عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم اخبار الهيئة / كلمة سماحة المفتي مهدي بن احمد الصميدعي خلال اعمال المؤتمر الاسلامي الدولي للحوار والتقريب

كلمة سماحة المفتي مهدي بن احمد الصميدعي خلال اعمال المؤتمر الاسلامي الدولي للحوار والتقريب

 

 

 

الوسطية والاعتدال : طريق النجاة الى الخير وبها تحفظ الأمة هويتها قال الله تعالى [ انما المؤمنون إخوة ).

 

الوسطية في اللغة مشتقة من مادة(وسَط )، ولفظة ( وسط ) وما شابهها من مشتقات أخرى (كواسط ، وأوسط ،

ووسيط ، وواسطة ، ووساطة ) تطلق في اللغة على معنيين :

المعنى الأول : بديهي وعام ، يقصد به مجرد التوسط بين شيئين مطلقا ــ معنويا كان أو حسيا ــ كقولهم : فلان يقوم بدور الوسيط أو الوساطة بين خصمين.

والوسطية منزلة بين طرفين كلاهما مذموم : فالشجاعة وسط بين الجبن والتهور ، والسخاء وسط بين التبذير والتقتير .

ويرى اللغويون أن ( الوسط )ــ بالسكون ــ لا يراد به إلا مجرد التوسط بين أمرين أما ( الوسط ) ــ بالفتح ــ فقد يأتي صفة ، وإن كان أصله أن يكون اسما من جهة أن أوسط الشيء أفضله وخياره فيراد به شيء أهم وأسمى من مجرد التوسط . فلما كان وسط الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة ، وذلك في مثل قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا )(1)، أي عدلا ، والمراد : بلغتم القمة في الشرف والذرى .

المعنى الثاني : هو المعنى الخاص ، حيث يراد به ــ في لغة العرب ــ الأعدل ، والأفضل ، والأحسن ، والأخير ــ

بسكون الخاء ــ ومن ذلك قولهم : فلان وسط قومه ، أي : من أحسن القوم وأخير الناس ، وقولهم عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم أنه كان من أوسط قومه نسبا وشرفا ،

أي : أنه أخير الناس وأفضلهم وأعدلهم .

ويفهم من هذا أن أوسط الشيء أفضله وأحسنه وأخيره ، كوسط المرعى فإنه خير من طرفيها ، وكوسط الدابة للركوب فإنه خير من طرفيها لتمكن الراكب ،وواسطة القلادة هي الدرة التي في وسطها ، وهي أنفس ما فيها .

قال ابن عاشور مجليا هذا المعنى  : ” والوسط : اسم للمكان الواقع بين أمكنة تحيط به ، أو للشيء الواقع بين أشياء محيطة به .

وأما إطلاق الوسط على الصفة الواقعة عدلا بين خلقين ذميمين فيهما إفراط وتفريط ، كالشجاعة بين الجبن والتهور

، والكرم بين الشح والسرف ، والعدالة بين الرحمة والقساوة ، فذلك مجاز بتشبيه الشيء الموهوم بالشيء المحسوس

، فلذلك روي حديث : (خير الأمور أوسطها ) وسنده ضعيف(2)وللحديث أوجه كثيرة – وأخرجه البيهقي في “

 

شعب الإيمان” (5/ 261/ 6651) عن مطرف قال: وإسناده صحيح موقوف.وقد شاع هذان

الإطلاقان حتى صارا حقيقتين عرفيتين(3).

 

◌ الوسط والمسلك الوسط هو مسلك الإسلام، والله عزَّ وجلَّ يقول: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً[البقرة:143] فالوسط هو الخيار، والوسط هو ما يكون بين الطرفين طرفي الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء، فقد اختلفت فيها الحوادث حتى أصبحت طرقاً.

فالإسلام دين الوسط ، وسوف نأتي إلى وسطية الإسلام عموماً لكن لا شك أن ما نذكره لا يقيم الإسلام على وجهه

إلا مَن فَقِهَ هذه الوسطية.

وسطية الإسلام بين الديانات الأخرى:

فالإسلام وسطٌ بين طريق اليهود الذين قتلوا أنبياء الله، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وأسرفوا في التحريم، وحرموا كثيراً مما رزقهم الله، وبين النصارى الذين اتخذوا الأنبياء آلهة واتخذوا الأحبار والرهبان معبودات من دون الله، وأسرفوا في التحليل حتى قالوا: كلُّ شيءٍ طيبٍ للطيبين.

أما أهل الاسلام فصراطهم صراط مَن أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

إن الحديث عن الوسطية في الاعتقاد ملح وبخاصة في عصرنا الحاضر، فتجد حتى في الوقت الحاضر غلواً في

 

الماديات، حتى أنكروا وجود الله عزَّ وجلَّ وعبدوا المادة، بل وأصبحوا دُهْرِيين، وغلوا في المعبودات حتى عُبد

الشيطان، أي: وصل بهم الفراغ الروحي، وهو الشطط والإفراط إلى أن عبدوا الشيطان، في الوقت الحاضر الذي

يسمونه عصرالتنوُّر، مع أن الشيطان عُبِد من قديم، لكن ظهرت عبادة الشيطان حتى في أبناء هذا الجيل.

فوسطية الإسلام في هذا: الإيمان بالله وحده، إلهاً واحداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ[الإخلاص:1-4] وكل مَن سواه مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراًَ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.

 

وسطية الإسلام في الأنبياء:

والإسلام وسط بين الذين عظَّموا الأنبياء وقدَّسوهم ورفعوهم فوق منزلتهم حتى جعلوهم آلهة ، أو أبناء لله، وبين الجفاة الذين كذبوهم وأهانوهم، بل عذبوهم وقتلوهم، بل في الوقت الحاضر بعضهم يقولون: إنهم مجرد مصلحين اجتماعيين، أو هم مصلحون في أوقاتهم فحسب، أما الآن فما أتوا به غير مناسب لهذا الوقت! وأهل الاسلام يقولون أنهم رسل الله جاءوا للناس بالبينات والهدى وهم افضل الخلق ومعصومون في ضوابط الشرع .

