إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :فإن من حكمة الله ابتلاء عباده بالضراء والسراء ، فالله سبحانه وتعالى حين يبتلي عباده بالسراء ؛ ليتبين شكر الشاكرين لنعمه ، ويظهر من كان شاكرا لله ، وحين يبتلي عباده بالضراء ليظهر صبر الصابرين الموقنين ، قال الله تعالى : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ .
وإن نعم الله على العباد عظيمة ، وآلاءه جسيمة ، نعم لا يستطيع العباد عدها ولا إحصاءها ، قال الله تعالى : وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ، وقال الله تعالى :
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ .
وإن من أجل النعم وأكبرها نعمة الإسلام ، فمن هداه الله للإسلام ، وشرح صدره للإسلام فقد أنعم الله عليه بالنعمة الكبرى ، وهذا هو الفلاح الكبير ، والفوز العظيم ، والمنة العظمى ، قال الله تعالى : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ، وقال تعالى : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ ، ومن أجل ذلك بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، وهاديا إلى صراطه المستقيم ، فكانت بعثته صلى الله عليه وسلم نعمة ، أنعم الله بها على أهل الأرض قاطبة ، قال الله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وقال تعالى : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، فأخرج الله عباده ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم من ظلمات الجهل وظلم العباد إلى نور الإسلام وعدله ، فأمن الناس على أنفسهم ، وأولادهم ، وأعراضهم ، وأموالهم ، ولا ريب أن الأمن في الأوطان نعمة عظيمة من نعم الله سبحانه على عباده ، ذكر الله بها العباد ليقابلوا تلك النعمة بشكر الله ، والثناء عليه ، قال تعالى : لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ، إذا فليقابلوا نعمة رغد العيش ، ونعمة الأمن بعبادة الله ، وإخلاص الدين له سبحانه .
ولذلك كانت نعمة الأمن نعمة من ضروريات الإنسانية ، ومن مقاصد الشرائع السماوية ، نعمة الأمن فيها يعبد العبد ربه ، ويؤدي واجبه ، فيها يتعلم المتعلم ، ويدعو الداعي إلى الله تعالى ، ويسعى الساعي في كل ما يحقق له سعادته في الدنيا والآخرة .
بالأمن تطمئن النفوس ، وتنشرح الصدور ، ويتفرغ العباد لمصالح دينهم ودنياهم ، قال الله تعالى : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ، وقال تعالى : أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ نعمة الأمن عرف قدرها الكُمَّل من البشر وهم أنبياء الله ، يقول الله سبحانه عن صالح عليه السلام ، وهو يذكر قومه هذه النعمة ، ويحذرهم من الاستخفاف بها : أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَا هُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ .
أيها المسلمون . . . . بم يتحقق الأمن ؟ إن الأمن في الأوطان يتحقق بعبادة الله وحده لا شريك له ، والخضوع له ، والقيام بشرعه ، قال الله تعالى : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
كيف نحافظ على هذا الأمن ؟ نحافظ عليه أولا بشكر الله تعالى على هذه النعمة بقلوبنا ، وبألسنتنا ، وبجوارحنا ، وأن نتصور عظم هذه النعمة ، ونعلم عظمة من تفضل بها وجاد بها وهو ربنا جل وعلا ، فنرفع الشكر والثناء لرب العالمين على هذه النعمة ، نعتقدها في قلوبنا ، وأنها من الله فضلا وإحسانا وجودا وكرما ، فنقابلها بشكره ، وشكره يزيد النعم ، قال الله تعالى : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ .
وثانيا : نأخذ على يد كل من يريد زعزعة هذه النعمة وتكديرها ، نأخذ على يده حتى لا يتمادى في شره وطغيانه ، فإن ترك أولئك يعيثون في الأرض فسادا كفر بهذه النعمة التي أنعم الله بها على عباده ، قال الله تعالى : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
أمة الإسلام . . . بلادكم العراق بلدُ النهرين بلدُ الحضارة والتأريخ بلد قويت فيه شعائر الإسلام ، وحكمت فيها دولة الخلافة الاسلامية ، بلد العلم والتعلم ، بلد الخيرات ، بلد آوى مأمن ومستقر آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بلدُ الفتوحات ، بلدُ شهرة العلماء فكانوا يسألون العالم الذي لم يشتهر فيقول لم يقدر لي أن ازور بغداد ..
فيا أهل العراق . . لتكن كلمة أهل البلد واحدة ، وعلى قلب واحد في الدفاع عن هذا الدين وعن تعاليمه السامية ، والأخذ على يد المفسدين والعابثين والمغرر بهم ، ومن ليس لهم حظ في العلم والتعلم .
