كلمة سماحة المفتي راعه الله الشيخ الدكتور مهدي الصميدعي في (مؤتمر علماء اهل السنة لتوحيد الفتوى وحقن دماء الامة)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدللهمعزمناطاعهواتقاهومذلمنعصىامرهولميخشلقاهواصليواسلمعلىخيرخلقهومصطفاهمحمدوعلىالهوصحبهومنوالاه .
إنفقهاءالإسلام،ومندارتالفتياعلىأقوامهمبينالأنام: الذينخُصّواباستنباطالأحكام،وعُنُوابضبطقواعدالحلالوالحرام،فهمفيالأرضبمنزلةالنجومفيالسماء،بهميهتديالحيرانفيالظلماء،وحاجةناسإليهمأعظممنحاجتهمإلىالطعاموالشراب) (1). فهمالمبلغونعنالله–سبحانهوتعالى – مرادَه،ولذالميصلحلهذهالمرتبةإلاأهلالصدقوالعدالة،والعلموالدراية.
وأولمنقامبهذاالمنصبالشريفسيدالمرسلين،وإمامالمتقين،وخاتمالنبيين،فكانيفتيعناللهبوحيهالمبين،وكانكماقاللهأحكمالحاكمين: “قلماأسألكمعليهمنأجروماأنامنالمتكلفين” [ص: ٨٦]
فكانتفتاويهصلىاللهعليهوسلمجوامعالأحكام،ومشتملةعلىفصلالخطاب،وهيفيوجوباتباعهاوتحكيمهاوالتحاكمإليهاثانيةالكتاب،وليسلأحدٍمنالمسلمينالعدولعنهماماوجدإليهماسبيلا،وقدأمراللهعبادهبالردإليهماحيثيقول : “فإنتنازعتمفيشيءفردوهإلىاللهوالرسولإنكنتمتؤمنونباللهواليومالآخرذلكخيروأحسنتأويلاً” [النساء: ٥٩](2(
ولذانهىالعلماءعنتقليدهمفيفتاويهم،فهمبشرٌغيرمعصومين،وقديخطئونكغيرهم،وإنكانواجبالعلموجَلال،بلينهلالإنسانممانهلوا،ويعرضفتاويهمعلىالكتابوالسنة،ولايأخذمنهاإلاماوافقهما،فالحقأحقأنيتبع .
وفيهذهالورقاتالقلائللمحاتحولمسألةتتكرّرالدعوةإليها،وهيتوحيدالفتوى،بحيثيلتزمالناسآراءعالمأوجهةواحدةيعملونبهاولايسمحلمنيخالفهذاالرأيإلاأنيفتيبموجبه؛لمنعاضطرابالرأيوحصولالبلبلةبينالناس،أولمنعالتساهلفيأحكامالشرع .
وهذهالمقالةوإنكانتموجزةفإنّيأرجوأنتبرزبعضجوانبالحقفيها،وإنماالموفَّقمنوفَّقهاللهوعصمه،واللهالمستعان .
الفتوىنوعان : فتوىاعتبارية منضبطةوفقالكتابوالسنةوفتوىحادثة تخصطارئالوقت . وغالبالطالبينبتوحيدالفتوىيقصدونالفتوىالطارئةكماسنبين .
المرادبتوحيدالفتوى:
التوحيد: مصدرُوَحَّديوحَد . وهوجعلالشيءواحدًا(3(.
والفتوىفياللغة: البيان،ويقاللها: فُتْياوفَتْوَى(4)،وتُطلقعلىالجوابعمايشكل(5(.
وفيقولهتعالى: “ياأيهاالملأأفتونيفيرؤيايإنكنتمللرؤياتعبرون” [ يوسف: ٤٣]،أي: بينواليتعبيرها(6(
وفيالاصطلاحهي: تبيينالحكمالشرعي،والإخباربهدونإلزام(7(.
بناءعلىماسبقأنه: إلزام–أوالتزام–المفتينالإخبارعنحكمالمسائلالخلافيةبقولواحدمنهاهوقولمفتأوجهةفتوىمعينةفيجميعالمسائلالخلافية .
مقدماتوممهدات :
أولاً: المجتهديصيبويخطئ :
فكلمسألةاختلفأهلالعلمفيهافالحقفيهاواحديوفقالله–تعالى–إليهمنشاءمنعباده،وغيرهمنالأقوالخطأيعذرفيهالمجتهدلاجتهاده،ولايتقيدالحقبقولأحدمعينمنالمجتهدين .
وقدقالالنبيصلىاللهعليهوسلم: ” إذااجتهدالحاكمفأصابفلهأجران،وإناجتهدفأخطأفلهأجرُواحد “(8).
فهذاالنصالنبوييقسمالمجتهدينإلىمصيبومخطئ(9).
وتفريعاًلهذهالقاعدةقررالمحققونمنأهلالعلمالمنعمنالتزاممذهبفقهيدونغيره،قالشيخالإسلامابنتيميه: (إذانزلتبالمسلمنازلةفإنّهيستفتيمناعتقدأنهيفتيهبشرعاللهورسولهمنأيمذهبكان،ولايجبعلىأحدمنالمسلمينتقليدشخصبعينهمنالعلماءفيكلمايقول،ولايجبعلىأحدمنالمسلمينالتزاممذهبشخصمعينغيرالرسولصلىاللهعليهوسلمفيكلمايوجبهويخبربه،بلكلأحدمنالناسيؤخذمنقولهويتركإلارسولاللهصلىاللهعليهوسلم،ولوفتحهذاالبابلوجبأنيعرضعنأمراللهورسوله،ويبقىكلإمامفيأتباعهبمنزلةالنبيصلىاللهعليهوسلمفيأمتهوهذاتبديلللدين) (10).
بلإنالأئمةالأربعةورؤوسالسلفالصالحنهواالناسعنتقليدهمإلافيماتبينوجهالحقفيه،ومنهقولأبيحنيفة: (لايحللأحدأنيأخذبقولنامالميعلممنأينأخذناه) (11).
وقولمالكبنأنس: (إنماأنابشرأخطئوأصيب،فانظروافيرأييفكلماوافقالكتابوالسنةفخذوه،وكلمالميوافقالكتابوالسنةفاتركوه) (12).
