد في عصر كل ما فيه سريع ومشاغله كثيرة. والأكل باليد اليمنى فيه تحدٍ لما يسمّى بالتحضر في عصرنا، والذي يملي على بعض المجتمعات أن يأكل أفرادها بشوكة في يد، وسكين أو ملعقة في أخرى.

هو إذن يستعمل إرادته في كل هذه الأمور، يجددها، ويوقظها حتى لا تنام، أو تسلم قيادها لعادات وتقاليد تصدر دون وعي فتموت هذه الإرادة.

ثم ماذا تكون النتيجة عندما تموت؟… سيحتاج يومًا إلى هذه الإرادة في وجه كثير من صعوبات الحياة ومشاكلها فلا يجدها، ويومئذٍ لا تفيده كل وسائل الحضارة التي يملكها إنسان هذا العصر، وهذا هو السرّ في أننا نجد ظاهرة الهروب من الحياة تتجلى أوضح ما تكون على شكل الانتحار أو غيره, في البلاد التي امتلكت أسباب الحضارة ووسائل الرفاهية.

يقول محمد أسد: ” قد لا يكون من المهم في ذاته أن نأكل بأيِّ اليدين ولكن إذا اعتبرنا التنظيم فمن أشدِّ الأمور أهمية أن تأتي أعمالنا مقدرة بنظام، وليس من السهل على الإطلاق أن يبقى الإنسان في تنبيه مستمر لمحاسبة النفس وضبطها، حتى ولو كانت فيه هاتان القوتان مثقفتين غاية التثقيف، إن كسل العقل لا يقل في حقيقته عن كسل الجسم، فإنك إذا سألت رجلاً تعود حياة القعود أن يسير مسافةً ما فإنه لا يسير غير قليل حتى يتعب، ويصبح غير قادر على أن يتابع مسيره، وليس هذا شأن من تعود في حياته كلها أن يمشي وَمُرِّنَ على ذلك، ثم لا يجد في هذا النوع من الجهد العضلي جهدًا على الإطلاق”.

ثم يقول: ” فإذا تحتم علينا أبدًا أن نخضع جميع ما نعمل وجميع ما نترك لتمييز عقلي معلوم، فإن مقدرتنا على ضبط النفس – واستعدادنا لذلك ينموان تدريجيًا، ثم يصبحان فينا طبيعةً ثانيةً، وفي كل يوم ما دام هذا التمرين مستمرًا – يتناقص كسلنا الأدبي حسب ذلك(3).

ولربما كان هذا هو السرّ في أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يحبذ أن يصلِّي الرجل صلاة النافلة في بيته؛ لأن هذا أدعى إلى تحريك عزيمته وإيقاظها، أما إذا صلاها في المسجد فإن الدواعي لها كثيرة، بحيث لا يمكنها أن تسهم في تربية الإرادة، من وجوده في المسجد، وصلاتها مع الفرض.

وحتى تؤتي السُنَّة ثمرتها في هذا المجال، فلا تصبح عادةً وعملاً آليًا يقوم به المسلم – دون وعي- من الواجب عليه أن يكون متيقظًا دائمًا وهو يقوم بها، وألا يحاول أن يؤديها كعمل شكلي لا روح فيه ولا فائدة منه، وإلا أصبحت كالرموز أو الطقوس تؤدى دون أن تسهم تثقيفًا في حياة المسلم. إن بعض المسلمين يدلكون أسنانهم بأصابعهم عند الدخول في الصلاة حتى يحافظوا على سنة السواك… لا، ” إن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب “(4). ولن يتحقق هذا إلا بالسواك، أما الأصابع في هذه الحالة فربما أدت إلى الضرر إن لم تكن شكلاً فقط، وليست فيها المشقة التي تربي الإرادة. أما الرسول – صلى الله عليه وسلم- فيقول: ” لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة”(5). إذن فليرغم الإنسان نفسه وكسله إذا أراد أن يقتدي بالرسول – صلى الله عليه وسلم – في هذا.

إن السنة – ليست كما يزعم النقاد من الخصوم من نتاج المرائين الظاهريين الجفاة؛ ولكنها نتاج رجال(6) ذوي عزيمة ولوذعية, وأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كانوا من هذا الطراز الأول، إن وعيهم الدائم ويقظتهم الباطنة، وشعورهم بالتبعة في كل شيء- كانت هي الإعجاز في مقدرتهم وفي فوزهم التاريخي المدهش(7).

الهوامش:

(1) الأربعين في أصول الدين، نقلاً عن” حجية السنة”، ص:80-81.

(2) الإسلام على مفترق الطرق لمحمد أسد، ترجمة الدكتور/ عمر فروخ – ط:4، بيروت، ص:104- 110.

(3) الإسلام على مفترق الطرق لمحمد أسد، ترجمة الدكتور/ عمر فروخ – ط:4، بيروت، ص:105- 106.

(4) أخرجه أحمد في المسند (6/ 47، 62، 124).

(5) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، رقم: (887)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب السواك، رقم: (42).

(6) أي: تمسك بها رجال.

(7) الإسلام على مفترق الطرق لمحمد أسد، ترجمة الدكتور/ عمر فروخ – ط:4، بيروت، ص:106.
منقول للفائدة

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مفتي الجمهورية ” اعزه الله تعالى ” يستقبل امام وخطيب جامع بر الوالدين في قضاء المحاويل محافظة بابل ..

التقى سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ” حفظه الله تعالى ” ...

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى..

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى؛ قال صلى الله ...

تهنئة مفتي الجمهورية للجيش العراقي بمناسبة مرور مئة وواحد سنة على تأسيسه .

تهنئة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن أحمد الصميدعي ( وفقه الله تعالى ) ...