يا أهل الإسلام . . . إن هناك شرذمة من الناس ضالة زعزعة أمن هذه البلاد ، أحرقت ودها ، وقتلت أبناء ، واستبدلت الأخوة بالعداوة ، والمودة ، بالحقد والكراهية ، والوحدة بالفرقة ، وحرمة دم المسلم ، بحلها والدعوة للقتال والطائفية ، ليس لها غرض صحيح ، ولا هدف مقبول ، تصرفاتها دالة على ضلالها ، وضعف الإيمان أو انعدامه من قلوب الداعين لها ، هدفهم التفجير والتدمير ، همهم القتل والإفساد ، غايتهم الخروج على الأئمة وتكفير من خالفهم ، وقتل الأمة والسعي في الأرض فسادا .
نعمة الأمن ، ورغد العيش التي يتمتع بها عباد الله ، ويدعو إلى شكرها العلماء المخلصون ، ويضيق بها ذرعا أولئك الحاقدون الكارهون ، هؤلاء تغيظهم تلك النعم ، يريدون للأمة أن تعيش في فوضى وبلاء ، ويأبى الله والمؤمنون ذلك ، قال الله تعالى : يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، قال تعالى : يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
أمة الإسلام . . . إن من عمل ليل نهار على زعزعة أمن هذه البلاد يريد بالأمة كيدا ، ويريد بالأمة ضررا وفسادا ، إذا فالواجب على الجميع تقوى الله ، وتضافر الجهود في سبيل الحيلولة بين دعاة الفتنة والشر وبين مصالح العباد والبلاد . لقد افسدوا ودنا وأظهروا علينا من لايخاف الله فينا ولا يرحمنا .
إن الأمة بعد ما عرفت الأمر ، وتدبرت حقيقة أولئك لم يبق شك ، ولا ارتياب في أن أهداف هذه الفئة الضالة واضح للملأ ، وأنه الإفساد والإضرار ، والسعي في الأرض فسادا ، وتحقيق مطالب أعداء الإسلام ، وتسهيل المهمة لهم ، هكذا يقصدون ، قوم غرر بهم ، وقوم تلاعب بهم الأعداء حتى جعلوهم وقودا لهذه الفتنة ، وإن المسلم ينبغي أن يكون حذرا يقظا ، لا يغتر بكل رأي ، وبكل فكر يفد إليه من غير أن يمحصه ، ويضعه في الميزان العادل ، فيعرف حقائق الأمور .
كم من مدع يزعم الإصلاح والصلاح ، وكم من مدع للخير ، والله يعلم ما وراء ذلك ، قال الله تعالى : وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ الآية ، وقال تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ .
هؤلاء المفسدون قوم ضل سعيهم ، وزين لهم الشيطان الباطل فرأوه حقا ، قال الله تعالى : أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ، وقال تعالى : قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
إن المخربين من قتلة الشعوب ومستبيحي الدم الحرام عاثوا في الأرض فسادا ، قتلوا الأبرياء بلا سبب ، سفكوا دماء أبناء الوطن ، بلا مبرر يدعو إليه ، وإنما هو الحقد الدفين ، ومحاولة إلحاق الأذى بالأمة ، ولكن الله بالمرصاد لكل من يريد الشر والبلاء بالمسلمين ، قال الله تعالى : وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ الآية .
إن الأمة يجب أن تكون حذرة ، وأن تأخذ عبرة من هنا وهناك ، كم من أناس يعيشون في فوضى وبلاء ، عجزوا أن يحققوا لمجتمعاتهم أمنا ، تستقر به نفوسهم ، ويهنؤون فيه بعيشهم ، ويأمنون على أنفسهم ، وأولادهم ، وأعراضهم ، وأموالهم ، خيرات في الأرض ، وخيرات متعددة ، لكن والعياذ بالله ألبسوا شيعا ، وصار بعضهم عدوا لبعض ، يقتل بعضهم بعضا ، قال الله تعالى : قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ .
أيها الناس إن من يرضى بالأذى للمسلم بغير حق فقد باء بالإثم العظيم ، وخالف تعاليم الإسلام ، قال الله تعالى : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا .
إن سفك دماء النفوس المعصومة كبيرة من كبائر الذنوب ، وعظيمة من العظائم ، وجريمة من الجرائم ، لا يستحل دم امرئ مسلم إلا من فارق الإيمان والعياذ بالله ، فإن المؤمن حقا يعظم دماء الأمة ويحفظها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما فلا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يسفك دما حراما.