وقولالشافعي: (إذاوجدتمفيكتابيخلافسنةرسولاللهصلىاللهعليهوسلمفقولوابسنةرسولالله،ودعواماقلت) (13).
وقولأحمدبنحنبل: (لاتقلدنيولاتقلدمالكًاولاالشافعيولاالأوزاعيولاالثوري،وخذمنحيثأخذوا) (14(.
والتطبيقالعمليلذلكمنتلامذةالأئمةظاهرلمندرساختياراتهموآراءهم . قالالحجوي: (لاتجدأهلمذهبإلاوقدخرجواعنمذهبإمامهم،إماإلىقولبعضأصحابه،وإماخارجالمذهب؛إذمامنإمامإلاوقدانتقدوانتقدعليهقولأوفعلخفيعليهفيالسنةأوأخطأفيالاستدلالفضعفمذهبه) (15).
ثانياً: هليجوزللمقلدأنيفتي؟
المقلد: هومنيأخذقولغيرهدونمعرفةدليله .
وقداختلفأهلالعلمفيحكمإفتاءالمقلد(16)،علىاعتبارأنهناقللفتوىمنقَلّده،وذكرابنالقيمالخلاف،ثمقال: (والتحقيقأنهذافيهتفصيل،فإنقاللهالسائل: أريدحكمالله–تعالى–فيهذهالمسألة،وأريدالحقفيمايخلصنيونحوذلك،لميسعهإلاأنيجتهدلهفيالحق،ولايسعهأنيفتيهبمجردتقليدغيرهمنغيرمعرفةأنهحقأوباطل،وإنقالله: أريدأنأعرفقولالإمامومذهبهساغلهالإخباربهويكونناقلاًلهويبقىالدرك(17) علىالسائل) (18 (
وقالابنعبدالبر: (قالأهلالعلموالنظر: حدُّالعلمالتبيينوإدراكالمعلومعلىماهوفيه،فمنبانلهالشيءفقدعلمه،قالوا: والمقلدلاعلمله،لميختلفوافيذلك) (19(
وقالأيضاً: (ولميختلفالعلماءأنالعامةعليهاتقليدعلمائها،وأنهمالمرادون بقولالله – عزوجل -: “وماأرسلنامنقبلكإلارجالاًنُوحيإليهمفاسألواأهلالذكرإنكنتملاتعلمون” [النحل: 43], وأجمعواأنالأعمىلابدلهمنتقليدغيرهممنيثقبهبتمييزهالقبلةإذاأشكلتعليه،فكذلكمنلاعلملهولابصر, بمعنىمايدينبهلابدلهمنتقليدعالمه،وكذلكلميختلفالعلماءأنّالعامةلايجوزلهاالفتيا, وذلك – واللهأعلم – لجهلهابالمعانيالتيمنهايجوزالتحليلوالتحريموالقولفيالعلم) (20).
ثمنُزلعلىفتياالعاميقولالنبيصلىاللهعليهوسلم: ” منأُفتيبفتياغيرثبتفإنماإثمهاعلىمنأفتاه “(21).
وقدنقلابنعابدينأنهقداستقررأيالأصوليينعلىأنالمفتيهوالمجتهد(22)،ونقلالزركشيالإجماععلىأنهلايحللمنجمعشيئاًمنالعلمأنيفتي(23). ولهذهالقاعدةاستثناءسيأتي.
ثالثاً: الاختلافدونفُرقةغيرمذموم:
فهناوصفان: الاختلاف،والافتراق،وهماخلافانلايلزموجودأحدهماحصولالآخر،فالافتراقوصفمذمومفيالشرع،ولهذانهىاللهعنهنهياًمطلقاًفقال: “واعتصموابحبلاللهجميعاًولاتفرقوا ” [آلعمران: 103 ] . وقال: “أنأقيمواالدينولاتتفرقوافيه” [الشورى:13].
أماالاختلاففقديكونرحمة،وأهلهمعذورون .
قالابنتيمية: (والنزاعفيالأحكامقديكونرحمةإذالميفضإلىشرعظيممنخفاءالحكم،ولهذاصنفرجلكتاباًسماه: كتابالاختلاف،فقالأحمد: سمهكتابالسعة،وإنالحقفينفسالأمرواحد،وقديكونمنرحمةاللهببعضالناسخفاؤهلمافيظهورهمنالشدةعليه) (24 (
وقدحصلالاختلاففيالاجتهادالفقهيوالتنزيلالواقعيللأحكامبينسلفهذهالأمةالذينهمأفضلقرونها–منالصحابةوالتابعين–ولميلزممنهافتراقهم،بلكانواأهلمودةوتناصح،كمالميكنسبباًللذمأومدعاةًللتأثممادامهذاالخلاففيالمسائلالتييسوغفيهاالاجتهادوإبداءالرأي .
قالابنالقيم: (وقوعالاختلافبينالناسأمرضروريلابدمنه؛لتفاوتإرادتهموأفهامهموقدراتإدراكهم،ولكنالمذمومبغيبعضهمعلىبعضوعدوانه،وإلاإذاكانالاختلافعلىوجهلايؤديإلىالتباينوالتحزب،وكلمنالمختلفينقصدهطاعةاللهورسوله،لميضرذلكالاختلاففإنهأمرلابدمنهفيالنشأةالإنسانية.
ولكنإذاكانالأصلواحداًوالغايةالمطلوبةواحدةوالطريقالمسلوكةواحدة،لميكديقعاختلاف،وإنوقعكاناختلافاًلايضركماتقدممناختلافالصحابة؛فإنالأصلالذيبنواعليهواحدوهوكتاباللهوسنةرسولهصلىاللهعليهوسلم،والقصدواحد،وهوطاعةاللهورسولهصلىاللهعليهوسلم،والطريقواحدوهوالنظرفيأدلةالقرآنوالسنةوتقديمهاعلىكلقولورأيوقياسوذوقوسياسة) (25(
رابعاً: تاريخفكرةتوحيدالفتوى:
أقدممايعرفمنوجودلفكرةتوحيدالفتوىمايذكرفيكتبالتاريخأن (هارونالرشيد) استشار (الإماممالكًا) فيأنيعلقالموطأفيالكعبةويحملالناسعلىمافيه،فقالله: أماتعليقالموطأفإنالصحابةاختلفوافيالفروعوتفرقوا،وكلعندنفسهمصيب(26) . ورويأنهقال: لاتفعلفإنالناسوماهمعليه(27(
قالالشوكاني: (التقليدلميحدثإلابعدانقراضخيرالقرونثمالذينيلونهمثمالذينيلونهمثمالذينيلونهم؛وحدوثالتمذهببمذهبالأئمةالأربعةإنماكانبعدانقراضالأئمةالأربعة) (28(.
