كلمات في التعلم ( الحلقة 1 )
– التعلم بالعقل والجسم معا .
إن الإنسان بطبيعته يستعمل كل حواسه من أجل الوصول للمعرفة؛ فالطفل الصغير يتعلم أن النار حارقة باللمس ويتعلم الوقوف بالمحاولة و الخطأ، و يتعرف على الأشخاص بالرؤية والسمع واللمس.
إن التعلم لا يتم على مستوى العقل فقط بل لابد من استعمال باقي الحواس للوصول للتعلم السريع ، وكثيرا ما سمعنا أن تعلم العلوم لا يتم بالشكل الصحيح إلا في المختبر وأنا أقول أن تعلم اللغة لا يتم إلا في مختبر اللغات وتعلم الرياضيات لا يتم إلا في مختبر الرياضيات، لنجعل من بيئة التعلم مختبرات تساعد المتعلم على التعلم لا ان تلقنه معلومة وتعتمد على خياله للوصول للحقيقة.
كلمات في التعلم ( الحلقة 2 )
– التعلم بالعقل والجسم معا (تتمة).
من طرق التدريس التي تأخذ بعين الاعتبار مبدأ التعلم بالجسم و العقل، طريقة التدريس بالعب حيث يصبح اللعب وسيلة للوصول لبناء المفاهيم والمعارف المُسطرة مسبقا، وكذلك استعمال اليدويات وطرق التدريس الحديثة مثل البيداغوجية الحرة أو بيدغوجية المشروع، وهناك العديد من التجارب الرائدة في الاعتماد على هذا المبدأ أذكر عالميا فلندا و عربيا قطر فلا ضير من الاستفادة من خبرتهم و البناء عليها ؛ فنحن نستورد كل شيء على الأقل نستورد نظاما تعليميا يستجيب لمتطلبات أطفالنا ويعطي أملا بأن أطفالنا لن يكونو مجرد مستهلكين بل مؤثرين في الحضارة ولما لا موجهين لدفة تقدمها.
إن الأخذ بمبدأ التعلم بالجسم والعقل معا يفتح الكثير من الأبواب من أجل الإبداع في التعليم ويجعله متعة حقيقية وليس حصة تعذيب، و لكي لا نسمع في نهاية السنة الدراسية الكلمة المعروفة (تَحَررنا) وكأن التلاميذ يشعرون في دواتهم بأنهم مسجونون ينتظرون انتهاء فترة عقوبتهم.
كلمات في التعلم ( الحلقة 3 )
– التعلم عملية خلق وليس استهلاكا
إن التَكلم عن حال معظم انظمتنا التربوية بالعالم العربي لا يضيف جديدا؛ لأن ما قيل وكتب عنها كاف كتقييم لحالنا حيث نعتبر التعليم من أقل المهن حاجة للتفوق فلا نختار المدرسين من خيرة الخرجين بل نعتبر مهن أخرى أحق بنوابغنا من التعليم مثل الطب والهندسة .
في مناهجهنا نعتمد التلقين وبداغوجيات لا تلاءم القرن الواحد والعشرين، عصر اقتصاد المعرفة، التكنولوجيا الحديثة وثورة الاتصال.
إن التعلم عملية خلق أي أنه لا بد ان يتوصل الطفل للمعلومة بشكل ذاتي حيث تتدافع داخله الخبرات الماضية والمؤثرات الخارجية مما يولد عنده مفهوم جديد، لا عملية تلقين حيث نجعل من عقل التلميذ مجرد وعاء للمعلومات.
إننا إذا أوجدنا لأبنائنا أجواء مساعدة على التعلم سيكتشفون أشياء مذهلة والتعلم سيكون أبقى وأسرع وفي هذه الحالة وفي أحسن الأحوال سنحصل على نتيجة تفوق ما هو متوقع، بنما إذا اعتمدنا التلقين منهجا ففي أفضل الأحوال لن نحصل على أكثر مما لقنا المُتلقي.
إن الموضوع كبير، لكنني أمنع نفسي من الاسترسال للحفاظ على طبيعة الحلقات بشكل تدوينات سريعة ولأسمح بطرح الأسئلة ونقاش وإنضاج هذه الافكار معكم فلا تحرمونا أرائكم.
