احاديث شريفة عن بواعث العمل
نشرت بواسطة: admin
في قسم الاسلاميات
ديسمبر 11, 2014
372 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم، مقدمة بسيطة لموضوع دقيق هذه المقدمة هي أن الإنسان له عمل في الدنيا، ولهذا العمل باعث، أو لهذا العمل دافع، هذه الدوافع أو هذه البواعث منها ما هو جلي ظاهر، فأحياناً يفتح الإنسان محلًا تجاريًا كي يكسب منه رزقاً، الهدف واضح جداً، الباعث أو الدافع أو الهدف وراء هذا العمل التجاري هو كسب المال، ومن هذه البواعث ما هو خفي، قد يكون للعمل ظاهر وباطن، من هذه الدوافع ما هو فطري، كل إنسان عنده اندفاع للحفاظ على وجوده، عنده اندفاع للحفاظ على سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، هذه دوافع فطرية.
وهناك دوافع كسبية، كيف ذلك ؟ إذا عرف الإنسان الله عز وجل فمن لوازم هذه المعرفة أن تنشأ عنده دافع لمرضاته، الدافع لمرضاة الله عز وجل دافع كسبي، أما الدافع للحفاظ على وجودك فدافع فطري، كل إنسان ينطلق ليحافظ على وجوده، وعلى استمرار وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى سلامة وجوده، لكن ما كل إنسان يهدف أن يرضي الله عز وجل إلا إذا عرفه، فإذا ما عرف الله عز وجل يرضي الناس، أما إذا تمّ له جانبٌ من معرفة الله عز وجل فعندئذ ينشأ عند هذا الإنسان باعث أو دافع لطلب رضوانه.
إذا أيقنت بالجنة ينشأ عندك باعث جديد، أن تعمل لها، فتجد الذي يؤمن بالجنة يقدم خدمات بلا مقابل، يرجو الله والدار الآخرة بها، أما الذي يؤمن بالدنيا فقط فلا يتحرك من دون مال، لا يقدم خدمة من دون مال، الدنيا عنده هي كل شيء، أما الذي يعرف الآخرة، وما فيها من نعيم مقيم ينشأ عنده دافع لبلوغها، إذاً النقطة الدقيقة في هذا الدرس هي أن العمل هو ثمن الجنة، الدليل قال تعالى:
﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
[ سورة النحل: الآية 32]
أدق من ذلك، العمل مفتاح الجنة، لأن الجنة بفضل الله عز وجل، لأن الجنة محض فضل، والنار محض عدل، الجنة محض فضل، لكن كيف تعطى ؟ مفتاح الجنة العمل الصالح الأصح، مثلاً سوف نقدم لك بيت ثمنه ثلاثين مليونًا، ستدفع ثمن مفتاحه فقط خمس عشرة ليرة، فكل عملك في الدنيا لا يوازي ثمن البيت، لا يوازي ثمن مفتاحه فقط، فصار المفتاح ورمز الله عز وجل، تحقيقاً للعدالة الإلهية، وتنظيماً للعمل الصالح، جعل العمل الصالح مفتاح الجنة، ففي الأثر:
(( ادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم ))
عملك يحدد لك مكانك في الجنة، أما الجنة فبرحمة الله عز وجل، هذا فحوى ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، من أن الجنة برحمة الله، ولا يتناقض هذا مع أنه بالعمل، العمل مفتاح الجنة، وثمنها رحمة الله عز وجل.
الذي أتمنى عليكم أن نقف عنده هو أن العمل هو أساس الإيمان، بل هو مظهر الإيمان، بل هو برهان على صحة الإيمان، والدليل قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾
[ سورة الأنفال: الآية 72]
الإيمان من دون عمل كلام بكلام، لا معنى له، ليس هناك موقف، ولا بذل، ولا التزام، ولا عطاء، ولا تضحية، ولا تحمل تبعات، ولا صبر، ولا إيمان، قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾
[ سورة الأنفال: الآية 72]
العمل أساس الإيمان، العلم مظهر الإيمان، العمل برهان على صحة الإيمان، كلكم يعلم أن الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل، قال تعالى:
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾
[ سورة آل عمران ]
لماذا اختار الله من بين صفات المتقين هذه الصفة ؟ لأنها برهان على صدق تقواهم، الذين ينفقون في السراء والضراء.