ولاأعلمتوحيدًاللفتياخارجًاعنالتمذهببأحدالمذاهب،وهووإنلميكنتوحيدًاتامًاللفتوىإلاأنهمنشاكلتهالجزئية .ونجدهذامتمثلاًفيقولمنأوجبالتزامأحدالمذاهبالأربعة . حتىلماأرادبعضأهلاليابانعام 1357هـالدخولفيالإسلامقاللهمجمعمنأهلالهندينبغيأنيختاروامذهبأبيحنيفة،وقالجمعمنأهلإندونيسيا: يلزمأنيكونمذهبهمشافعيًا،فكانذلكسدًافيسبيلإسلامهم(29).
أما (محمدسعيدالباني) فقددعافيكتابه (عمدةالتحقيقفيالتقليدوالتلفيق) الذيألفهعام 1340هـإلى: (وحدةالمذاهب )،وفسرهبأنه: الأخذمنكلمذهببماكاندليلهأقوىمنكتابوسنة،والأيسرمنكلمذهب،والأقربلروحالزمانومقتضياتالعمران،بشرطأنتتفقعلىكلذلككلمةعلماءالشريعةبواسطةلجنةالشورىالشرعية،واقترحترتيبها،وذلكبسببتضاربالآراءوالأقوال،ممايلبَسعلىالعامّة،ويسبّبافتراقهم،معجمودالفقهاءعلىنصوصكتبمتبوعيهم،ومكافحتهمللعلومالكونية،وأنّكلذلكهوأكبرأسبابتبلبلالمسلمينوانحطاطهم (30).
ومعترتيبهلصفةعملهمواقتراحهلطريقةنشرآرائهمإلاأنّهلميذكركيففيمالواختلفوافيالاختياروالترجيح .وفيهذاالزمنوجدتدعواتلتوحيدالفتوىبالتزامواحديتصرّفأعضاءاللجنةمنأهلالعلمضبطًاللاختلافومنعًامنالفوضى؛بعضهامنشخصياتإسلاميّةوبعضهاقولمنغيرها .
خامسًا: سببنشوءالتقليدالمذهبي :
إنالمثالالجزئيلتوحيدالفتوىوالمتمثلبإلزامالناساتباعأحدالمذاهبالأربعةالفقهيةأمرعرضللمسلمينخلافاًلماكانعليهالحالفيصدرالإسلام؛فقدكانالناسيتعلمونالأحكامالأساسيّةكالطهارةوالصلاةمنآبائهمومعلميهم،فإذاوقعتلهمواقعةاستفتوافيهاأيمفتوجدوامنغيرتعيينحتىيستقلالواحدمنهمبإدراكالأحكامومعرفتها(31).
وبعدظهورالمدارسالفقهيّةالأربعلميحتكرأحدالإفتاءفيها،بلكانفيذلكالزمنمجتهدونمستقلونومدارسفقهيّةأخرىكمذهبالأوزاعيوالليثبنسعدوالطبريوغيرهم .
بلوفينفسالمدارسالفقهيّةكانأكابرفقهائهامجتهدينفيالحقيقة؛إذإليهميرجعتحريرالمذهبوتقريرقواعدهوتأصيله .
ثمظهرتبعدذلكفكرةالإلزامبالتقيّدبأحدالمذاهب . قالابنخلدون:
)ووقفالتقليدفيالأمصارعندهؤلاءالأربعة،ودرسالمقلدونلمنسواهم،وسدالناسبابالخلافوطرقهلَمّاكثرتشعّبالاصطلاحاتفيالعلوم،ولماعاقعنالوصولإلىرتبةالاجتهاد،ولماخشيمنإسنادذلكإلىغيرأهله،ومنلايوثقبرأيهولابدينه،فصرّحوابالعجزوالإعواز،وردواالناسإلىتقليدهؤلاء،وحظرواأنيتداولتقليدهملمافيهمنالتلاعب .. ومُدّعيالاجتهادلهذاالعهدمردودمنكوصعلىعقبهمهجورتقليده) (32(.
ومعذلكفقدوقفعددمنأهلالعلمموقفالمضادلهذهالدعوةوالمتنكرلها،منأبرزهمشيخالإسلامابنتيميّة،وتلميذهابنالقيّم .
قالابنالقيم: (واختلفوامتىانسدبابالاجتهادعلىأقوالكثيرة،ماأنزلاللهبهامنسلطان،وعندهؤلاءأنالأرضقدخلتمنقائمللهبحجة،ولميبقمنيتكلّمبالعلم،ولميحلّلأحدبعدُأنينظرفيكتاباللهولاسنةرسولهصلىاللهعليهوسلملأخذالأحكاممنهما .. وهذهأقوالقدبلغتمنالفسادوالبطلانوالتناقضوالقولعلىاللهبلاعلم،وإبطالحججهوالزهدفيكتابهوسنةنبيهمبلَغَها،ويأبىاللهإلاأنيتمنوره،ويصدققولرسولهأنهلاتزالطائفةمنأمتهعلىمحضالحقالذيبعثهبه،وأنّهلايزاليبعثعلىرأسكلمائةسنةلهذهالأمةمنيجددلهادينها) (33(.
وشددالشوكانيعلىالذيندعوالهذهالفكرة،وقالفيوصفهم: (إنهمأوجبواعلىأنفسهمتقليدالمعينواستروحواإلىأنبابالاجتهادقدانسد،وانقطعالتفضلمناللهعلىعباده،ولقنواالعوام–الذينهممشاركونلهمفيالجهلأنهلااجتهادبعداستقرارالمذاهب،فضمواإلىبدعتهمبدعة،وسجلواعلىأنفسهمالجهل،وكأنهذهالشريعةقدصارتمنسوخة،والناسخلهاماابتدعوهمنالتقليدفيدينالله) (34). ومنحاولبحثأسبابالتقليدفإنهقديرجعهاإلىجملةمنالأمورالتالية:
1- ادعاءالاجتهادممنلميتأهلله،مععدموجودمنيأخذعلىيدهمنالسلاطين،فدفعالناسإلىالتزامفتاوىالأئمةالسابقيناحتياطاًللدين،وبعداًبالشريعةعنالعبثوالإفساد .
