الحمد لله الهادي لسبيل الحق والرشاد وصلى الله وسلم على النبي محمد خير العباد وآله وصحبه خير الأشهاد ومن اهتدى بهديهم الى يوم المعاد وبعد : إن اعتصام أهل السُنة والجماعة بالكتاب والسنة والمحافظة على الجماعة والائتلاف ، من أهم أركان منهجهم المبارك.قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (سورة آل عِمران – الآية 103).قال ابن جرير الطبري: ” يُريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدينِ اللهَ الذي أمركم به، وعَهْدِهِ الذي عَهِدَهُ إليكم في كتابه إليكم ، مِن الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله “.وروى ابن جرير الطبري بأسانيده : إلى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في تفسير “حبل الله” بأنها : ” الجماعة “.وذكر ابن جرير أقوالاً أخرى عن السلف في تفسير معنى حبل الله، منها: القرآن ، والإخلاص لله وحده، والإسلام. ( تفسير الطبري 4 /30 ، 31).وقال الشوكاني في الآية : ” أمر الله أن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن، ونهاهم عن التفرق الناشيء عن الاختلاف في الدين”.فأهل السُنَّة على الحقيقة هم أهل الجماعة والاجتماع ، يحرصون على ذلك ويتواصون به ظاهراً وباطناً.
وهم حين يجتمعون ويدعون إلى الاجتماع ، يضبطون ذلك بضابطين مهمين هما :أولا : أن يكون الاجتماع على كلمة الحق ، وهو ما جاءت به نصوص القرآن والسنة بفهم سلف الأمة .ثانيا : مراعاة ضوابط الخِلاف .فأما الاجتماع على كلمة الحق ، فإنه بدون هذا القيد والضابط لا يكون اجتماع أصلاً ، وذلك أن الباطل وأهله في اختلاف عظيم ، لا يقرون على قرار .فسبب الاجتماع إذن هو : جمعُ الدين كله عِلماً وعَملاً ، ونتيجته الاتفاق والوحدة والقوة .قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” إن سبب الاجتماع والألفة جمعُ الدين والعمل به كله ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، كما أمر به باطناً وظاهراً، … ونتيجة الجماعة : رحمة الله ورضوانه، وسعادة الدنيا والآخرة ، وبياض الوجوه”. ( مجموع الفتاوى 17/1).وقال : ” فإنهم إذا اجتمعوا كانوا مطيعين لله بذلك مرحومين، فلا تكون طاعة الله ، بفعل لم يأمر الله به ، من اعتقاد أو قول أو عمل ، فلو كان القول أو العمل الذي اجتمعوا عليه لم يأمر الله به ، لم يكن ذلك طاعة لله ولا سبباً لرحمته “.وقال أيضا : ” فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به ، وقعت بينهم العداوة والبغضاء ، وإذا تَفَرَّقَ القوم فَسَدوا وهَلَكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب”. ( مجموع الفتاوى 3/421).فأهل السُنَّة مستمسكون بالكتاب والسنة وفهم السلف لهما ، وبالجماعة المؤمنة ، ملتزمون بأصول الكتاب والسُنَّة والإجماع ، بعيدون عن الاحتجاج بالمتشابهات ، التي تُفَرِّق الجَمْع وتُشَتِّت الشمل ؛ لأن الجماعة عندهم هي مناط النجاة في الدنيا والآخرة .وقال شيخ الإسلام : ” والبدعة مقرونة بالفُرقة ، كما أن السُنَّة مقرونة بالجماعة ، فيُقال : أهل السُنَّة والجماعة ، كما يُقال : أهل البدعة والفُرقة “. (الاستقامة 1/42).قلت فالعجب لمن يسير على منهج الجماعة والاتباع … ويرى أنهم يفترقون بلا مقدمات أن أهل الباطل يجتمعون بلا مقدمات ؟
الشيخ الدكتور
مهدي بن أحمد بن صالح الصميدعي
مفتي جمهورية العراق