عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم الدعوة والدعاة / مراعاة المآل واعتباره

مراعاة المآل واعتباره

 

اليوم السبت 29 شعبان 1435 هجرية .

القاعدة الأصولية _  مراعاة المآل واعتباره:
والمراد بالمآل ما ينتهي إليه الأمر ويصير إليه في عقباه، فلا ينبغي للإنسان أن يهجم على فعل الشيء أو الإحجام عنه بمجرد ما يظهر منه من الصلاح أو الضرر في بادي الرأي؛ بل ينبغي أن ينظر في مآله وعاقبته؛ فقد يكون الأمر ظاهره الفساد، وعاقبته ومآله غير ذلك، وقد يكون الأمر ظاهره الصلاح وعاقبته أيضاً غير ذلك، ونحن هنا لا نتكلم عن المآل الذي هو غيب عنا مما يقدره الله؛ فإن هذا مما لا سبيل إلى معرفته ومن ثم عدم القدرة على مراعاته، وإنما مرادنا التبصر في الأمور لإدراك الدلائل والقرائن الخفية المقترنة بالأمر ـ التي لا تبدو لأول وهلة ـ التي يتبين منها أن مآل الأمر يختلف عن مباديه، واختلاف المآل مع الابتداء يتصور من وجهين:
الأول: من جهة التصرف نفسه، وهذه ينبغي مراعاتها.
الثاني: من جهة مخالفات الناس وتقصيرهم ووقوعهم في المعاصي، وهذه لا تُراعى بإطلاق، ولا تُهمل بإطلاق، بل لكل حالة موقف خاص بها.
فمن الجهة الأولى ما ورد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة: «لولا قومك حديثٌ عهدهم بكفر لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين: باب يدخل الناس، وباب يخرجون»(16)؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- نظر في مآل هذا التصرف الصحيح المطلوب، فوجد أن العرب قد ينفرون من ذلك لحداثة عهدهم بالكفر، فكفه هذا المآل عن ذلك التصرف الذي لم يكن فعله واجباً على الفور، ولذلك ترجم عليه البخاري بقوله: «باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه» قال ابن حجر: «وفيه اجتناب ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره، وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا»(17)، ومن ذلك أيضاً عدم قتل الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمنافقين وتعليل ذلك بقوله: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه»(18)، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- لعمر ـ رضي الله عنه ـ عندما أراد قتل ابن صياد ـ على أساس أنه الدجال ـ قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن يكُنْهُ فلن تسلط عليه، وإن لم يكنهُ فلا خير لك في قتله»(19)، ومن ذلك ما فعله الخضر ـ عليه السلام ـ من إقامته للبيت الذي يريد أن ينقضَّ على ما هو مذكور في سورة الكهف، ومن ذلك قبول توبة المحارب غير المقدور عليه وإسقاط العقوبات عنه؛ فإن عدم قبول توبته وعدم إسقاط العقوبات يدعوه إلى مزيد الإفساد وسفك الدماء ونهب الأموال، فإذا كان هذا المحارب غير مقدور عليه فإن ذلك يزيد من خطره وضرره؛ بينما قبول توبته وإسقاط العقوبة عنه يدعوانه إلى المبادرة إلى التوبة والكف عن جرائمه. وبالنظر إلى ذلك المآل جاء التشريع بإسقاط العقوبة عن المحارب غير المقدور عليه إذا تاب كما قال ـ تعالى ـ: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33 – 34].
ومن الجهة الثانية:جهة تقصير الناس ووقوعهم في المعاصي:
قد يفعل المسلم ما يستوجب إقامة الحد عليه، وإن إقامة الحد قد تدفع المحدود إلى الهرب إلى دول الكفر، واللحاق بهم، وبالنظر إلى هذا المآل؛ فإن كان تحقُّق ذلك ممكناً قوياً في الواقع، فإن الحد يؤخَّر إلى حين انتفاء ذلك، وإن كان تحققه بعيداً، فلا يلتفت إليه؛ لأن ذلك الالتفات في مثل هذه الحالة مبطل للحدود كلها، وفي ذلك جاء التشريع بعدم إقامة الحدود في دار الحرب؛ فقد ورد قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقطع الأيدي في الغزو»(20)، قال الترمذي ـ رحمه الله ـ:«والعمل على هذا عند بعض أهل العلم منهم الأوزاعي لا يرون أن يقام الحد في الغزو بحضرة العدو مخافة أن يلحق من يقام عليه الحد بالعدو؛ فإذا خرج الإمام من أرض الحرب، ورجع إلى دار الإسلام، أقام الحد على من أصابه».

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مفتي الجمهورية ” اعزه الله تعالى ” يستقبل امام وخطيب جامع بر الوالدين في قضاء المحاويل محافظة بابل ..

التقى سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ” حفظه الله تعالى ” ...

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى..

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى؛ قال صلى الله ...

تهنئة مفتي الجمهورية للجيش العراقي بمناسبة مرور مئة وواحد سنة على تأسيسه .

تهنئة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن أحمد الصميدعي ( وفقه الله تعالى ) ...