2- جوربعضالقضاة،ومجونبعضالفقهاءممادفعإلىالدعوةإلىالاقتصارعلىمذهبيلتزمهالإنسانولايخرجعنهلئلايحصلمنهمريبة .
3- إنشاءالمدارسوالأوقافالمقصورةعلىأصحابمذهبمنالمذاهب .
4- وكماكانللسلطاندورهفيعدممنعالمفتيغيرالمتأهل؛فكذلككانلهدورهفيالحثعلىالتزاممذهبمعينبحصرالولاياتفيأتباعهأوالأرزاقفيأصحابه (35). ولاشكأنفكرةالتزامأحدالمذاهبحلبعضاًمنهذهالمشكلات،لكنه–كماتقدم–أوجدمشكلاتأخرىمنالتعصبووقوعالفتنبينأهلالمذاهب،والإعراضعنالوحي،ووضعالأحاديثوالانتصارللضعيفمنها،وهجرأقوالكثيرةلفقهاءخارجهذهالمذاهبقدتكونهيالحق،وسببكلذلكأنالناسيطمئنونإلىمااعتادوه،وينفرونعمالايعرفونه .
كماكانمنآثارهجمودالعقولوقصورالهممحتىلميجدالفقهاءحلاًلكثيرمنالوقائعوالنوازلالمستجدةعلىساحاتهم،وصارعملهمحفظمختصراتتذكربالرأيالمعتمددونالقدرةعلىفهمحكملميذكر،معأنالشريعةاعتنتبالكلياتالتييندرجتحتهامالاحصرلهمنالجزئياتالتييمكنفهمحكمهامنها .
حكمتوحيدالفتوى:
لتبيينالحكمالشرعيلتوحيدالفتوىنحتاجإلىاستعراضثلاثةإجماعاتتوصلناإلىمعرفةالحكم،وهذهالإجماعاتهي:
1- إجماعالمسلمينعلىأنمناستبانلهوجهالحقفعليهأنيفتيبه وهوسنةرسولاللهصلىاللهعليهوسلمفليسلهأنيدعهالقولأحدسواه .
وقدنقلغيرواحدالإجماع(36) عليه؛فليسلأحدأنيفتيبغيرمايعتقدهصواباً.
ونقلابنعبدالبرجُملاًكثيرةعنالسلففيذمالتقليد،منها: قولابنعباس – رضياللهعنهما -: (ويلللأتباعمنعثراتالعالم . قيل: كيفذلك؟قال: يقولالعالمشيئاًبرأيه،ثميجدمنهوأعلمبرسولاللهصلىاللهعليهوسلممنهفيتركقولهذلك،ثميمضيالأتباع) (37).
وقولالإمامعليبنأبيطالب–رضياللهعنه -: (إياكموالاستنانبالرجال) (38).
وقولابنمسعود–رضياللهعنه -: (ألالايقلدنأحدكمدينهرجلاً) (39).
وعنسفيانبنعيينةقال: (بكىربيعة،فقيلله: مايبكيك؟قال: رياءظاهر،وشهوةخفية؛والناسعندعلمائهمكالصبيانفيحجورأمهاتهم،مانُهواعنهانتهوا،وماأمروابهائتمروا) (40(
ثمبعدذلكتبينأنهذهالنصوصلغيرالعامة؛فالعامةلابدلهامنتقليدعلمائها؛لأنهالاتتبينموقعالحجةولاتصلإليها .
2- الإجماععلىأنهلاتثريبعلىمنقالبقولقدسبقإليهفيمسألةخلافية .
قالالخطيبالبغدادي: (إذااختلفالصحابةفيمسألةعلىقولينوانقرضالعصرعليه،لميجزللتابعينأنيتفقواعلىأحدالقولين؛فإنفعلوا: يزلخلافالصحابة،والدليلعليهأنالصحابةأجمعتعلىجوازالأخذبكلواحدمنالقولين،فإذاصارالتابعونإلىالقولبتحريمأحدهمالميجزذلك،وكانفرقاًللإجماع) (41).
وقالابنتيمية: (إذاكانتالمسألةمنمسائلالاجتهادالتيشاعفيهاالنزاعلميكنلأحدٍأنينكرعلىالإمام،ولاعلىنائبهمنحاكموغيره) (42).
وسئل–رحمهالله–عمنوليأمراًمنأمورالمسلمينومذهبهلايجوزشركةالأبدان؛فهليجوزلهمنعالناس؟فأجاب: (ليسلهمنعالناسمنمثلذلكولامننظائرهممايسوغفيهالاجتهاد،ولهذافإنمثلهذهالمسائلالاجتهاديةلاتنكرباليد،وليسلأحدٍأنيلزمالناسباتباعهفيها،ولكنيتكلمبالحججالعلمية؛فمنتبينلهصحةأحدالقولينتبعه،ومنقلدأهلالقولالآخرفلاإنكارعليه (43).
3- الإجماععلىأنهيجوزللعاميسؤالمنشاءمنالمفتيندونأنيتقيدذلكبمذهببعينه.
قالابنتيمية: (إذانزلتبالمسلمنازلةفإنهيستفتيمناعتقدأنهيفتيهبشرعاللهورسولهمنأيمذهبكان) (44(.
وقالالعزبنعبدالسلام: (لايتعينعلىالعاميأنيقلدإماماًفيسائرالمسائل؛
لأنالناسمنذعهدالصحابةإلىأنظهرتالمذاهبيسألونمنظهرلهممنغيرنكير) (45).
فهذهالإجماعاتالسابقةأشارإليهاالعزبنعبدالسلامفيهذهالمسألةفيمانقلهعنالقرافي،فقال: (إجماعالصحابةعلىأنهيجوزللعاميالاستفتاءلكلعالمفيمسألة،ولمينقلعنالسلفالحجرفيذلك،ولوكانممتنعاًماجازللصحابةإهمالهوعدمإنكاره . والثاني: إجماعالأمةأنمنأسلملايجبعليهاتباعإماممعين؛فإذاقلدمعيناًوجبأنيبقىذلكالتخييرالمجمععليهحتىيحصلدليلعلىرفعه،لاسيماوالإجماعلايرفعإلابماهومثلهفيالقوة) (46).