أتابع هذه المقدمة بأصل منها، مادام العمل هو جوهر الدين، ومادام الإيمان بلا عمل كالشجر بلا ثمر، ومادام العمل مظهرًا من مظاهر الإيمان، ومادام العمل برهانًا قاطعًا على صحته، متى يصح العمل ؟ هنا المشكلة الآن، العمل له باعث، إن وجدت بناء يا ترى ماذا سبق هذا البناء ؟ سبق هذا البناء أنه بني في ذهن صاحبه، قال صاحبه: أعمر هنا بناء، لا يزال البيت القديم قائمًا، فكر صاحبه بإنشاء هذا البناء، اشترى الأرض، رخصها، هناك مجموعة مراحل تسبق ظهور البناء، كذلك العمل، هناك جانب منه غير مرئي، وهو الباعث، هنا موطن الشاهد، هنا بيت القصيد، العمل في الإسلام يقوم حصراً بنيته، أقول: حصراً، من أين جئت بهذا الكلام ؟ من قول النبي عليه الصلاة والسلام، عن عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))
[ متفق عليه ]
(إِنَّمَا) أداة حصر، هناك مثل شهير أستخدمه دائماً، خمسمئة ليرة ملقاة على الأرض، مرّ شخص، وأمامها مصور واقف في زاوية، هذا الشخص انحنى، نظر إليها، وأخذها، ووضعها في جيبه، وتابع سيره، صورناه، وضعنا خمسمئة ليرة ثانية، مر شخص آخر، نظر إليها، فانحنى، والتقطها، ووضعها في جيبه، لو تشابهت الأعمال تشابهاً تاماً في شخصين رجلين في سن واحدة، في ملامح متشابهة، في مكان واحد، المبلغ نفسه، الانحناء واحد، الطول واحد، الاثنان يرتديان معطفاً، وضعا هذا المبلغ في جيب المعطف، لو وازنا بين الصورتين لوجدنا العمل نفسه، الأول مؤمن نوى أن يأخذها ليدفعها إلى صاحبها، وتوجه إلى أقرب دكان، وذكر لصاحبها أن هناك مبلغاً وجدته في هذا المكان، وهذا عنواني، وهذا هاتفي، والثاني نوى أن يأكلها حراماً، فالعمل نفسه، عمل يرقى بصاحبه، وعمل يهوي بصاحبه في الهاوية.
استخدمت هذا المثل الصارخ، إنسان يتزوج، وإنسان يزني، ربما كان العمل في النهاية واحد، لكن هنا يرقى، وهنا يسفل، إنسان يقبض مالاً، إن قبضه حلالاً يرقَ، وإن كان حراماً يسفل، حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
((… إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ…)).
العمل يقيم أو يقوم، كلاهما صحيح، حصراً بنيته، إذاً أن تتأمل نيتك، وأن تراجع نيتك، وأن تفحص نيتك، وأن تدقق في نيتك شيء خطير، قد يأتي الإنسان يوم القيامة بأعمال كالجبال، بنوايا ليست راقية، قال تعالى:
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
[ سورة الفرقان: 23]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ))
[مسلم]
أنا أشعر أن موضوع الباعث، أو موضوع النية، أو موضوع الإخلاص من أخطر موضوعات الإسلام، لأنك وأنت مخلص ترقى بعمل قليل، وأنت غير مخلص تهوي بعمل كثير، بإخلاص ترقى بعمل قليل، ومن دون إخلاص تهوي بعمل كثير، هذا كله تقديم لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ))
لو وقفت في طريق مكة المدينة لرأيت مئات، بل ألوف، بل عشرات الألوف يسافرون من مكة إلى المدينة كل يوم، وهناك أشخاص في وقت ما سافروا من مكة إلى المدينة، فسموا مهاجرين، وأثنى الله عليهم، وأثنى عليهم رسول الله، ورضي الله عنهم بنص القرآن الكريم، الانتقال نفسه، الآن اذهب إلى مكة، واركب السيارة، وانتقل فيها إلى المدينة، هل أنت مهاجر ؟ معنى هذا: (
(إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))
الإنسان قد يأتي مجلس العلم ليلتقي مع إنسان، أو قد يأتي مجلس العلم لشيء آخر غير طلب العلم، وقد يأتي إنسان مجلس العلم لا يبتغي من مجيئه إلا مرضاة الله عز وجل، شتان بين الوجودين، شتان بين الحضورين، شتان بين العملين، شتان بين السعيين، مادامت النية لها كل هذه الخطورة، ولها كل هذا الشأن، ولها كل هذا التأثير، تأثير ماحق، أو تأثير داعم، فكل عمل بنية سيئة يتلاشى، وعمل آخر بنية طيبة يتنامى، إذاً يجب أن نركز على نيتنا، يجب أن نركز على إخلاصنا، وهناك بعض الآيات الكريمة المتعلقة بالإخلاص، قال تعالى:
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾
[ سورة الإنسان: 9]
لاحظ، الذي يعلق أهمية كبيرة على رد فعل الناس اتجاهه يقول لك: يا أخي ليس هناك وفاء، ثمة جحود، ولؤم، يتألم جداً، إذا لم يجد لعمله ثمرة عند الناس، يمكن أن نتوقع أن هذا الإنسان في نيته الخالصة خلل، فإنك إذا عملت عملاً ترضي الله به ما شأن الناس إن استجابوا أو لم يستجيبوا، إن شكروا أو لم يشكروا، إن قدروا أو لم يقدروا.
