عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم الدعوة والدعاة / يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ

 

 

 

 

((بسم الله الرحمن الرحيم))

وقفة مع(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 183 فإنَّ الصِّيام بابٌ إلى التَّقوى عريض، وحَرِيٌّ بِمَنْ صام بصرُه وسمعُه وقلبه عنِ الحرام، مع صيامه عنْ سائر المفطرات، أن يكونَ منَ المُتَّقينَ.. مَن تَأَمَّل المنقول إلينا مِن شرائع الأنبياء – عليهم السلام – وعباداتهم وأعمالهم، عَرَف أن أركان الإسلام الخمسة، قد جاءت بها شرائعُهم، وأَكَّدَت عليها رسالاتُهم، وهذا يدل على فخامَة.. وأمَّا الصلاة: فإنَّ القرآن الكريم مَليء بأخبار صلاة الأنبياء والمرسلين – عليهم السلام – وركوعهم، وسجودهم، وقنوتهم، ودعائهم في محارِيبهم. وأما الصِّيام: فهو منَ الشرائع القديمة في تاريخ البَشَر؛ إذ وَرَد في المسند، من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعًا: أن يوم عاشوراء، يوم اسْتَوَتْ فيه السفينة على الجُودِي، فصامه نوح؛ شكرًا لله – تعالى – ثم صامَه بعد قرون موسى؛ شكرًا على نجاتهم من فرعون وبَطْشه.. وفي القرآن ما يدل على أنَّ الصيام كان فرضًا على مَن كانوا قبلنا، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183]، ويحتمل أن يكونَ المراد بِمَن قَبْلنا اليهود والنصارى؛ لأنهم المعروفون لدى العرب وقت تنزل القرآن، كما يحتمل أن يشملَ كل الأمم السابقة، فيكون الصيام فرضًا على أفرادها.. وعند قول الله – تعالى -: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142]، ذكر المفسرون أن موسى – عليه السلام – صام هذه الأربعين وطواها، أي: لم يخللها بفطر أبدًا، واليهود يزعمون أن هذا الصيام كان خاصَّا بموسى وحده.. وثبت صيام موسى ليوم عاشوراء في السُّنَّة النَّبويَّة؛ ولذلك كان اليهود يصومونه شكرًا لله – تعالى.. ومن أشهر ملوك بني إسرائيل، نبي الله – تعالى – داود – عليه السلام – وقد جاءنا خبر صيامِه الذي هو أفضل، صيام التَّطَوُّع في حديث النبي لعبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: ((صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ – عليه السَّلَام – وهو أَفْضَلُ الصِّيَامِ))؛ رواه الشيخان.. واشتهر عند أهل الكتاب أنَّ الله – تعالى – لَمَّا نَجَّى قوم يونس منَ العذاب، صاموا شكرًا لله – تعالى – ثلاثة أيام، وأوجبوا ذلك على الصَّغير والكبير والبهائم، وعنهم أخذتِ الكنيسة السريانيَّة هذا الصيام، ثم الأرثوذكسية المصريَّة، وقَرَّرَتْه صيامًا واجبًا.. وأما عيسى – عليه السلام – فإنَّ النصارى يزعمون أنه صام أربعين يومًا قبل بعثته، وليس في شرائع النصارى المختلفة صيامٌ زائد على ما جاء في التوراة، فهم تبع لليهود في صيامهم.. وثبت في صحيح مسلم أنَّ النَّصارى كانوا يُعَظِّمون يوم عاشوراء، وظاهر الحديث أنهم كانوا يصومونه، فلَعَلهم أخذوه عنِ اليهود.. وأما الأمم الوَثَنيَّة: فلها مع الصوم شأن عجيب؛ إذ تَنَوَّعت فيه مللهم، وتَبَايَنَتْ مُعتقداتهم، وعذبوا أنفسهم وأتباعهم، فيما لا ثواب لهم فيه.. وكان عباد الشمس منهم يصومون من غروبها إلى شروقها، ومنهم أقوام كانوا يصومون عن اللحوم، وهذا مشهور في كثير منَ البَشَر إلى يومنا هذا، ومنهم من حَرَّمَها ألبتة، كالنباتيين، ومنهم من منعها في أوقات مخصوصة.. وأكثر الذين حرموا اللحوم، وصاموا عنها إلى الأبد، لهم في ذلك معتقد فاسد، مأخوذ من القول بتناسُخ الأرواح، فيعتقدون أن روح الإنسان بعد الموت تسموا وتعود في جسد آخر يكون مَلَكًا أو إلهًا، وروح الحيوان تكون في إنسان، فيحرمون أكله لأنه سينتسخ إلى إنسان فيكون الإنسان قد أكل أخاه الإنسان، وكل الشرائع الرَّبَّانيَّة لم تُحَرِّم