بعض الأسئلة:
ما هي أنسب الطرق و البيداغوجيات الملائمة لعالمنا العربي؟
هل الطفل العربي قادر على الوصول للمعلومة بمفرده؟
كيف يمكننا أن نشكل شخصيات أطفالنا إذا سلمناهم زمام المبادرة؟ وهل علينا تشكيلهم حسب رغبتنا؟
كلمات في التعلم ( الحلقة 4 )
– التعاون عنصر مهم في التعلم
المبدأ الثالث الذي أريد مناقشته معكم هو مبد التعاون في التعلم ، والتعلم التعاوني من الطرق البيداغوجية التي أثبتت نجا عتها حيث تعتمد على العمل الجماعي والتعزيز الايجابي بين أفراد المجموعة للوصول لتعلم أفضل وأكثر متعة ، إن التعلم الأفقي ( مُتعلم – مُتعلم ) يعطي فرصة للمتعلمين من أجل تحسين قدراتهم التواصلية والاجتماعية وكذلك المعرفية حيث أن التلميذ يقوم بعملين الُمتعلم والُمعلم في نفس الوقت ،في حين يصبح دور الأستاذ مساعدا وموجها للعملية التَعلُمية، وبذلك نصقل شخصية المتعلم و نرفع من قدرته على مواجهة تحديات الحياة وقيادة عجلة التقدم.
كالعادة لا أريد الاطالة في حديث وأدع لكم فرصة المناقشة وإنضاج هذه الافكار.
بعض الأسئلة:
هل يمكن أن نعتمد التعلم التعاوني منهجا لتعلم بوطننا العربي؟
كيف يمكننا تقييم العمل الفردي داخل المجموعة؟
هل الطفل العربي قادر على العمل الجماعي ام أن العمل الفردي أكثر انسجاما مع شخصيته؟
في انتظار أرائكم وأفكاركم لاغناء هذه الأفكار و إنضاجها.
أدعكم في حفظ الله ورعايته ؛ أخوكم عبد الخالق نتيج
كلمات في التعلم ( الحلقة 5 )
– يحدث في مستويات عدة في وقت واحد .
إن نتائج الأبحاث العلمية الأخيرة وخصوصا الأبحاث التي تتعلق بالدماغ والتعلم تُثبت أن التعلم ليس عملية عقلية محضة وليس عملية معرفية شفهية؛ بل هي عملية يتكامل فيها دور العقل مع الجسم و المشاعر كما تلعب فيه أبعاد الشخصية وأنماطها دورا محوريا.
إن التعلم ليس مرادفا لتلقين، كما لا يتم بشكل مجزئ يلغي الترابط ويفرغ المعنى؛ بل ويجعل المعرفة منفصلة عن واقع الطفل ومحيطه ولطالما تساءلنا لما علينا أن نعرف هذا أو بماذا يفيدنا ما يقوله الأستاذ ؟
إن التعلم يجب أن يكون متكاملا يأخذ بعين الاعتبار ميولات الطفل ونمط شخصيته و ينطلق من محيطه – بوضعيات حياتية حقيقية فيها معرفة كاملة وليست مجزئة -ليربطه بالمعرفة وبذلك يخلق لذا المتعلم دافع قوي للتعلم .
كيف يمكن للمربي أن يجعل من كل الكفايات المطلوب إكسابها للمتعلم وضعيات حياتية؟
هل علينا أن نتخلى عن مفهوم المدرسة العصرية لنتحول لمدرسة الحياة؟
كلمات في التعلم ( الحلقة 6 )
– يأتي بممارسة المادة مع (تغذية راجعة) .
المبدأ الخامس من مبادئ التعلم السريع ( المُسرع) أو الخارق الذي أريد مناقشته صحبتكم إخواني هو أن التعلم يأتي بالممارسة الفعلية للمادة التعلمية مع التغذية الراجعة.