إذاتبينماسبقفنقول: إنإلزامالمفتين–أوالتزامهم–عدمالخروجعنرأيأوقولواحدفيالمسألةالشرعيةالخلافيةيحتاجللحكمعليهأنيقسملثلاثةأحوالبحسبحالالمفتيكمايلي:
الأول: المفتيالناقل :
وهوالمطلععلىالأحكامالشرعيةغيرالمجتهد،واستفتاءهذاخلافالأصل،وهوإنمايسوغعندعدموجودالمفتيالمجتهد . قالابنالقيم: (إذاتفقهالرجلوقرأكتاباًمنكتبالفقهأوأكثر،وهومعذلكقاصرفيمعرفةالكتابوالسنةوآثارالسلفوالاستنباطوالترجيح؛فهليسوغتقليدهفيالفتوى؟فيهللناسأربعةأقوال،والصوابفيهالتفصيل،وهو: إنكانالسائليكنهالتواصلإلىعالميهديهالسبيللميحللهاستفتاءمثلهذا،ولايحللهذاأنينصبنفسهللفتوىمعوجودهذاالعالم،وإنلميكنفيبلدهأوناحيتهغيره؛بحيثلايجدالمستفتيمنيسألهسواهفلاريبأنرجوعهإليهأولىمنأنيقدمعلىالعملبلاعلمأويبقىمرتبكاًفيحيرتهمتردداًفيعماهوجهالته،بلهذاهوالمستطاعمنتقواهالمأموربها) (47). ثمنظرذلكبمسائلكثيرةتأتيأحكامالشريعةفيهابتحصيلالمصالححسبالإمكان .
وهذاالمفتيالناقليسوغلهالتقيدبالإخبارعنقولعالم،أوجهةمعينةأذااعتقدأنصاحبالفتوىهوالأفضلفيعلمهوالأوثقفيدينه–كمايفعلالمقلد – .
أمالولميعتقدكونه–أوكونها–الأفضلوالأوثق،وأنغيرصاحبالفتوىأوثقوأفضلمنهلميجزلهالتزامالإخبارعنقوله؛لأنهيدلالمستفتيعلىمايعتقدهأنهغيررشيد،وهذهخيانةله.
وقدتناولابنالقيممسألةدلالةالمفتيللمستفتيعلىغيرهوقال: (هوموضعخطرجداً،فلينظرالرجلمايحدثمنذلك: فإنهمتسبببدلالتهإماإلىالكذبعلىاللهورسولهفيأحكامه،أوالقولعليهبلاعلم. وكانشيخنا–يقصدابنتيمية–شديدالتجنبلذلك،ودللتمرةبحضرتهعلىمفتأومذهب،فانتهرني،وقال: مالكوله؟دعهففهمتمنكلامهأنكتبوءبماعساهيحصللهمنالإثمولمنأفتاه) (48). ثمنقلأنالإمامأحمدسئلعنالرحليسألمنمسألةفأدلهعلىإنسانيسأله،فقال: (إذاكان =يعنيالذيأرشدهإليه–متبعاًويفتيبالسنة) يعنيفلابأس .
الثاني: المفتيالذيتعارضتلديهالأدلةولميتمكنمنالترجيح :
وقداختلفأهلالعلمفيالواجبعليهعلىأقوال،واختارابنالقيمأنيتوقفعنالإفتاءحتىيتبينلهالراجحمنها. وقال: (هذاكماإذاتعارضعندالطبيبفيأمرالمريضأمران: خطأوصواب،ولميتبينلهأحدهما؛لميكنلهأنيقدمعلىأحدهماولايخيره،فمسائلالحلالوالحرامأولىبالتوقف) (49).
وهذاخاصبمالووجدالمستفتيمفتياًآخر،وإلالولميوجدغيرهفلايسوغلهالتوقفكماتقدمفيالمفتيالناقللفتوىغيره،بلهذاأظهر؛لأنهعجز،وبذلكترتفعالمؤاخذة؛إذلاواجببلااقتدار .
ولماقررالشيخابنعثيمينأنالتقليديجوزفيموضعينذكرالعاميكونهالموضعالأولثمقال: (والثاني: أنيقعللمجتهدحادثةتقتضيالفوريةولايتمكنمنالنظرفيها،فيجوزلهالتقليدحينئذ) (50).
وكماتقدمفليسلهأنيحيلإلاإلىرأيمنيعتقدهأهلاًللاجتهاد،أمالولميعتقدأهليتهللاجتهادفليسلهأنيلتزمرأيهفيماعجزعنإدراكالراجحفيه،ويفتيبقولمنيعتقدهأقربإلىإصابةالحق .
الثالث: المفتيالمجتهد :
إذاتبينماسبقمنالإجماعاتمنأنهليسيلزمالمستفتيأنيقلدواحداًبعينه،ولايمنعالإنسانمنأنيفتيبرأيهمادامفيمسألةخلافية،ولايجوزلهأنيفتيبغيرمايعتقدهفنقول: إنإلزامالمفتينالمجتهدينأوالتزامهمعدمالخروجعنرأيأوقولواحدفيالمسألةالشرعيةالخلافيةمحرموفاعلهظالملنفسه .
قالابنتيمية: (الظالميكونظالماًبتركماتبينلهمنالحق،واتباعماتبينلهأنهباطلوالكلامبلاعلم . فإذاظهرلهالحقفعدلعنهكانظالماً) (51).
وقالابنالقيم: (ليحذرالمفتيالذييخافمقامهبينيديالله –سبحانه–أنيفتيالسائلبمذهبهالذييقلده،وهويعلمأنمذهبغيرهفيتلكالمسألةأرجحمنمذهبهوأصحدليلاً،فتحملهالرياسةعلىأنيقتحمالفتوىبمايغلبعلىظنهأنالصوابفيخلافهفيكونخائناًللهولرسولهوللسائلوغاشاًله،واللهلايهديكيدالخائنين،وحرمالجنةعلىمنلقيهوهوغاشللإسلاموأهله،والدينالنصيحةوالغشمضادللدين) (52).
وعلىهذاالسننكانتوقائعالأعيانمنأفعالالصحابةرضياللهعنهم .