أنا لا أنسى هذا الموقف لسيدنا عمر حينما سأل أحد المرسلين الذين جاؤوا من القادسية، فقال هذا الرسول: مات خلق كثير، قال: من هم ؟ قال: إنك لا تعرفهم، فبكى عمر رضي الله عنه، قال: وما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم، ومن أنا ؟.
وهذا الكلام أسوقه لتعلموا أنه إذا عملت عملاً صالحاً، ولا أحد علم به، وما ضرك ألاّ يعلم به أحد إذا كان الله قد علمه، ما ضرك أن يجهل هذا العمل الناس إذا كان الله قد علمه، هذا الإخلاص، أن تكتفي بالله، أن يجزئك علم الله عز وجل عن علم الناس، فلذلك استجداء المديح ضعف في الإخلاص
فليت تحلو و الحيـــاة مريرة وليت ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبـينـك عامر و بيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الوصل فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
هذا هو موقف المؤمن، بعض الأمثلة الموضحة، ما قولك أيها الأخ الكريم في أن الإخلاص أو علو النية، أو صدق النية، أو سمو النية، يقلب العلم الدنيوي إلى عبادة، العلم الدنيوي، الزواج، أنا أحياناً في عقود القران ألقي كلمات، مرة ألقيت كلمة قلت لهم: يقول الله عز وجل:
﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾
[ سورة النساء: 104]
قلت لهم: ما علاقة هذه الآية بعقد القران ؟ ليس لها علاقة، هذه آية متعلقة بالجهاد، يمكن أن نسحبها بشكل أو بآخر على أن العمل إذا رافقته نية عالية يصبح عبادة، فإن لم تكن له هذه النية يصبح عملاً تافهاً، فالمؤمن إذا تزوج هو في الظاهر مثله مثل أي إنسان يسعى لتأمين بيت، يسعى لتهيئة هذا البيت، لفرشه بالأثاث، متاعب كثيرة من غرف النوم إلى غرف الاستقبال، إلى الثلاجة، إلى الحاجات الأساسية، إلى بعض ما يقتضيه المنزل، ترى المؤمن يتعب، وغير المؤمن يتعب، أما المؤمن فينوي من زواجه طاعة الله عز وجل، ينوي إحصان نفسه، ينوي إحصان فتاة مؤمنة، ينوي إنجاب ذرية صالحة، أين: ]وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ[، يرجو المؤمن من الزواج ما لا يرجوه غير المؤمن، ذاك يبحث عن المتعة فقط، وكل حياته مشاكل، إذا رجا الإنسان ربه عز وجل الله عز وجل يضفي الله على حياته الخاصة سعادة.