إن جميع الابحاث العلمية تؤكد أن أفضل طريقة لتعلم الشيء هي ممارسته في الواقع حيث تجعلنا الممارسة الفعلية نندمج في الحالة التعلمية وتتيح لكل حواسنا ربط هذه المعرفة الجديدة بمعارفنا السابقة وبدلك تصبح متصلة بنا ويمكننا استحضارها بأي وقت وبكل يسر وسرعة وقد قيل قديما “قل لي وسأنسى، أرني وربما أتذكر، أشركني وسأفهم”، إنني كثيرا ما أجد الأطفال يحبون بعض المواد بشكل عام بينما ينفرون من أخرى، وما يجمع بين المواد المحبوبة أنها عملية وتتيح لهم المشاركة ( مثل حصة الرياضة أو التواصل ) بنما المواد التي يغلب عليها الطابع الفكري تجدها مملة بنظرهم.
كما أننا بإشراك أطفالنا في وضعيات تعلمية نمكنهم من الاندماج في هذه الوضعية مهما اختلفت أنماط تعلمهم بين البصري و السمعي و الحسي.
الاحصائيات تؤكد أننا نتذكر :
• 30% نسمع
• 40% نراه
• 50% نقوله
• 60% نفعله
• نقرأ – نسمع – نرى- نقول – نفعل = 90%
وأخيرا لابد من التركيز على التغذية الراجعة أي إعادة تذكر المعارف الجديدة ليسهل نقلها من الذاكرة العميقة ( يصعب استرجاعها ) إلى ذاكرة القريبة ( من السهل استحضارها).
كلمات في التعلم ( الحلقة 7 )
– المشاعر الايجابية تحسن التعلم .
إن من أهم مبادئ التعلم الفعال أن ما يقوله المتعلم ويفعله أهم مما يقوله المعلم ويفعله، وهذه الأهمية تُحيلنا على فهم مصادر فعل المتعلم، ونعلم أن الفعل او السلوك أصله المشاعر – وأصل المشاعر الأفكار – ؛ إذن المشاعر السلبية لن تؤدي إلا لأفعال سلبية و المشاعر الإيجابية تؤدي إلى أفعال من نفس النوع، إن عالم النفس البلغاري جورجي لوزانوف قد اكتشف قبل 1970 أفضل الطرق فعالية في التعليم حيث أن استخدام مزيج متقن من الموسيقى والأفكار الإيجابية والألعاب التي تشبه إلى حد ما لعب الأطفال تسرع عملية التعلم إلى درجة كبيرة وتزيد الناتج العام بشكل ملحوظ.
إن أي عملية تعليمية ناجحة تحتاج لتحضير جيد وأهم ما علينا تحضيره لنجاح العملية التعلمية الفضاء التعليمي الايجابي ثم المتعلم بحد ذاته حيث علينا أن نعطيه إيحاءات ايجابية عن عملية التعلم وندفعه لاستحضار دوافعه الذاتية وكذلك تغيير معتقداته وتصوراته السلبية حول عملية التعلم؛ وبذلك نجعله مستعدا للوصول للمعرفة في احسن الظروف .
إننا من خلال هذه العملية نحاول إيصال المتعلم لحالة ” الذروة “، وهي أكثر حالات النشاط والقدرة على التعلم وترفع من قدراتنا على التعلم إلى أربعة عشر ضعف.
وفي أخير أدع طرح الاسئلة و النقاش بين أيديكم
في انتظار أرائكم وأفكاركم لاغناء هذه الأفكار و إنضاجها.
أدعكم في حفظ الله ورعايته ؛ أخوكم عبد الخالق نتيج
كلمات في التعلم ( الحلقة 8 )
– الصورة أبلغ .
يقول المثل الصيني ” الصورة بألف كلمة ” وهذا ما أثبته الأبحاث والتجارب العلمية الأخيرة في مجال العقل ، حيث يتفق علماء العقل على أن الإنسان يفكر بالصور وهذا من المبادئ التي دفعت عالم الذاكرة الشهير توني بوزان لاعتماد الخريطة الذهنية كأحد أفضل طرق المذاكرة وحفظ المعلومات حيث تعتمد على الصور والرموز بشكل عام؛
إذا كان ما توصل إليه العلم الحديث صحيح؛ فإنه باعتمادنا على الكلمات كنمط أساسي للتدريس ( طريقة التلقين كمثال) نشارك في جعل المتعلم غير قادر على استعمال كل قدراته الذهنية للوصول للتعلم الفعال بل نجعل الحصة التعليمية تجربة صعبة ومريرة؛ حيث عليه دائما محاولة ترجمة الكلمات إلا صور قبل فهمها أاو حفظها في الذاكرة؛
ويكمن الحل في استعمال أدوات ومعينات ديدكتيكية متنوعة تتلاءم:
– أولا مع ما أتبثه العلم الحديث؛ باعتمادنا على الصور في التدريس
– وثانيا مع مختلف أنماط التعلم ( بصري – سمعي – حسي – حركي ).