أكل اللحم مطلقًا، وإنما ذلك من إحداث البَشَر، وتَخَبُّطهم، وانْحِرَافِهم.. وبعض الوَثَنِيينَ كانوا يُعَذِّبون أنفسهم وأتباعهم بالصيام، ويُبَالغون في مُحَاسبة أنفسهم، وإرهاق أجسادهم بالزُّهد والتَّقَشُّف، حتى تميل أعناقهم عن أبدانهم من شِدَّة الجوع، وهلك خَلْق كثيرٌ منهم بالصيام؛ بل رأى المُتَرَهْبِنُون من قدماء الهنود والصينيين والبوذيين، أنَّ غاية الكمال البشري، والسمو الروحاني، يكون في الامتناع عن المآكل والمشارب حتى الموت، فقتلوا بذلك ألوفًا من أتباعهم.. وأما المشركون العرب: فكانوا مُتَأَثِّرين في صومهم بأهل الكتاب المجاورين لهم، وقد ثبت في السنة النبوية أن كفار مكة كانوا قبل البعثة يصومون عاشوراء، ومما ذُكر في سبب ذلك أنهم أذنبوا ذنبًا، فأشار اليهود عليهم بصوم عاشوراء؛ لتكفيره.. وأما في زمننا هذا: فإن لكل أمة من أمم الوثنية ومن أهل الكتاب صيامًا مخصوصًا، لهم فيه معتقدات لا تختلف كثيرًا عن معتقدات السابقين منهم، وإن كان التَّحريف والحذف والإضافة يطول أديانهم باختلاف الزمان والمكان.. فاليهود: لا يُقِرُّون بِصَوم واجبٍ إلاَّ يومًا واحدًا في السَّنة، يسمونه يوم الغُفران، يصومون قبيل غروب شمس ليلة رأس السنة العبريَّة، إلى غروب شمس اليوم التالي، الذي هو عاشوراء اليهود، فيكون يومًا وليلة؛ ولذا خالَفَهم النبي – صلى الله عليه وسلم – فشرع السحور، وقال فيه: ((فَصْلُ ما بين صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ))؛ رواه مسلم وأما النصارى: فانقسموا في القديم إلى طائفتين: شرقية أرثوذكسية، وغربية كاثوليكية، فالصيام عند الكاثوليك يُشَرِّعه البابا، وهو إمساك من نصف الليل إلى نصف النهار، ولهم صوم عن اللحوم ومشتقاتها يسمونه الصوم الكبير، وللبابا أو مَن ينيب منَ الأساقفة إسقاط الصوم عمن شاؤوا لِعُذر أو لِغَيْر عُذْر؛ فهم المشرعون من دون الله – تعالى ولا يختلف الأرثوذكس عنِ الكاثوليك كثيرًا في صيامهم، إلاَّ أنهم جعلوا سلطة فرض الصوم وإسقاطه للمجامع المسكونية، التي تَتَّخذُ قراراتها صفة العصمة عندهم، وليس للأساقِفة كما عند الكاثوليك.. ولما انْبَثَق المذهب البرُوتستانتي عنِ الكاثوليكية، قبل أربعة قرون، أَحْدَثوا في الصوم قولاً جديدًا، فجعلوه اختياريًّا، ولا يجب شيء منه، وألْغَوا تخصيصه بأيام، ليختار الصائم صومه وقت شاء، وله أن يفطرَ أثناءه، ولا شيء عليه، وكان هذا الانقلاب في النَّصرانيَّة إلغاءً للصيام عندهم.. هذا؛ وقد ختم الصَّوم الصحيح الذي فرضه ربُّ العباد – سبحانه – على عبادِه بِشَريعة الإسلام خاتمة الشَّرائع الرَّبَّانيَّة وأكملها وأحسنها، فكان الصوم فيها وَسَطًا بين الغالِين والجافين، وكان مُحَقِّقًا لِمَصالِح الدِّين والدُّنيا، جامعًا بين طِبِّ القلوب والأبدان، فالحمدُ لله الذي شرعها، والحمد لله الذي حفظها، والحمد لله الذي هدانا لها، ونسأله – سبحانه – الثَّبات عليها إلى أن نلقاه، أعوذ بالله منَ الشيطان الرجيم، {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا}المائدة/3

الشيخ محمد جميل الطائي

مكتب الدعوة والدعاة

 

 

 

 

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مفتي الجمهورية ” اعزه الله تعالى ” يستقبل امام وخطيب جامع بر الوالدين في قضاء المحاويل محافظة بابل ..

التقى سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ” حفظه الله تعالى ” ...

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى..

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى؛ قال صلى الله ...

تهنئة مفتي الجمهورية للجيش العراقي بمناسبة مرور مئة وواحد سنة على تأسيسه .

تهنئة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن أحمد الصميدعي ( وفقه الله تعالى ) ...