عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم اخبار الهيئة / لا ضرر ولا ضرار

لا ضرر ولا ضرار

القاعدة الفقهية لهذا اليوم الاثنين 25 شعبان 1435 هجرية

 


من أعظم قواعد الفقه في السياسة الشرعية، وعليها تنبني فروع فقهية كثيرة يعسر حصرها في هذا المقال، ومستند هذه القاعدة ودليلها نص حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ضرر ولا ضرار»

معنى الضرر والضرار:
الضرر والضرار قيل: هما لفظتان بمعنى واحد على وجه التأكيد، ويقال: الضرر الذي لك فيه منفعة وعلى غيرك فيه مضرة، والضرار الذي ليس لك فيه منفعة وعلى غيرك المضرة، وقيل: الضرر أن تضر بمن لا يضرك، والضرار أن تضر بمن أضر بك، لا على سبيل المجازاة بالمثل والانتصار للحق، بل على سبيل الإضرار والانتقام، وقد علق ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ على تلك الأقوال بقوله: «والذي يصح في النظر ويثبت في الأصول أنه ليس لأحد أن يضر بأحد سواء أضر به قبلُ أم لا، إلا أنَّ له أن ينتصر ويعاقب إن قدر، بما أُبيح له من السلطان، والاعتداء بالحق الذي له مثل ما اعتدي بـه عليه، والانتصار ليـس باعتداء ولا ظلم ولا ضرر، إذا كان على الوجه الذي أباحته الشريعة»

تفسير القاعدة:
الضرر والضرار الواردان في الحديث وردا لفظين نكرتين في سياق النفي مما يفيد الاستغراق والعموم، وهذا معناه نفي سائر أنواع الضرر ابتداءً أو مجازاة؛ فالضرر لا تبيحه الشريعة لأحد، ولا تشرعه، وهذا يعني أن كل ما جاء في الشرع مشروعيته فليس بضرر وإن كان فيه إزهاق الانفس أو هلاك الأموال؛ وانطلاقاً من ذلك فإن الضرر يُمنع في جميع مراحله، فيمنع قبل وقوعه، عند توقع حدوثه وتوفر الدواعي لذلك؛ وذلك كالإجراءات، أو التنظيمات والترتيبات الوقائية التي يكون من شأنها منع الضرر جملة، أو تضييق مجاريه، وتقليل إمكانية حدوثه، فتحديد المناطق الصناعية المقلقة، أو التي ينتج عنها غازات سامة، أو روائح كريهة بالنسبة للتجمعات السكنية من السياسة الشرعية، وكذلك تنظيم المرور بما يسهل حركة الناس والحياة، ويمنع الأضرار الناتجة عن ترك الناس يسيرون كيفما شاؤوا، فذلك أيضاً من السياسة الشرعية.
كما أن من السياسة الشرعية القائمة على منع الضرر قبل وقوعه إعداد العدة المستطاعة من القوة التي ترهب عدو الله وعدو المسلمين وتخيفهم كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْـخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60.
ويمنع الضرر أثناء وقوعه، وذلك بمدافعته، وعدم الاستسلام له والإذعان، وينبني على ذلك فروع كثيرة كرد المعتدي، ومدافعة العدو الصائل ومقاتلته؛ فقد «جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله! أرأيتَ إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار» ويمنع الضرر بعد وقوعه، وهذا التعبير فيه نوع غرابة؛ إذ كيف يمنع، وهو قد وقع؛ وذلك يُتَصَوَّرُ إمكانيته في صورتين:
الصورة الأولى: العقوبات المشروعة على المعاصي والمخالفات؛ فإن تشريع العقوبات وتقريرها على محدثي الضرر ومرتكبيه تكون عظة وعبرة للآخرين؛ بحيث يمثل ذلك ردعاً وزجراً يمنع من تكراره أو يقلل من فرص حدوثه، على حد ما جاء في قوله ـ تعالى ـ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]، ولا تجوز المجازاة أو العقوبة على الضرر بإحداث ضرر مثله على المعتدى، لا فائدة منه للمعتدى عليه؛ فمن أفسد شيئاً أو أتلفه لا تكون عقوبته بإفساد شيء مثله عليه إذا أمكن تعويض المُعتدى عليه؛ لأن الإفساد في هذه الحالة فيه مزيد من الإفساد والإضرار بدون فائدة منه، وإنما تكون عقوبته بأن يصلح ما أفسد، أو يعوض عنه بمثله إذا لم يمكن الإصلاح، فإذا تعذر ذلك ولم يمكن، فإنه يُفعل به مثل ما فعل بلا زيادة، فإن في هذا إراحة لقلب المظلوم المعتدى عليه إلا أن يعفو؛ فمن أفسد حياة إنسان عمداً، فإن المعتدي لا يستطيع أن يصلح ما أفسد برد الحياة مرة أخرى، كما أنه لا يستطيع أن يعطي مثله، فتكون عقوبته في هذه الحالة أن يفسد عليه القاضي حياته، إلا إذا تنازل صاحب الحق (ولي الدم.
الصورة الثانية: إزالة آثار الضرر عن طريق التعويضات المشروعة التي تجعل الضرر كأن لم يكن، أو تخفف آثاره إلى أقصى حد ممكن؛ فقد روى البخاري «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: كلوا، وحبس الرسول [أي الخادم] والقصعة، حتى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة، وحبس المكسورة»
 
مبادرة الضرر عند أول ظهوره:
ومنع الضرر يستوجب مبادرته سواء قبل حدوثه وعند توقع ذلك، أو أثناء حدوثه، أو بعد حدوثه، عند القدرة على ذلك، ولا يتأنى به؛ فإن التأني في ذلك، وترك المبادرة ربما أدىا إلى استفحاله؛ بحيث يخرج عن السيطرة وعدم القدرة على إزالته، أو قد يحتاج إلى جهود مضاعفة عما كان يحتاج إليه لو دُفع أول أمره، وهذه كانت سياسة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في تعامله مع المرتدين؛ فإن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ بادر في دفع ذلك الضرر العظيم، ولم يتأنَّ في ذلك، ولم يستمع في ذلك إلى رأي أو مشورة من أحد؛ إذ أدرك ببصيرته الإيمانية أن كل يوم يمضي بدون مواجهتهم يكون قوة للمرتدين وضعفاً للمسلمين، فبادرهم، وقصدهم إلى أماكنهم، ولو قدر لأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أن يقبل مشورة من أشار بالتريث في ذلك فلربما تغير وجه التاريخ.

المكتب الاعلامي

 

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مفتي الجمهورية خلال خطبة الجمعة اليوم 6 تشرين الأول ٢٠٢٣ مطالبنا التي نكررها في كل جمعة :

١. اصدار قانون العفو العام ٢٠ تعديل المادة ٥٧.. ٣. تعديل سلم رواتب العمال والموظفين. ...

عاجل _ مئات من النشامى /أحرار العراق ومشايخ وأساتذة يقفون مع مفتي الجمهورية والعلماء الذين يعقدون جلسة طارئة حول حقوق الأئمة والخطباء .

شارك المئات من أبناء المقاومة الاسلامية / أحرار العراق لمشايخ والاساتذة والدعاة الذين يعقدون جلسة ...

مفتي الجمهورية يلتقي في مكتبه بدار الافتاء العراقية اللواء المتقاعد صفاء حسين شاكر الرضوي .

مفتي الجمهورية يلتقي في مكتبه بدار الافتاء العراقية اللواء المتقاعد صفاء حسين شاكر الرضوي … ...