عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم الدعوة والدعاة / التاريخ لايرحم والمتعض منه لايندم

التاريخ لايرحم والمتعض منه لايندم

(التاريخ لايرحم والمتعض منه لايندم (

كان قبول علي رضي الله عنه لفكرة التحكيم ـ في موقعة صفين ـ على غير رضى منه ، وكان يرى أن قبول التحكيم بينه وبين معاوية ضعف ، بعد أن كادت ترجح كفته في القتال . ولكن جيشه أجبره على قبول التحكيم . ووقعت الاتفاقية بين الفريقين ، بتحكيم أبي موسى الأشعري ، نيابة عن علي وجيشه ، وتحكيم عمرو بن العاص ، نيابة عن معاوية ومن معه . وانصرف الجيشان من المعركة إلى بلادهم . أما جيش معاوية فقد رجع صفا واحدا ، وقلباً واحداً وأما جيش علي ، فكانوا كما روى الطبري عن عمارة ابن ربيعة : خرجوا مع علي إلى صفين وهم متوادون أحباء ، فرجعوا متباغضين أعداء ، ما برحوا من عسكرهم بصفين حتى فشا فيهم التحكم ” أي إنكار التحكيم ” (راجع موضوع الخوارج عقائد وأفكار، ولقد أقبلوا يتدافعون الطريق كله ويتشاتمون ، ويضطربون بالسياط . يقول الخوارج : يا أعداء الله أدهنتم في أمر الله وحكمتم ، وقال الآخرون : فارقتم إمامنا ، ومزقتم جماعتنا فلما دخل علي الكوفة ، فارقته جماعة الخوارج وهم يعلنون كفره ـ وقد كانوا من أشد أنصاره ـ وكفر من معه ؟ لأنه قبـِّل بالتحكيم ، ولا حكم إلا لله عز وجل . وحاول علي أن يقنعهم بالحجة ، فأرسل إليهم ابن عباس ، فحاجَّهم بكتاب الله ، ولزمتهم الحجة ، لولا أن الشيطان يفعل في العابد التقي ما لا يفعله في الفاجر الشقي ، وزين لهم الشيطان خروجهم على الجماعة واستباحتهم دماء إمامهم وإخوانهم ، وتجمعوا في مكان يقال له النهروان ، وأخيرا وقعت الواقعة بينهم وبين علي رضي الله عنه فانكسروا شر انكسار ، وقتل أكثرهم ، وجرح كثير منهم ، وكان ذلك سنة 38 من الهجرة تدبير المؤامرة وفي عام 40 هـ اجتمع ثلاثة من الخوارج : وهم عبد الرحمن بن ملجم ، والبرك بن عبد الله ، وعمرو بن بكر التميمي ، فتذاكروا الناس ، وعابوا على ولاتهم ، كما ذكروا جماعتهم أهل النهروان ، وترحموا عليهم وقالوا : ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئاً ، إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم ، والذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم ، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد وثأرنا بهم لإخواننا فقال ابن ملجم ـ وكان من أهل مصر ـ : أنا أكفيكم علي بن أبي طالب ، وقال البرك بن عبد الله أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان ، وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص . فتعاهدوا وتواثقوا بالله ، لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجه إليه ، حتى يقتله أو يموت دونه ، وتواعدوا أن ينفذوا جريمتهم لسبع عشرة تخلو من رمضان ، وأقبل كل منهم على المصر الذي يقيم فيه صاحبه الذي تكفل باغتياله ؟
فأما البرك بن عبد الله ، فقد تربص لمعاوية ليلة السابع عشر من رمضان فلما خرج ليصلي الصبح شذ عليه بسيفه ، فوقع في أليته ، وكان معاوية سميناً ، فلم يؤثر معه وقبض على البرك وقتل .وأما عمرو بن بكر ، فجلس لعمرو ابن العاص تلك الليلة ، فلم يخرج عمرو ، إذ كان قد اشتكى وجعاً في بطنه ، وخرج بدلاً عنه خارجة بن حذافة ، صاحب شرطته ، فضربه ابن بكر بالسيف ، فقتله ، وقبض الناس عليه ، وهو يظن أنه قتل عمرو بن العاص . فلما مثل بين يديه قال له : والله يا فاسق ما ظننته غيرك . فقال عمرو: أردتني وأراد الله خارجة، ثم أمر بقتله فقتل

استشهاد علي رضي الله عنهوأما ابن ملجم ، فقد نزل الكوفة، فلقي امرأة من تيم الرباب يقال لها قطام ، وقد كان أبوها وأخوها ممن قتل من الخوارج يوم النهروان ، وكانت بارعة الجمال ، ففتن بجمالها ، ونسي الغرض الذي جاء من أجله ـ وهو قتل علي رضي الله عنه ـ ، وقرر أن يخطبها لنفسه ، فلما كاشفها الأمر ، قالت : آليت ألا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه ، فقال : ما هو ؟ قالت : ثلاثة آلاف دينار، وعبد ، وقينة، وقتل علي بن أبي طالب ، فقال لها : لك ما طلبت من المهر ، غير أن قتل علي بن أبي طالب يدل على أنك لا تريدينني ! ، وإنما تريدين قتلي ، قالت : بل ألتمس غزته ، فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي ، ويهنئك العيش معي ، وإن قتلت ، فما عند الله خير من الدنيا وزينتها وزينة أهلها ، فقال : فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي ، فلك ما سالت . ثم تربص لعلي ساعة خروجه إلى صلاة الصبح ، فضربه بالسيف ، وهو يقول : الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك ، فخز علي رضي الله عنه ، وتجمهر الناس ، وقبضوا على ابن ملجم ، وأدخلوه على أمير المؤمنين فقال لهم : النفس بالنفس ، إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني ، وإن بقيت ، رأيت رأيي فيه . ثم ظل بعدها يومين أو ثلاثة حتى توفي رضي الله عنه سنة 40 من الهجرة

