عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / بوابة المكتب السياسي / الفتوى وتغيير المجتمعات

الفتوى وتغيير المجتمعات

بسم الله الرحمن الرحيم
الفتوى وتغيير المجتمعات
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم… أما بعد
يراد بالفتوى الإخبار بالحكم الشرعي أو بيانه في الواقعة المرادة، والفتوى تقوم بمهمة تأسيس العقائد والمعارف، كما تقوم بمهمة تغييرها وتعديلها، ولها من التقدير والتبجيل عند مجموع الأمة المسلمة ما يعطيها المكانة العالية والقمة السامقة التي لا يكاد يدانيها شيء في ذلك.

ومنصب الفتوى منصب عظيم لمن قام بحقه إذ المفتي مخبر عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بما يحبه ويرضاه أو بما يكرهه ويبغضه، ومن كان متفقها في الدين فهو ممن أراد الله به خيرا كما قال الرسول الأمين: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين” كما أن المفتين الفقهاء هم سادة الأمة الذين يرجع الناس إليهم ويفزعون إليهم في الملمات، حتى يطلق عليهم بعض أهل العلم لقب “الموقعون عن رب العالمين”
من أجل ذلك اعتمدها الصلحاء وأهل الخير لتصحيح العقائد ومقاومة الانحراف السلوكي والفكري، واستعانوا بها في تحقيق مرادهم من أقصر طريق.

وفي الجانب المقابل اعتمدها أهل السلطان في تدعيم سلطانهم، من أجل ذلك قربوا إليهم من أهل العلم والفتوى من يرون تعلقه بالدنيا وأعطوهم من حطامها الفاني الذي مهما كثر فلن يدوم وأعطاهم أولئك في مقابل ذلك الفتاوى التي تؤيد مسالكهم والتي يتحصنون بها في مواجهة معارضيهم ومنتقديهم، كما اعتمدها أهل الأهواء في التلبيس على العامة لنشر بدعهم وضلالاتهم.

كما اعتمد عليها أعداء الأمة والملة لاختراق المجتمعات وتغيير القناعات وإفساد العقائد والتصورات والسلوكيات، وقد ساعدت التقنيات الحديثة والتطور الهائل في وسائل الاتصال لإحداث طفرة غير مسبوقة في هذا المجال، فما أن تصدر فتوى في جانب من المعمورة إلا ونجد صداها يتردد بين جنباتها الأخرى
وفي ظل مجتمعات مسلمة تتقيد بالأحكام الشرعية وترى في ذلك حياتها وحيويتها، تكون الفتوى الشرعية من أكبر العوامل التي تسهم في تغيير المجتمعات ونقلها من طور إلى طور.
عندما تكون الفتوى متقيدة ومنضبطة بالنصوص الشرعية والقواعد الفقهية والمنهج الصحيح في الفهم والاستنباط، يكون التغير منطقيا متفاعلا مع الواقع ويتم ذلك في سلاسة من غير طفرات، لا يشعر الناس معه بقطيعة مع ما كان سائدا، بل يراه متماشيا معه حتى وإن خالفه؛ لأن كليهما صادر عن المرجعية نفسها ومن خلال المنهج نفسه.

وعندما تكون الفتوى انتقائية هوجاء لا هدف لها سوى تغيير المفاهيم، أو التناغم مع مؤثرات دخيلة، وليس استجابة لواقع ببيان حكمه، يكون التغيير حادا يشعر الناس معه بقطيعة فكرية ووجدانية مع ما كان سائدا، وربما يظهر بجانبه خطاب التبديع أو التفسيق لما كان سائدا، وربما التكفير (في الفتاوى الغالية) ، وتكون الفتوى في هذه الحالة هي المنشئة للواقع، بحيث تقحمه في حياة الناس إقحاما، ويكون من نتيجة ذلك تتذبذب القناعات عند كثير من الناس ليس بالتشكك فقط فيما كان سائدا، بل ربما بالاقتناع بالجديد المغاير والدفاع عنه ومحاولة الاستدلال له بالعقل والنقل ودعوة الناس له، فينتج من ذلك فساد عريض في الحياة العلمية والعملية، ويكثر الحديث والجدل حول هذه المواضيع حتى يصرف الناس عن الأمور الهامة والتي تؤثر في دنياهم وأخراهم.

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، ومع ضغط المجتمع الغربي المباين للإسلام، وضعف كثير من الأنظمة في مواجهة الضغوط، انفلت زمام الثبات على المعلوم المستقر من مذاهب أهل العلم، واتسع الخرق على الراتق في الفتاوى المخالفة لما عليه جماهير المسلمين ولما استقر عليه العمل قرونا متطاولة، وبدأت تظهر المقولات الفاسدة من غير أن تجد لها رادعا قويا يردعها، وكان الرد في كثير من أمره يحدث على استحياء، بل في غالب الأحيان نجد من يقبلها ويروج لها-حتى ينجو هؤلاء من وصمة الإرهاب التي اتخذها الصليبيون سيفا مصلتا على رقاب المسلمين- وقدمهم الإعلام وأبرزوهم وأسبغت عليهم الألقاب والهالات حتى طغىت صورهم وأسماؤهم، وتوارى خلفها العلماء الربانيون، وفي الطرف المقابل أُهمل كثير من الثقات من أهل العلم المشهود لهم على طول العالم الإسلامي وعرضه بالعلم والتقوى والإخلاص لدينهم والحرص على مجتمعهم، فلم يُرجع إليهم ولم يُؤخذ بقولهم، بل حجم دور بعضهم وتطاول كثير من الرويبضات على الرموز الشامخة منهم.