فهذه واحدة، وهل تصدقون أن النية السيئة تقلب العبادة إلى جريمة ؟ قال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
[ سورة الماعون: 4-7]
رجل يصلي، توضأ، وصلى، قال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
[ سورة الماعون: 4-7]
عمل دنيوي، تجارة، زواج، كسب مال إذا رافقته نية عالية يصبح عبادةً، وعمل عبادي محض إذا رافقه الرياء يصبح جريمة، يستحق أن يقول الله لصاحبه: ويل لك، أرأيتم إلى أثر النية كيف أنها تقلب العبادة إلى انحراف، وتقلب العمل الدنيوي إلى عبادة ؟ وأنا أؤكد لكم أن كل واحد منكم في اختصاصه، وفي مهنته، وفي حرفته يمكن أن يجعلها عبادة إذا كانت مشروعة، وإذا نوى بها كسب رزق حلال، وإذا نوى بها خدمة المسلمين، وإذا لم تمنعه من أداء فرض أو واجب أو طاعة أو مجلس علم، ويؤكد هذا النبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى رجلاً يصلي قال: يا فلان، من يطعمك ؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك، الذي يعمل أشد عبادةً لك، وأنت تعبد الله في المسجد، في النهار أخوك أعبد منك، من هنا يقول سيدنا علي: ” قيمة المرء ما يحسنه “، لك مصلحة، لك مهنة، لك حرفة تتقنها، تكسب منها رزقاً حلالاً، تنفق على نفسك، على عيالك، ترفع رأسك، يدك هي العليا، هذا المطلوب.
أنا أتمنى كما قلت لكم قبل أسبوع: أتمنى أن ينال الإنسان كل شيء يحتاجه بطريق مشروع أولاً، ومن خلال عمل شريف، لا أن يكون عليه منة أحد، من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه.
الآن، عَنْ مُعَاذ بْنِ أنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (
(مَنْ بَنَى بُنْيَانًا مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ، أَوْ غَرَسَ غَرْسًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ كَانَ لَهُ أَجْرٌ جَارٍ مَا انْتُفِعَ بِهِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى))
[ أحمد ]
إنسان أشاد بناء، والله سمعت عن شخص بأطراف دمشق أشاد بنائين، كل بناء أربعة طوابق، كل طابق أربع شقق، وقال: هذه لن أبيعها، هذه سأؤجرها لشباب على وشك الزواج، وحدد أجرًا معقولا، ستر اثنتين وثلاثين أسرة، هؤلاء الشباب لهم دخل، يدفع نصف دخله أجرة، أما ثمن بيت مليون فلا يتمكن أن يشتريه الشاب، وأنا أقول لكم: حينما قال الله عز وجل:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾
[ سورة النور: 32]
هذا أمر، قال عنه العلماء: إنه أمر ندب، يعني الأب والأم أولياء الشباب والشابات، أو أولياء الأمر هذا الأمر موجه إليهم، فمن المفروض علينا، أو واجب علينا أن نسهل الزواج عن طريق تسهيل أساسياته، وأول أساسياته المنزل، فهذا عمل طيب، عمر بنائين، وجهزهم، وأجرهم أجارًا بسعر معقول، وقال: هذه لن أبيعها، ولكنني سأؤجرها لشباب مقبل على الزواج، هذا المجتمع إذا لم يتعاون على حل مشكلات أبنائه لا يحبه الله عز وجل، والدليل قال تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾
[ سورة المائدة: 2]
تعاون على البر والتقوى، البر صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة، والحديث المعروف، الدعاء الشهير: اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الذي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، إذاً صلاح الدنيا مطلوب، يكون في بيوت للسكن، الشباب لا يشكو أزمة سكن مثلاً، فلما يقدم الإنسان شيئاً بنية طيبة، تصور إنساناً يعمر بنائين، متاعب الرخص، متاعب الإحضارات، تأمين الحديد، تأمين الرمل، العلاقة مع العمال، مع البنائين، البلاطين، إنجاز مواعيد، إنفاق، متاعب، خلافات أحياناً، كله عبادة، مادامت النية أن يخدم المسلمين، أنا سمعت من السلف الصالح يقولون: لما يضع المفتاح بدكانه يفتح الغلق، يقول: نويت خدمة المسلمين، هذا البائع فتح هذه الدكان ليخدم بها المسلمين أولاً، وليقتات من عمله ثانياً، فلما يغفل الإنسان عن هذه النية يصير عمله لا معنى له، وأحيانا الحياة تستهلك الإنسان، يأكل، ويشرب، وينام، ويعمل، ويذهب، ويأتي بلا معنى، أما النية فتعطي العمل هذه الصفة العالية، النية تضفي على العمل اليومي معنى العبادة.
ولا يقطعون وادياً، ولا ينالون من عدوهم نيلاً إلا كتب به عمل صالح، حتى لو تزوج الإنسان قال عليه الصلاة والسلام:
((وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ))
[مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ]
سلك الطريق المشروع، وترك الطريق المنهي عنه، هذا عمل صالح.