ولا بد للمسلم من أن يقف طويلا عند مقتل علي رضي الله عنه ، فلئن كان عثمان قد قتله الأشرار من دعاة الفتنة، لقد قتل علياً أحد الأشرار ممن انحرفوا في فهم الإسلام ، ولبس عليهم الشيطان ، فزين لهم قتل !إمام المسلمين على أنه طاعة يشترون بها الجنة ، لقد كان الخوارج مشهورين بالعبادة والتقوى ، وفيهم يقول أبو حمزة الخارجي ، عفيفة عن الشر أعينهم ، ثقيلة عن الباطل أرجلهم ، أنضاء عبادة ، وأطلاح سهر، باعوا أنفسا تموت غدا ، بأنفس لا تموت أبداولكن عبادتهم لم تنفعهم حين انحرفوا في فهم الإسلام ، واستباحوا الخروج عن الجماعة ، واستحلوا دم الإمام العظيم ومن معه من المسلمين وهكذا زين لهم الشيطان أعمالهم ، وأضلهم عن السبيل ، ففتحوا باب فتنة كبير على المسلمين ، وزادوا في فرقتهم ، بعد أن كانوا فريقين : فريقا مع علي ، وفريقا مع معاوية، إلى أن أصبحوا فريقا ثالثا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء . داخلهم الزَّهو والغرور بعبادتهم ، حتى احتقروا المسلمين وكفروا أئمة الهدى ، وأضلوا المغرورين عن دين الله عز وجل ، وها هو ذا التاريخ يعيد نفسه ، وها هم أولاء فريق ممن زين لهم الشيطان غرورهم بالطاعة والعبادة يكفرون رجال الإصلاح ، ويستحبون لأنفسهم تفريق صفوف الجماعة ، وتوهين بنيان الدعوة ، ونكاد نظلم الخوارج الأولين حين نشبه هؤلاء بهم ، فلقد كان أولئك أبطال جهاد لا يكذبون ، وهؤلاء أبطال كلام لا يصدقون ، والأمر لله من قبل ومن بعد استشهاد علي وهكذا لقي الإمام العظيم ربه بعد جهاد مرير مع خصومه وجنوده ، أما خصومه : فقد حملوا في وجهه السلاح وأما جنوده : فقد نكثوا معه البيعة ، وتمردوا على نصحه ورأيه ، ثم أفرط فريق منهم حين زعم أنه يغضب لله وينتصر للحق ، فإذا هو يستحل الدم الحلال ، والعرق البريء ، وإذا هو مفرق البنيان المتراص ، والشمل المجتمع ، كان المسلمون حين قتل علي : ثلاث طوائف كبرى شيعة لعلي ، وشيعة لمعاوية ، وخوارج يستحلون دماء الفريقين ، ولئن كان علي رضي الله عنه على الحق في قتاله مع معاوية ، وكان الذين وقفوا بجانبه هم خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقد كان من الواجب أن تنتهي هذه الفرقة بعد تنازل الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما لمعاوية بالخلافة ، وكان يجب أن يلتئم شمل المسلمين ليتمموا رسالتهم الأولى ، وينشروا دعوة الله في الأرض . ولكن أعداء الله والإسلام ، لا يروق لهم اجتماع كلمة المسلمين ، فاتخذوا من مقتل علي ثم الحسين بعده ـ رضي الله عنهما ـ وسيلة لإيقاد نار العداء بين جماهير المسلمين ، ومنذ قام اليهودي الخاسر عبد الله بن سبأ يتشيع لعلي ويزعم ألوهيته ؟ منذ ذلك الوقت وجد أعداء الإسلام في التشيع لعلي شعاراً يعملون من ورائه لهدم كيان الدولة الإسلامية الفتية ، ولو كان علماء المسلمين منذ عهد الصحابة متنبهين تمام التنبه للدسائس اليهودية والوثنية والمجوسية والديانات الحاقدة على الإسلام ، لكان تاريخ المسلمين غير هذا التاريخ ، ولحفظت حرمات المسلمين وحقنت دماؤهم ، ولكان أثرهم في التاريخ أكبر مما جرى به القدر، ولكن الله غالب على أمره ، فهل يفيق المسلمون من غفوتهم ، وهل يتعظون من دروس التاريخ وهل لهم أن يفيئوا جميعا إلى كتاب الله ، ويقضوا على هذه الفرقة التي جعلت الجسم الإسلامي مثخنا بالجراح ، هل لعقلاء أهل السنة والشيعة أن يلتقوا من جديد ، على الدفاع عن هذا الإسلام الذي يحاول أعداؤه القضاء عليه دون أن يفرقوا بين سنة وشيعة ؟
هل للفريقين أن يعيشوا في الحاضر عاملين لمصلحتهم بدلا من أن يعيشوا في الماضي متحزبين إلى قوم لقوا الله وقد أصبحوا حبساء أعمالهم كل امرئ بما كسب رهين .

المكتب الاعلامي


 

 

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى..

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى؛ قال صلى الله ...

تهنئة مفتي الجمهورية للجيش العراقي بمناسبة مرور مئة وواحد سنة على تأسيسه .

تهنئة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن أحمد الصميدعي ( وفقه الله تعالى ) ...

صلاة الكسوف فوائد وتذكير ..استجاب أن ينادى لصلاة الكسوف الصلاة جامعة، وأجمعوا أنه لا يؤذَّن لها، ولا تقام لها الصلاة.

صلاة الكسوف فوائد وتذكير .. استجاب أن ينادى لصلاة الكسوف الصلاة جامعة، وأجمعوا أنه لا ...