فعنعمربنالخطاب–رضياللهعنه–أنهلقيرجلاًفقال: ماصنعت؟قال: قضىعليوزيدبكذا . قال: لوكنتأردكإلىكتابالله –عزوجل–أوإلىسنةنبيهلفعلت،ولكنيأردكإلىرأييوالرأيمشترك(53).
واختلفالصحابةومنبعدهمفيمسائلكثيرةمنمسائلالعلم(54)ولميلزمأحدمنهمغيرهبرأيه،ولاالتزمأحدمنهمرأيغيره،لكنمعذلكنبذواالفرقةوالخلاف(55)
ولماأتمعثمانبنعفانـرضياللهعنهـالصلاةبمنىأربعركعاتوقيلذلكلابنمسعوداسترجع،ثمقال: صليتمعرسولالله–صلىاللهعليهوسلم– وأبيبكروعمربمنىركعتين؛فليتحظيمنأربعركعاتركعتانمتقبلتان(56). ثمصلىأربعاً،وقال: الخلافشر(57(.
فمعنىهذاأنهائتمبعثمانفأتم؛إذالقصرغيرواجب؛لأنهمأموموالمأموميتمخلفالمقيم . ولذاكانابنعمرـرضياللهعنهماـ: إذاصلىمعهصلىأربعاً،وإذاصلىوحدهصلىركعتين(58(.
فابنمسعودـرضياللهعنهـموافقلعثمانـرضياللهعنهـفيجوازالإتمام،لكنهيرىالفضيلةفيالقصركمافعلهالنبي–صلىاللهعليهوسلم– وصاحباه(59(.
وخلاصةماسبقأنه (ليسلأحدأنيلزمأحداًبقبولقولغيرهولوكانحاكماً (60).وأنه (لوشرطعلىالمفتيألايفتيإلابمذهبمعينبطلالشرط،ولايجبالتزامهبلولايسوغ) (61(
ولونظرالمتأملإلىآثارتوحيدالفتوىلوجدجملةمنالمفاسد،منها:
أنيتركالناسالواجبعليهم،ويعتقدوامنالرأيمالاقناعةلهمبه،ويضيعوااجتهادفقهاءسلفالأمة،وأنيكونالمفتيآلةتنقلفتوىمنسبقهحتىيصدرمنلميتأهل؛إذلايحتاجسوىاستحضاررأيمنسبقهممنتعتمدفتواه .
ومنهاأيضاً: منعتغيرالفتوىبتغيرالزمانوالحالـممايدخلفيضابطهذاالأمرـوعجزالتفكيرعنالمغرضينيحثهعلىذلكتطلبهلسهولةتوجيهالناس؛منخلالنصبمنلميتأهلللإفتاءلمايريد .
الواجبعلىالمجتهدإذاألزمتوحيدالفتوى:
الواجبعليهأنينظرفيالآراءالتيألزمالإفتاءبها:
1- فماكانراجحاًمنهالديهأفتىبهوهومطمئنالصدر .
2- وماكانمرجوحاًلديهفإنهلايفتيإلابمايعتقدهصواباًماداممسؤولاًعنالحكمالشرعيوليسعنرأيالجهةالملزمبها .
فإنخافضرراًعلىنفسهامتنععنالإفتاء،وليسلهأنيفتيبغيرمايعتقدهوإنوسعهالسكوت .
وقدحصلذلكلأحدالمفتينممنينسبلمذهبأبيحنيفة؛فإنهإنأفتىبمالايعتقدنزععنالإفتاء،فاستشارشيخالإسلامابنتيميةفقالله: (اجعلالمذهبعلىأقسام: قسمالحقفيهظاهربينموافقللكتابوالسنةفاقضبهوأفتبهطيبالنفسمنشرحالصدر،وقسممرجوحوخالفهالدليلفلاتفتبهولاتحكمبهوادفعهعننفسك) (62) .
أماالإخبارالمجردـلمنسألعنهولميسألعماتبرأبهالذمةـلاحرجمنهكماتقدم .
الحلالشرعيللاختلافوالتساهلفيالفتوى:
لعلمنأهممادفعالغيورينإلىالدعوةإلىتوحيدالفتوىماقديحصلمنبعضمنيتصدىللإفتاءمنالتساهل،ومايجدونهمنتفاوتفيآراءأهلالعلمفيعددمنالمسائل،ممايقعالعاميفيالإشكال،ولعلمننظرفيماتقدميتساءلعنالحلالشرعيلهذهالمشكلة،وهيوإنكانتتستحقالإفرادببيانخاصلعلهأنيكونفيعددمقبلإلاأننيأشيرهناإلىأبرزالحلولالشرعية:
1- نشرثقافةالتعاملمعالخلاف:
وذلكبتوعيةالناسأنالخلافواقعوموجود،وهوإنمايذمإذاعارضقاطعاًمنالدينأوضرورياًمنه،وأنصحابةالنبي–صلىاللهعليهوسلم– فيزمنهوبعدهوكذلكمنبعدهماختلفوا،وتفاوتتاجتهاداتهم،ولميكنهذاسبباًلفرقةولااضطراب،ومنأمثلةهذامارواهابنعمرـرضياللهعنهماـقال: قاللناالنبي–صلىاللهعليهوسلم– لمارجعمنالأحزاب: ” لايصلينأحدالعصرإلافيبنيقريظة “،فأدركبعضهمالعصرفيالطريق،فقالبعضهم: لانصليحتىنأتيها،وقالبعضهم: بلنصلي،لميردذلكمنافذكرذلكللنبي–صلىاللهعليهوسلم– فلميعنفواحداًمنهم(63).
فالقومكانواحالقتالوهمأحوجمايكونونإلىمايكونونإلىالاتفاقوتركالنزاعكماأمروابذلكعندالحرب: “ولاتنازعوافتفشلواوتذهبريحكم” [الأنفال: 46] . ومعذلكلميتركواحدمنهمماأداهإليهاجتهاده،ولميكنذلكسبباًللفرقة .
فاختلافالاجتهاديلزمكلمجتهدأنيأخذبماأداهإليهاجتهاده،ويلزممخالفةألايثربعليه (64).
ويوضحهذهالفقرةمايلي:
2- تعليمالناسالتعاملمعاختلافالمفتين:
فإذاوجدالسائلفتويينمختلفتينفإنهيتعاملمعهمابالطريقةالتيبينهاأهلالعلمبإسهابكثيرفيكتبالفقهوالأصول(65).