ولإثبات صحة هذه التجارب العلمية إليك هذه التجربة البسيطة التي توضح أن الإنسان يفكر بالصور لا الكلمات؛
قل لنفسك هذه الجملة:
“لا تفكر في حصان أسود”
هل يمكنك أن تقوم بذلك وتمنع عقلك من التفكير.
وفي أخير أدع الجواب ،طرح الاسئلة و النقاش بين أيديكم
كلمات في التعلم (9 )
– التعلم بكامل العقل؛
في هذه الحلقة أريد تسليط بعض الضوء على أخر نظريات الدماغ ومدى تأثيرها في التعلم؛ إن الدراسات التي أنجزت في العشرين سنة الأخيرة تفوق عدد الدراسات التي قامت بها البشرية منذ نشأتها؛ وذلك لمحاولة التعرف على هذه الهدية العظيمة التي نملكها لكننا نجهل الكثير حول طرق التعامل معها بفاعلية؛ لأنها لم تأتي مرفقة بدليل الاستعمال ؛لذلك فمن واجبنا محاولة فهم الدماغ لمعرفة أحسن الطرق وأكثرها فاعلية لاستخدامه.
كل هذه النظريات التي سأتطرق لها غير كاملة ولكن بجمعنا لهذه النظريات نستطيع الاقتراب من حقيقة هذه الالة العظيمة التي لا تعرف الفشل، اختلف العلماء في فسيولوجية الدماغ فهناك نظرية تعتبره مركبا كيميائيا وكل عملياته إنما هي تفاعلات كيميائية بينما أخرى تعتبره نظاما كهربائيا أي أن اشتغاله يكون عبر شحنات كهربائية، بينما ثالثة تعتبره تفاعلا بين تفاعلات كيميائية وموصلات كهربائية.
أما عن طريقة عمله فسأحدثكم اليوم عن نظرية الدماغ الثالوثية ثم في باقي الحلقات (إن أطال الله في العمر) نتحدث عن نظريات أخرى؛
تقسم نظرية الدماغ الثالوثي الدماغ إلى ثلاث مناطق منفصلة لكنها تعمل بشكل مترابط: الدماغ الزاحف وهو جزء الدماغ المشترك مع باقي الحيوانات ، يعمل للحفاظ على الحياة، وردود الأفعال بالإضافة لكل العمليات المُكررة مثل عمل القلب وباقي أعضاء الجسم، الدماغ الأوسط (أو الحوفي) وهو المسئول عن المشاعر و الذاكرة بعيدة المدى والقدرات الاجتماعية، وأخيرة القشرة الخارجية هي المسئولة عن عمليات العقل العليا والمعقدة مثل حل المشكلات و الإبداع والتحليل …..
السؤال هو: فيما تنفعنا هذه النظرية في عملية التعلم ؟
إن هذه النظرية تحيلنا على أهمية المشاعر في التعلم ؛ حيث يعمل الجهاز الحوفي كجهاز إرسال وتحكم؛ عند مرافقة عملية التعلم مشاعر سلبية فإن الجهاز الحوفي يشعر بالخطر والألم؛ فيستعمل الدماغ الحوفي ونحن نعرف أنه هو المسئول عن الحماية لكنه لا يحتوي أي معلومات وليست له القدرة على القيام بأي من عمليات العقل المعقدة مثل التعلم.
بينما إذا رافق عملية التعلم مشاعر إيجابية وجو مليء بالمتعة فإن الجهاز الحوفي ينشط القشرة الخارجية وبذلك يستعمل قدرات العقل بأفضل الطرق وأكثرها فاعلية.
كما يساعدنا على معرفة الأمور التي تنمي قدرات القشرة الخارجية ( حل المشاكل ، اللغة ، الابداع، التحليل …..) وأخرى تنمي الدماغ الزاحف ( التكرار ، استظهار …).