((مَنْ بَنَى بُنْيَانًا مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ، أَوْ غَرَسَ غَرْسًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ كَانَ لَهُ أَجْرٌ جَارٍ مَا انْتُفِعَ بِهِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى))
[ أحمد ]
أُخِذَتْ فكرة عن المسلمين مِن قبل أعدائهم، أنهم كسالى، اتّكاليون، يعني همتهم هابطة، يستسلمون للأقدار من دون سعي، من دون عمل، من دون نشاط، الذي أراه أن هذا الموقف أو هذه الصفات ليست صفات المسلمين إطلاقاً، اسمعوا لحديث الشريف، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ))
[ أحمد ]
قامت القيامة، النبي e أمرنا أن نغرس غرساً، نحن ما عندنا ازدواجية، دنيا وآخرة، لا، الدنيا من أجل الآخرة، والآخرة من أجل الدنيا، ليس هناك ازدواجية، ولا خطان متوازيان، خط واحد، فإذا أتقنت عملك في سبيل الله، إذا راعيت مصلحتك في سبيل الله، إذا أديت واجبك في سبيل الله فهو عبادة.
حديث آخر: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ))
[ البخاري ]
الزراعة عمل شريف جداً، لأنك تقدم للناس أقواتهم، وكلما كثر الإنتاج رخص الثمن، وعم الرخاء، لماذا قال عليه الصلاة والسلام:
((الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ))
[ابن ماجه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]
لأن الجالب يسّر الأمور، البضاعة وجدت، فلما وجدت هبط سعرها، فعم الرخاء، وأقول لكم: التاجر المؤمن إذا قل ربحه، وانتفع الناس جميعاً ببضاعته يفرح، وغير المؤمن إذا نزل السعر يقول: تبدلت البضاعة، يجب أن نبيع كيلو المشمش بخمسين ليرة، بع بخمسة عشر، ينزعج جداً، يقول: هذا سعر رأسمالها، فلذلك المؤمن يتمنى أن ينعم الناس، وأن يعم الرخاء، ولو قل ربحه، لأنه يحب الناس، وغير المؤمن يتمنى الربح الوفير، ولو على حساب الجمع الغفير.
((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ))
[ البخاري ]
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ))
[ البخاري ]
لكن أحياناً بعض إخواننا الكرام يروي هذه الأحاديث للناس، يفهمها فهماً آخر، أحدهم مقيم على المعاصي، وعلى الانحرافات، كل مصروفي صار صدقة، بارك الله بك، ليس هذا، كل مصروفك صدقة إذا كنت مؤمنًا مستقيمًا ملتزمًا، على المنهج، أما إذا كنت في تفلت، فهذا بحث ثان، وحساب آخر، ما كل حديث ينطبق على عامة الناس، هذا الكلام للمؤمن، المؤمن المستقيم، الملتزم، المطبق، المصلي، الصائم، الورع، هذا إذا قلنا له: حتى ما تنفقه على زوجتك، وحتى ما تنفقه على نفسك هو لك صدقة، هذا كلام طيب، لكن لا ينبغي للإنسان أن يظن أن هذا الكلام ينطبق على كل الناس، بيوت ليس فيها تقوى، ولا صلاح، ليس فيها ورع، متحللة، منحرفة، أساساً أكثر النفقات للمباهاة، ولانتزاع إعجاب الآخرين، يقول لك: كسرت عينه بدعوة أو وليمة.