وسطية الإسلام في العقل:

 

الإسلام وسط بين الغلاة في العقل الذين جعلوه مصدر المعارف والحقائق في الوجود وما وراء الوجود، وبين الجفاة الذين تنكروا له وانزلقوا وتعلقوا بالإلهامات، وعَمَت أبصارُهم.

إذ نحن أهل الإسلام ديننا دين وسط في ذلك، فالعقل له منزلته، بل العقل هو محطة تكليف، وفي المقابل نحن لا نغلو بحيث ما لم تصدقه عقولنا لا نقبله؛ لأننا نعلم أن العقل محدود، كما أن طاقاتنا كلها محدودة، فقوة اليد، والبصر، والسمع كلها محدودة، كذلك قوة العقل محدودة، لكنها قوة نعترف بها في حدودها.

كذلك ديننا وسط في الأحكام والعبادات، فالتكاليف في حدود الاستطاعة، لم يكلفنا الله عزَّ وجلَّ إلا في حدود قدرتنا

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286] في الصلوات، في الزكاة، في الصيام، في الحج، في سائر المطلوبات

الشرعية، بل الذين أرادوا أن يشددوا على أنفسهم في العبادة، نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف منهم

موقفاً شديداً، كما في قصة الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عبادته: {فكأنهم

 

تقالُّوها، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: أصوم ولاأفطر، وقال الثالث: لا أتزوج النساء،

 

فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما أنا

 

فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني}.

إذاً هو وسط في التكاليف، بل -في التكاليف- إذا طرأ عليك ظرف خَفَّفَ الله عليك، فإذا جاء ظرف سواء أكان شاقاً أو في الأسباب التي قررها الشرع كالسفر مثلاً، قد لا يكون شاقاً، لكن لو حصل ظرف شاق فإنه يأتي التخفيف.

فإذاً التكاليف وسط، ولهذا المداومة على العبادة تكون في حدود ما تطيق {عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا}، {وأحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه، وإن قلّ } يقول ابن الجوزي رحمه الله معلقا على قضية المداومة،: إنما أحب الله الدائم لمعنيين:

أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، فهو متعرض للذم، ولهذا ورد الوعيد في حق من

حفظ آية، ثم نسيها، وإن كان من قبل حفظها لا يتعين عليه.

ثانيهما: أن مداوم الخير ملازمٌ للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يومٍ وقتاً كمن لازم يوماً كاملاً، ثم انقطع. الوسطية في الرأي وهذه هي المعضلة التي أفسدت على اهل الدنا دنياهم وعلى أهل الدين أخراهم – فحين يصبح الرأي معصوما وراجحا من صاحبه ورأي غيره مردودا مفرطا به تقع الكوارث ويحصل التناحر والتدابر وبذلك ترخص الذمم وتهان الهمم جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا؛ وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»مسلم (2626)، و«كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، و«لا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنَ المَعْرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ فَلْيَلْقَ أَخَاهُ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَإِنْ اشْتَرَيْتَ لَحْمًا أَوْ طَبَخْتَ قِدْرًا؛ فَأَكْثِرْ مَرَقَتَهُ، وَاغْرِفْ لِجَارِكَ مِنْهُ».هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، الترمذي (1833.

◌ الاعتدال يحفظ للأمم ودها وكرامتهاويبني للمجتمع قوته وحضارته .

وما اصاب الأمة من الضعف والفرقة والاختلاف الا بسبب التعصب والتشدد في الرأي .

الاعتدال الذهني يقوم شخصيةصاحبها .

الاعتدال الفكري يصلح المجتمعويبني حضارته .

الاعتدال السلوكي يحمي المجتمع من الاختلاف ويحفظ له قوته وراحته .

الاعتدال المنهجي يبني للمجتمعمستقبله وضمان حماية حدوده وحقوقه .

لاعتدال العقدي يبني للمجتمع حقوقه ويحفظ دمائه وامواله واعراضه .

ونسأل الله العلي القدير أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا ويرزقنا حسن عبادته ويوفقنا الى سبيل النجاة في طاعته واتباع نبيه صلى الله عليه واله وسلم – انه ولي ذلك والقادر عليه – وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلم – والسلام عليكم ورحمته الله وبركاته .

الشيخ الدكتور

مهدي بن أحمد الصميدعي

رئيس هيئة افتاء اهل السنة والجماعة في العراق

الجمعة 15 – جمادى الثانية – 1434 هجرية

 

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مفتي الجمهورية خلال خطبة الجمعة اليوم 6 تشرين الأول ٢٠٢٣ مطالبنا التي نكررها في كل جمعة :

١. اصدار قانون العفو العام ٢٠ تعديل المادة ٥٧.. ٣. تعديل سلم رواتب العمال والموظفين. ...

عاجل _ مئات من النشامى /أحرار العراق ومشايخ وأساتذة يقفون مع مفتي الجمهورية والعلماء الذين يعقدون جلسة طارئة حول حقوق الأئمة والخطباء .

شارك المئات من أبناء المقاومة الاسلامية / أحرار العراق لمشايخ والاساتذة والدعاة الذين يعقدون جلسة ...

مفتي الجمهورية يلتقي في مكتبه بدار الافتاء العراقية اللواء المتقاعد صفاء حسين شاكر الرضوي .

مفتي الجمهورية يلتقي في مكتبه بدار الافتاء العراقية اللواء المتقاعد صفاء حسين شاكر الرضوي … ...