ففي الجانب السياسي نجد كثيرا من المعاهدات المبرمة بين بعض الدول الإسلامية وبين الدول الغربية لم يؤخذ رأي الفقهاء فيها ولم يشتركوا في صياغتها، بل ولا يعلمون على وجه التفصيل ما اشتملت عليه من التزامات، ودورهم فيها لا يتجاوز إعلان شرعيتها بعد توقيعها ليس لموافقتها للأحكام الشرعية، وإنما تحسينا للظن بمن وقعها، رغم ما قد يقع فيها من طوام
ودخل كثير ممن لا يحسن الفهم والاستنباط في الفتوى، وظن أن وضعه الذي هو فيه يعطيه الحق في الإفتاء، فنجد كثيرا ممن يعملون في الإعلام: في الصحافة أو في الإذاعة المسموعة أو الإذاعة المرئية، من يدلي برأيه في المسائل الخطيرة التي لا يَحْسُن الكلام فيها إلا من الراسخين في العلم، بل نجد من أهل الفن كالأغاني أو الرقص أو التمثيل من يتكلم في ذلك بما يبين صواب مسلكه مدعيا بعض الكلمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، كقولهم: الإسلام لا يحارب الفن، أو الإسلام لا يقف في سبيل الإبداع، أو الإسلام يرفض التشدد والتنطع ويرتبون على ذلك حل أنواع الفنون المختلفة كالأغاني والموسيقى والتمثيل والرقص والرسم والنحت ولو لذوات الأرواح بدعوى أن تحريم ذلك كان في أول الإسلام.

هناك ممن ينتسبون إلى العلم من يتعامل مع الفتوى الشرعية وكأنها من ممتلكاته الخاصة، التي يحق له أن يعطي منها ما شاء لمن يشاء، وكأنه ليس مقيدا بنصوص شرعية، أو محكوما بقواعد أصولية في استنباط الأحكام الشرعية، نجد هذا المسلك في كل أو جُل ما يتعلق بمعاملة الكفار والمشركين، الذين تم الاستعاضة عنهم بلفظ “الآخر”، وما يتعلق بأهل الذمة-ساكني دار الإسلام من غير المسلمين-الذين تم الاستعاضة عنهم بلفظ “الإخوة أو شركاء الوطن”.

إن الأحكام الشرعية ليست من كيس أحد، ولا يحق لأي مسلم مهما كانت منزلته العلمية ولو كان شيخ إسلام، أو وجاهته الدنيوية ولو كان أميرا أو رئيسا أو ملكا، أن يدخل أية تعديلات على الأحكام الشرعية، بل محاولة إدخال هذه التعديلات تقدح في دين من يحاولها، إذ عبودية المسلم لربه والإذعان لسلطانه، تقتضى قبول كل ما شرعه والتسليم له، وهو ما سجله ربنا تبارك وتعالى في قوله: “إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون”، وقوله: “فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما”.

ومنذ أن شنت أمريكا وحلفاؤها الحرب على الإسلام تحت ذريعة محاربة الإرهاب، لم تنقطع الفتاوى المناقضة للدين تحت مسميات متعددة تستخدم في غير مواضعها، كالتسامح والوحدة الوطنية وحقوق الإنسان وغير ذلك من المسميات. والحقيقة أن وظيفة المفتي ومكانته ودوره تقتضي منه التحرز فيما يفتي به ولا يتابع هواه وألا يستدرج من قبل بعض المغرضين أو يستغفل من قبل بعض الساسة أو أصحاب السلطان فيقع في الكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مسارعة في مرضاتهم وتحقيقا للمكانة لديهم.

الحقوقي
السيد عبد الباسط الصميدعي
مديرمكتب السياسي
11/2/2015

 

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كلمةٌ مهمةٌ لسماحةِ مفتي الجمهورية _ ستموتُ أحلامُ الواهمينَ وتبقى حياةُ العراقيينَ بوحدَتِهِم ..

السلام على كل محب للعراق … السلام على كل شريف غيور يسعد بأمان وسلامة العراقيين ...

مفتي الجمهورية يستقبل في محل سكناه عددا كبيرا من شيوخ وأكادمي لجنة حكماء العراق ..

التقى سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ” رعاه الله تعالى ” ...

تهنئة مفتي الجمهورية للجيش العراقي بمناسبة مرور مئة وواحد سنة على تأسيسه .

تهنئة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن أحمد الصميدعي ( وفقه الله تعالى ) ...