فليتق الله أولئك المفسدون ، وليتوبوا إلى الله من جرمهم ، وليندموا على ما مضى ، وليعزموا ألا يعودوا إلى تلك الجرائم والخطيئات ، وليعلموا أن الله مجاز كلا بما عمل ، وأن أول ما يقضى به بين العباد من حقوقهم الدماء يوم القيامة ، أول ما ينظر في قضاياهم يوم القيامة الدماء ، فحافظوا – رحمكم الله – على أرواح أمتكم ، وصونوا بلادكم ، واحذروا من أولئك المفسدين ، وإياكم أن تكونوا أعوانا لهم ، أو متعاطفين معهم ، أو مسوغين لهم فعلهم ، أو متأولين لباطلهم ، فإن أمرهم واضح جلي لا يرتاب فيه مسلم ، وإن سعيهم إفساد وفساد ، وانحراف عن الطريق المستقيم ، وليس لهم أي مبرر ولا تأويل ، ولكنه الخطأ الواضح ، والجرم الكبير .
إذا فالأمن نعمة من نعم الله تعالى على عباده ، فمن أصبح معافى في بدنه ، لا يشكو من أي شيء ، عنده من العيش ما يكفيه ليومه وليلته ، آمنا في بيته ، آمنا على دينه ، آمنا على أهله ، آمنا على نفسه ، آمنا على ماله ، فكأنما أعطي الدنيا بأسرها ؛ لأن الصحة في البدن ، ورغد العيش مع توفر الأمن الذي يحفظ ذلك نعمة من أجل نعم الله على عباده ، وسلبها والعياذ بالله عقوبة من الله على العباد ، قال الله تعالى : وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ .
أيها المسلم . . . . طبقات المجتمع كلها واجب عليهم النهوض بمسؤولياتهم ، والوقوف أمام هذه التحديات بقلوب ثابتة ، وعزيمة صادقة ، ونفوس مطمئنة ، وصدق وأمانة في تحمل المسؤولية .
فيا أيها المعلم . . . اتق الله ، وليكن هدفك توعية شباب المسلمين ، وتحذيرهم وإنقاذهم من الشر ، وتربيتهم تربية إسلامية ، وإذا سمعت عن شبهة لدى أحدهم . فأزل تلك الشبهة عنه ، وبين له حقيقة الأمر ، وأوضح له السبيل المستقيم .
أيتها المعلمة . . . . إن واجبك أمام الفتيات أن تعلميهن الخير ، وتنشري بينهن الفضيلة والدعوة إلى الخير ، والتحذير من أولئك وأمثالهم .
خطباء الجوامع . . . أئمة المساجد . . . واجبكم أمام الله أن تقوا مع المجتمكع لدفع الفتن لا الوقوف على المنصات والتحريض والدعوة للقتال والفتنة الامام قائد في مسجده مؤتمنن على مصليه يحفظهم ويحفظ منفسه بهم والخيانة والغدر ليس من هدي الصالحين ..
.
فالواجب على الجميع تقوى الله ، وإصلاح الأخطاء والسعي فيما يجمع الكلمة ، ويوحد الشمل ، وإن الأمة لا نجاة لها ولا سعادة لها في الدنيا والآخرة إلا إذا لجأت لربها ، وتمسكت بدينها وعقيدتها الصحيحة علما وعملا ، وابتعدت عن كل ما يثير الفتنة ويسبب المشاكل ، فإن التمسك بهذا الدين ، والاعتصام بهذا الدين سبب الخير والصلاح واجتماع الكلمة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله … الحديث ، فكتاب الله عصمة لنا من كل سوء ، وعصمة لنا من كل بلاء ، وفتنة ، وعون لنا على أعدائنا ، وسلاح ماض ضد أعدائنا .
إننا إذا تمسكنا بهذا الدين التمسك الصحيح علما وعملا ، فإن الله يعلم منا ذلك ، والله أكرم الأكرمين لا يغير نعمه على العباد حتى يكون العباد هم السبب في زوالها ، قال الله تعالى : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، فإذا غير العباد نعمة الله بكفرها والعياذ بالله ، وغيروا دين الله بالتهاون والتساهل غير الله عليهم نعمته بسلبها منهم ، وإذا التجأ العباد إلى الله ، ووثقوا بالله وتوكلوا عليه ، وحكموا شرع الله ، وأقاموا دين الله ، وتآمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر فإن الله جل وعلا سينصرهم ويؤيدهم ، ويسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان هذه الأمة ، يحفظها من كيد الكائدين ، ويأخذ على أيدي المفسدين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متى ما قوي جانبه ، وعظم شأنه ، وتفاعل في المجتمع ففيه الحماية بتوفيق من الله ؛ لأن دين الله هو السبب في أمن الأمة ، وسلامتها ، وثباتها ، وحفظها من كل سوء ومكروه .
نسأل الله الاستقامة على الهدى ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، وأن يردنا إليه ردا جميلا ، وأن يجعلنا وإياكم ممن عرف الحق واتبعه ، وعرف الباطل فاجتنبه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
السبت 5 ربيع الأول 1436 هجرية