الحديث الذي رواه البخاري عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ))
[ البخاري ]
صار الدين كل حياتك، كل نشاطك، عملك، بيتك، مصروفك، مادام في معرفة بالله واستقامة على أمره، وتطبيق لمنهجه، لكن هنا ينشأ سؤال: هذه النية العالية من أين تأتي ؟ أين تباع ؟ إذا كان عندنا هذه النيات العالية صار طعامنا وشرابنا ولقاءاتنا وعملنا وكسب مالنا كلها صدقات، من أين هذه النية العالية ؟ هنا المشكلة، مرة سأل إنسان طبيبًا، قال: يا طبيب علمني كيف تكتب هذه الوصفات، وجده عملا مربحًا، خمسون زبونًا، كل واحد خمسمئة ليرة، عنده إيكو، وعنده تخطيط، خمسمئة إيكو، ومئتا ليرة تخطيط، سبعمئة معاينة، خمسون زبونًا، خمسون ألف ليرة كل يوم، قال له: علمني كيف تكتب وصفة ؟ حتى يعمل مثله، فتبسم الطبيب، قال له: هذه الوصفة محصلة علمي كله، ترجع، تأخذ الابتدائي، والإعدادي، والثانوي، بمجموع مرتفع، وتدخل كلية الطب خمس سنوات، تعمل بورد خمس سنوات، تؤمن ثمن عيادة، وثمن أجهزة، ثم أعلمك أن تكتب وصفة، هذه الوصفة محصلة الطب كله، والنية العالية محصلة الدين كله، يعني إيمانك بالله، إيمانك باليوم الآخر، إيمانك بأن الله كان عليكم رقيبا، إيمانك بأن الله مطلع عليك، إيمانك بعظمة الله، إيمانك بوعده، إيمانك بوعيده، إيمانك بالجنة، إيمانك بالنار، مجمل إيمانك مع مجمل إخلاصك، مع مجمل عملك يولد نية عالية، فمن السذاجة أن تقول: هذه النية العالية من أين أحضرها ؟ هذه النية العالية محصلة إيمانك كله، كل إيمانك يلخص بنواياك، فلذلك مستحيل من إنسان يكون إيمانه ضعيفًا تكون له نوايا عالية، لا يستطيع، إذا دعاك رجل للطعام، إن شاء الله الطعام طيب، طمئني، أكيد طيب، يريد أن يسمع منك مديحاً، لأنه تغلب، لا شيء عنده، والله يحب أن يسمع منك مديحاً، يسمع ثناء، إذا عاون إنساناً، أنا فضلت عليك، عاونتك، يقول للناس، للأقرباء، للناس، يفضحه، النية العالية تحتاج إلى إيمان بالله حتى تعمل عملا بصمت، تعمل عملا من دون تلقي جزاء، تعمل عملا، وترجو الله عز وجل، من السذاجة أن تقول: هذه النية العالية كيف أحصلها ؟ هذه محصلة الإيمان كله، إذا صح إيمانك، وصحت استقامتك، وصح عملك الصالح عندئذ تصح مع كل هذه نواياك، وترتقي بها.
الحقيقة أن النية ترفع العمل إلى أعلى الدرجات، والنية السيئة تجعل من الأعمال الصالحة أعمالا سيئة، أحيانا أعمال ظاهرها إنساني، مستشفيات خاصة، ترى الأسعار لا تحتمل فرضاً، وزيادات، وتجاوزات، لم يعد عملاً إنسانياً، النية صارت واضحة، كسب المال بأسرع ما يمكن، فالنوايا المادية تقلب الأعمال الإنسانية إلى أعمال مادية، والنوايا تقلب الأعمال المادية إلى أعمال إنسانية.
إنسان ما تمكن أن يجاهد، جاء النبي عليه الصلاة والسلام ليحمله على ناقة، أو على دابة، فلم يجد النبي فتولوا، وأعينهم تفيض من الدمع، قال تعالى:
﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾
[ سورة التوبة: 92]
كتبت لهؤلاء أجر المجاهدين، مع أنهم لم يجاهدوا، أحياناً تنوي عملا، بعد هذا لا يقع العمل، كأنك فعلته، هذا الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ:
((إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ))
[البخاري]
وفي حديث آخر:
((إن الله تعالى يكتب للمريض أحسن ما كان يعمله في صحته مادام في وثاقه، وللمسافر أحسن ما كان يفعله في حضره))
[الطبراني في الصغير عن أبي سعيد]
مادامت النية طيبة فالمسافر منع من أعمال طيبة، من حضور مجالس علم، من أعمال صالحة، كل هذه الأعمال التي كان يفعلها في حضره تكتب له في سفره، وكذلك المريض كل أعماله الصالحة التي كان يفعلها في صحته تكتب له في مرضه، هذه النية، فإذا اتجه الإنسان إلى النية، ومحصها، ودقق، وفتش، وحاسب نفسه حساباً عسيراً، وتأمل نفسه، ما نيتي ؟ أحيانا الإنسان له نوايا مادية، فيغير كلامه تبعاً لهذه النوايا، فعليه أن يراقب نفسه، وإلا يقع في الحجاب مع الله عز وجل.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة فارقها واللهُ عنه راض))