وقدأوجزابنالقيمالخلاف،وبينالراجحبقوله: (فإناختلفعليهمفتيانفأكثر،فهليأخذبأغلظالأقوال،أوبأخفها،أويتخير،أويأخذبقولالأعلمأوالأورع،أويعدلإلىمفتآخر،فينظرمنيوافقمنالأولينفيعملبالفتوىالتييوقععليها،أويجبعليهأنيتحرىويبحثعنالراجحبحسبه؟
فيهسبعةمذاهب،أرجحهاالسبع،فيعملكمايعملعنداختلافالطريقينأوالطبيبينأوالمشيرين) (66).
والمنيأنالإنسانإذامرضوأشارإليهطبيبانبعلاجينمختلفينفإنهيجتهدفيالأرجحمنهما؛لكونهأكثرعلماًأوأقدمتجربة،أوأكثرحرصاً،أوغيرهامنأوجهالترجيح،وكمايفعلفيعلاجبدنهيستعملذلكلعلاجالقلب؛ودواءدينهعلىيدالفقيه،فيأخذبقولالأورعالأعلمصاحبالخبرةفيمجالهالذيتطمئنالنفسإلىفتواهلكمالأحوالهبالنسبةلغيره .
قالابنتيمية: (وأماتقليدالمستفتيللمفتيفالذيعليهالأئمةالأربعةوسائرأئمةالعلمأنهليسعلىأحدالتزامقولشخصمعينإلارسولالله–صلىاللهعليهوسلم–،لكنمنهممنيقول: علىالمستفتيأنيقلدالأعلمالأورعممنيمكناستفتاؤه،والأولأشبه،فإذاترجحعندالمستفتيأحدالقولينـفلهذلكوإنخالفقولهالمذهب) (67).
فلايكفيالمستفتيأنيتبعقولاًسمعهمنأحدالمفتينفقط،ولاتبرأذمتهبهبمجرده .
قالابنالقيم: (المستفتيلاتخلصهفتوىالمفتيمناللهإذاكانيعلمأنالأمرفيالباطنبخلافماأفتاه،ولايظنالمستفتيأنمجردفتوىالفقيهتبيحلهماسألعنهسواءترددأوحاكفيصدرهلعلمهبالحالفيالباطن،أولشكهفيه،أولجهلهبه،أولعلمهبجهلالمفتي،أوبمحاباتهلهفيفتواه،أولأنهمعروفبالفتوىبالحيلوالرخصالمخالفةللسنة،أوغيرذلكمنالأسبابالمانعةمنالثقةبفتواهوسكونالنفسإليها؛فإنكانعدمالثقةوالطمأنينةلأجلالمفتييسألثانياًوثالثاًحتىتحصللهالطمأنينة) (68)
3- الحجرعلىالمفتيالجاهلوالماجن:
وهذامقررعندأهلالعلم،وهومنواجباتالراعيوحقوقرعيتهعليه؛وذلكلأنهيحرمعلىالمفتيالإفتاءفيمالايعلم؛لقولهـتعالىـ: “قلإنماحرمربيالفواحشماظهرمنهاومابطنوالإثمبغيرالحقوأنتشركواباللهمالمينزلبهسلطاناوأنتقولواعلىاللهمالاتعلمون” [ الأعراف: 33 ] .
ومنامتنعمنأداءماوجبعليهأداهعنهالسلطان .
وقدكانالخلفاءيمنعونغيرمنتأهلمنالإفتاء؛ففيسيرأعلامالنبلاء(69): (روىإبراهيمبنعمربنكيسانقال: أذكرهمفيزمانلنيأميةيأمرونفيالحجمنادياًيصيح: لايفتيالناسإلاعطاءبنأبيرباح،فإنلميكنعطاءفعبداللهابنأبينجيح)
وقالابنالقيم 🙁 منأفتىالناسوليسبأهلللفتوىفهوآثمعاص،ومنأقرهمنولاةالأمرعلىذلكفهوآثمأيضاً . قالأبوالفرجابنالجوزيـرحمهاللهـ: ويلزموليالأمرمنعهم،كمافعلبنوأمية،وهؤلاءبمنزلةمنيدلالركبوليسلهعلمبالطريق،وبمنزلةالأعمىالذييرشدالناسإلىالقبلة،وبمنزلةمنلامعرفةلهبالطبوهويطبالناس،بلهوأسوأحالاًمنهؤلاءكلهم،وإذاتعينعلىوليالأمرمنعمنلميحسنالتطببمنمداواةالمرضى؛فكيفبمنلميعرفالكتابوالسنةولميتفقهفيالدين؟)(70(.
وقدذكرالفقهاءتطبيقاًلقاعدة (دفعالضررالأعلىبالأدنى) الحجرعلىالمتطببالجاهلوالمفتيالماجن (الذيلايباليماصنع،أويعلمالناسالحيلةالباطلة،ولايباليبتحريمالحلالوتحليلالحرام؛فهذاضررهمتعدإلىالعامة) (71(.
4- الاحتسابعليه:
وهومنعملالعلماء،ويكونالاحتساببالإنكاروالمناصحة،بالأسلوبالمحققللغرض،حسبمايراهأهلالعلم،وهذالاشكمنإنكارالمنكرالمأموربه.
ولماذكرابنالقيمحالالمفتيغيرالأهلللإفتاءقال: (وكانشيخناـيقصدابنتيميةـشديدالإنكارعلىهؤلاء،فسمعتهيقول: قالليبعضهؤلاء: أجعلتمحتسباًعلىالفتوى؟فقلتله: يكونعلىالخبازينوالطباخينمحتسب،ولايكونعلىالفتوىمحتسب؟)(72).
وبعد: فهناوقفالقلموفيالمجالمربىلمنأرادالزيادةمقولاًومنقولاً،وحسبيأنأتلمسجوانبمنالموضوعتلفتالأنظارإليه،فينبريالموفقلبسطالفائدةوإتمامالنقص،واللهالهاديالىطريقالحقوالرشادوالموفقلعملالخير.
الشيخالدكتور
مهديبنأحمدبنصالحالصميدعي
مفتيأهلالسنةوالجماعةفيالعراق
7 محرم 1435 هجرية
المصادروالمراجع :
(1) تضمينمنكلامابنالقيمفيإعلامالموقعين (1/9) .
(2) تضمينمنكلامابنالقيمفيإعلامالموقعين (1/11) .
(3) القاموسالمحيط،ص 414 .
(4) القاموسالمحيط،ص 1702،معجممقاييساللغة (4/473) .
(5) المفرداتفيغريبالقرآن،ص 373،لسانالعرب (15/147) .
(6) تفسيرالبيضاوي (1/485) .
(7) مطالبأوليالنهى (9/231 )،وانظر: الفروق (4/53 )،صفةالفتوىوالمفتيوالمستفتيلابنحمدان،ص 24 .
(8) صحيحالبخاري (7352 )،صحيحمسلم (1716) .
(9) انظر: فتحالباري (13/331 )،جامعبيانالعلموفضله (2/88( .
(10) مجموعفتاوىشيخالإسلام (20/208-216( .
(11) شرحرسمالمفتيلابنعابدينص 29 .
(12) جامعبيانالعلموفضلهلابنعبدالبر (2/32( .
(13) المجموعللنووي (1/63(
(14) إعلامالموقعين (2/302(
(15) الفكرالسامي (3/238(
(16) انظر: جمعالجوامع (2/397 )،الإحكامللآمدي (4/236 )،إرشادالفحول،ص269 .
(17) هيالتبعةوالمسؤولية،انظر: تحريرألفاظالتنبيه،ص 228 .
(18) إعلامالموقعين (4/215) .
(19) جامعبيانالعلموفضله (2/993).
(20) جامعبيانالعلموفضله (2/989)
(21) سننأبيداود (3657) , مسندأحمد (2/321 )،المستدركللحاكم (1/102 )،سننابنماجه (53)،سننالدارمي (1/57 )،الأدبالمفردللبخاري (259) . وقدصححهالحاكمووافقهالذهبيوالألبانيفيصحيحالأدبالمفردفيالسلسلةالصحيحة(3100) .
(22) حاشيةابنعابدين (1/47) .
(23) البحرالمحيط (6/306)
(24) مجموعالفتاوى (14/159)
(25) الصواعقالمرسلة (2/519)
(26) سيرأعلامالنبلاء (8/98)
(27) انظر: عمدةالتحقيقللباني،ص 38،حليةالأولياء (6/332 )،القولالمفيدفيالاجتهادوالتقليدللشوكاني،ص 18 .
(28) القولالمفيد،ص 17، 18 .
(29) انظر: نصالواقعةوالجوابعنهافيكتاب: هلالمسلمملزمباتباعمذهبمعينمنالمذاهبالأربعةلمحمدسلطانالمعصومي،ص 3، 4 .
(30) عمدةالتحقيق،ص 44، 45، 46، 210، 211، 212 .
(31) حجةاللهالبالغة (1/322).
(32) المقدمة،ص355 .
(33) إعلامالموقعين (2/276) .
(34) القولالمفيدفيالاجتهادوالتقليد،ص28،وانظر: إرشادالفحول،ص 271،إيقاظهممأوليالأبصارفيالتحذيرمنتقليدالمذاهب،لصالحبنمحمدالعمريالفلاني،المدخلإلىمذهبالإمامأحمد،لابنبدران،ص387 .
(35) انظرفيأسبابنشوءالتقليد: المدخلإلىدراسةالشريعة؛عبدالكريمزيدانص 147،سدبابالاجتهادوماترتبعليه؛لعبدالكريمالخطيبص 137 ؛آثاراختلافالفقهاء؛لأحمدالأنصاريص124،الاجتهادبينالأمسواليومص 52.
(36) عقودرسمالمفتيلابنعابدينص 11،وانظر: شرحمنتهىالإرادات (3/458 )،وصفةالفتوىلابنحمدانص39.
(37) جامعبيانالعلموفضلهرقم 1877 .
(38) المرجعالسابقرقم 1881 .
(39) المرجعالسابقرقم 1882 .
(40) المرجعالسابقرقم 1885 .
(41) الفقيهوالمتفقه (1/435) .
(42) مجموعالفتاوى (30/407)
(43) مجموعالفتاوى (30/80،79)
(44) المرجعالسابق (20/208 )،وانظر: مختصرالفتوىالمصرية 545 .
(45) الفكرالسامي (3/230)
(46) بواسطةالفكرالسامي (3/230) وفيهجملةنقولأخرىفيهذهالمسألة .
(47) إعلامالموقعين (4/196 (
(48) إعلامالموقعين (4/207(
(49) إعلامالموقعين (4/238(
(50) الأصولمنعلمالأصول،ص 77.
(51) بواسطةطريقالوصوللابنسعدينص117 .
(52) إعلامالموقعين (4/177) .
(53) جامعبيانالعلموفضله،رقم 1614 .
(54) انظرمثلاً: الاعتصام،للشاطبي (2/231(
(55) المرجعالسابق .
(56) صحيحالبخاري (1084 )،صحيحمسلم (695(
(57) هذهالزيادةأخرجهاأبوداودفيسننه (1960(
(58) صحيحالبخاري (1082 )،صحيحمسلم (694( .
(59) انظر: شرحالنوويعلىصحيحمسلم،ص 487،المفهم (2/335)
(60) ابنتيمية (35/387 )،وبقيةكلامه: (وإذاخرجولاةالأمرعنهذافقدحكموابغيرماأنزلاللهووقعبأسهمبينهم .
(61) إعلامالموقعين (4/185)،وعللهأنهشرطتركالواجبعلهمنطلبالنصوصومعرفتهاإلىقولفقيهمعين .
(62) إعلامالموقعين (4/206(
(63) صحيحالبخاري (946 )،صحيحمسلم (1770) بلفظ: الظهر .
(64) انظرفيهذاشرحصحيحمسلم،للنووي،ص 1139 .
(65) انظرمثلاً: الإحكاملابنحزم،ص 114،المجموعللنووي 1/54،الفقيهوالمتفقه (2/183 )،صفةالفتوى،ص82.
(66) إعلامالموقعين (4/203 .
(67) مجموعالفتاوى (33/168(
(68) إعلامالموقعين (4/254 .
(69) ( 5/82) .
(70) إعلامالموقعين (4/217(
(71) الكفايةشرحالهدايةشرحبدايةالمبتدي (8/195((72) إعلامالموقعين (4/217)