[الحاكم في المستدرك عن أنس]
أنا أتمنى على إخواننا الكرام، وأذكّر نفسي قبلهم دائماً: تأمل عملك، ماذا عندنا من حلول ؟ ما هي بعض الحلول التي تؤكد للإنسان أنه مخلص، منها كتمان العمل، أما إذا ذكر الرجل العمل لإنسان يحبه ليأنس به، أو ليشجعه فلا مانع، أما إذا شعر أنه لما يذكر عمله للناس يقع في الرياء والنفاق فعليه أن يكف عن ذكر عمله، إذا أدى صلوات معينة، أنفق إنفاقاً معيناً، صار له جولات معينة، وشعر أنه كلما قالها للناس يحس بالحجاب عن الله عز وجل، معنى ذلك أنه دخل إلى نفسه العجب، أو دخله الرياء، فالعلاج الفوري أن يسكت عن ذكر هذه الأعمال لتكون خالصةً لوجه الله عز وجل، إذا أنت أنفقت نفقة، وما ذكرتها لأحد، وجاءك الشيطان لا سمح الله، وقال لك: أنت منافق، معك حجة قوية، لماذا أنا منافق ؟ من الذي علم بهذه الصدقة حتى أفتخر أمامه ؟ ما علمها إلا الله، كتمان العمل يؤكد لك أنك مخلص، غض بصرك عن محارم الله، وأنت في خلوة، أنت جالس في غرفتك، وثمة نافذة مفتوحة في البناء الثاني، وطلّت امرأة، وأنت وحيد، حينما تغض بصرك عن هذه المرأة، ولا أحد يعلم ذلك في الأرض إلا الله، فهذا العمل يفسر قولاً واحداً بالإخلاص، إذاً عندك إنفاق، غض بصر، مثلاً، عمل طيب، إصلاح من دون ضجيج، من دون تبجح، من دون ذكر، من دون ترداد، هذا يعينك على أن تخلص، الآن إذا عملت عملاً صالحاً، وقابلك الناس بالسوء، وتألمت ألماً شديداً جداً، فهذه علامة ضعف الإخلاص، مادمت قد فعلت هذا العمل لله، الله عز وجل اطلع عليك، وعملك عنده محفوظ، فلماذا الحزن الشديد ؟ من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به، فربنا يمتحنك، ويجعل لك عملا صالحًا، أما من تألّم الرجل، بعد أن وقع عليه نقد شديد، وتبرم شديد، معنى أن هذا الإخلاص ضعيف، وإذا كمان في رضا، أو في شعور بالراحة رغم الانتقاد، معنى هذا أنك مخلص لله عز وجل، فلا تبالِ بكلام الناس،
هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا فليس لي عنهم معدل وإن عدلوا
و الله وإن فتتوا في حبهم كبدي باق على حبهم راض بـما فعلوا
ربنا عز وجل امتحنك، أراد أن يجعل من قصتك قصة بين الناس، هذه مشيئة الله عز وجل، هل الإفك قليل ؟ الإفك صبر عليه النبي e، والسيدة عائشة صبرت، فأيّ امرأة إلى يوم القيامة يلوك الناس حديثها بأفواهها، وهي بريئة فلها في السيدة عائشة أسوة حسنة، ربنا عز وجل جعل الأنبياء يمثلون كافة النماذج البشرية، سيدنا نوح ابنه عاق، ابنه عاصٍ، والذي عنده ولد على غير مستواه فلا يتألم كثيراً، سيدنا لوط زوجته ليست مؤمنة، فالذي عنده زوجة سيئة فله في سيدنا لوط أسوة حسنة، وإذا كانت الزوجة مؤمنة ولها زوج فاسق فاجر فلها في السيدة آسية أسوة حسنة، فرعون كان زوجها، قال تعالى:
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
[ سورة التحريم ]
أنبياء كانوا فقراء، أنبياء كانوا ملوكًا، أنبياء كانوا أصحاء، أنبياء مرضوا، أحياناً حتى على مستوى الصحابة، هناك صحابي غني، وصحابي فقير، وصحابي مات شاباً، وصحابي مات في سن متقدمة، فربنا جعل نماذج الأنبياء كلها أسوة حسنة لنا.
الحديث الأخير في هذا الموضوع، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))
[مسلم]
الجسم معروف، والصورة ثياب، نوع الثياب، قيمة الثياب، ألوان الثياب، ممكن أن يكون مع الصور، بيت الإنسان، مركبته، أساسه.
((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))
لذلك قالوا: القلب بيت الرب، والحديث القدسي: عبدي طهرت منظر الخلق سنين أفلا طهرت منظري ساعة.
تقريباً الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام أن نستنبط كما يقول علماء النفس من قلوبنا، أن نستنبطها كلما تحركنا حركة، انظر إلى نفسك، قد تقول: أنا لا أعرف، أقول لك: بل تعرف، والدليل قال تعالى:
﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾
[ سورة القيامة]
أنت تعرف ماذا تريد من هذا العمل ؟ ما دمت تعرف فصحح، وقوّم نفسك، وقوّم اعوجاجك دائماً، والآية المعروفة عندكم:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
[ سورة البينة: الآية 5]
العبادة ظاهرة، والإخلاص باطني، القلب مخلص، والجوارح مطيعة، هذا الدين، الإخلاص في القلب، والطاعة في الجوارح، الإنسان أحياناً لا يكفي أن يتقن الظاهر فلابد من إتقان الباطن، أصحاب النبي عليهم رضوان الله كانت علانيتهم كسرائرهم، الآن يقول لك مثلاً: فِرق، وطرق، أصحاب النبي تمثلوا الإخلاص والورع، والفضائل، وحب الله عز وجل، وحب النبي عليه الصلاة والسلام من دون مصطلحات جديدة، ونحن استخدمنا مصطلحات جديدة، ومضمونًا فارغًا، فالعبرة أن نكون كما كان أصحاب النبي عليهم رضوان الله، فالإنسان عليه أن يسعى لا لإصلاح ظاهره، بل إلى إصلاح ظاهره وباطنه، لأن ظاهره ينتهي عند الموت، لكن باطنه يبقى معه إلى أبد الآبدين، هذه النفس هي جوهر الإنسان، هي ذات الإنسان، وما هذا الجسد إلا ثوب خارجي يخلع عند الموت، فإذا كانت العناية كلها بالمظاهر المادية فعندنا مشكلة كبيرة، عند الموت سوف تكشف أن الذات ليس في المستوى المطلوب، أما الإنسان فعندما تكون عنايته بباطنه كظاهره، عندنا أسرار تقول: الآن المسلمون ألف مليون، وفي رقم سمعته ألف و مئة تقريباً، رقم مذهل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((وَلَا يُغْلَبُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ))
[أحمد عن ابن عباس]
إذا كان من المسلمين ما يزيد عن اثني عشر ألفًا فلن يغلبوا في الأرض، معنى ذلك أننا في ضعف الإخلاص، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ))
[أبو داود عن ثوبان]
حب الدنيا يبعدك عن الإخلاص، إذاً يمكن أن نجعل من أحاديث هذا اللقاء محوراً واحداً، هو النية الطيبة التي تقلب العمل المادي إلى عبادة، وأما النية الخبيثة فتقلب العمل العبادي إلى معصية، يؤكد هذا قال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
[ سورة الماعون: 4-7]
عندنا شيء آخر، وهو أن الإنسان كلما واجه مشكلة في سيره إلى الله عز وجل، واستعصى حلها عليه يجب أن يسأل، لأن الله عز وجل قال:
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ سورة النحل: 43]
أحيانا يقع الإنسان في وسواس، قال لي أخ: تأتيني أفكار مزعجة جداً، قلت له: الجواب سهل جداً، إذا كانت هذه الأفكار تزعجك فليست منك، بل هي من الشيطان، فاطمئن، والتي منك لا تزعجك، ترتاح لها، وترددها، وتدعو لها، مادمت تزعجك فليست منك، هذه قاعدة، قال لي: الآن ارتحت فعلاً، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ:
((إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ، وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ، فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا الْإِثْمُ ؟ قَالَ: إِذَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْه))
[أحمد]
مادام الخاطر أو الفكرة تركت فرضا النفس كبير، معنى ذلك أن الإنسان رفضها، ولكن ألقاها الشيطان في نفسه، إذاً استعذ بالله منه، وانتهى الأمر، كلما واجه الإنسان مشكلة في علاقته مع الله عز وجل، مشكلة في إخلاصه، مشكلة في وجهته لله عز وجل، لا يتم ساكتًا على هذه المشكلة، إذا سأل أخاه المؤمن، سأل من يثق بعلمه، سأله، واستوضح فقد يأتي السؤال مريحًا، ومسعدًا، وشافيًا، والجواب غالباً آية قرآنية، أو حديث شريف صحيح بتوجيه إلهي أو نبوي.
والحمد لله رب العالمين
2014-12-11