عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / الفتاوى / فتوى رقم ( 1532 ) طلب فاطمة الزهراء لخادم .

فتوى رقم ( 1532 ) طلب فاطمة الزهراء لخادم .

السائلة أم تيسير الجابري تسأل _ السلام عليكم شيوخنا الكرام قرأت في أحد الكتب أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها طلبت من زوجها أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام أن يجلب لها خادما .. وأطلب من سيادة المرجع المفتي توضيح ذلك ذلك مع ضرورة بيان النقل من مصادره وشكرا لكم .

أجاب على السؤآل سماحة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ( سدده الله تعالى ) الحمد لله رب العالمين وبه نستعين وصلى الله تعالى على نبيه الأمين وآله الطاهرين وصحابته اجمعين ومن اهتدى بهديهم الى يوم الدين وبعد : بارك الله فيكم _ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أن فاطمة –رضي الله عنها- شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تسأله خادمًا فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم، فقال:  مكانك  فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال:  ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما، فكبرا ثلاثًا وثلاثين، وسبحا ثلاثًا وثلاثين واحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم  وهذا الحديث موجود في الصحيح، قد رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في ثلاثة مواضع من كتابه الصحيح أو في أربعة، وغيره[رواه البخاري: 3705، 5361، 6318، ومسلم: 7090]. شرح حديث علي وفاطمة في الذكر قبل النوم:  في هذه القصة التي يقول فيها علي -رضي الله عنه-: إن فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحى، والرحى هو آلة الطحن التي كان يطحن بها، وأرته أثرًا في يدها من الرحى، واشتكت فاطمة-رضي الله عنها- مجل يدها، والمجل هو التقطيع الذي يحصل في اليد من نتيجة العمل، وهو غلظ اليد الذي يحدث عند مباشرة الأعمال، فكل من عمل عملاً بكفه تجد فيه ندبًا وتقطيعًا إذا كان يمارس العمل بكفه دائمًا، فيقول علي-رضي الله عنه- وهو الزوج المشفق على زوجته، ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف من ينتقي لابنته، يقول علي-رضي الله عنه-: قلت لفاطمة لو أتيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فسألتيه خادمًا، فقد أجهدك الطحن والعمل؟
وفي رواية: أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-لما زوجه فاطمة، قال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت حتى اشتكيت ظهري، فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي[رواه أحمد: 838، وقال محققو المسند: “إسناده حسن”].
ومعنى: “سنوت”، يعني عملت مكان السانية، والسانية هي الناقة التي تسحب الماء من البئر، فيقول علي-رضي الله عنه- من الحاجة: عملت بدل السانية، عملت بدل الناقة في سحب المياه من الآبار بالدلاء، لأجل الناس بأجرة “لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، فقالت فاطمة: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي”، فهذه فاطمة -رضي الله عنها- “جرت بالرحى” وطحنت بالرحى “حتى أثرت بيدها،واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها، وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها” كما جاء في رواية [أبي داود: 5065، وأحمد: 1312، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود:  1075].
جاء في رواية قالت: “فأتانا وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولاً”، يقول علي -رضي الله عنه-: “إذا لبسناها طولاً خرجت منها جنوبنا، وإذا لبسناها عرضًا خرجت منها رؤوسنا وأقدامنا”[رواه ابن حبان في صحيحه: 6922 ، وقال شعيب الأرنؤوط: “إسناده صحيح على شرط الشيخين”]، فدخل عليهما رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-وقد دخلا في قطيفة لهما، إذا غطيا رؤوسها تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، لما دخل عليه الصلاة والسلام قالت: “فذهبت أقوم” [البخاري: 6318]، أو في رواية: “فذهبنا نقوم”، كلاهما، فقال صلى الله عليه وسلم:  مكانك [البخاري: 6318] أو  مكانكما [البخاري: 6318: 3113، ومسلم: 7090]أي الزما مكانكما، لا تقومان، فجلس بيننا -صلى الله عليه وآله وسلم-، جلس بين علي وفاطمة -رضي الله تعالى عنهما- فقال:  إني أخبرت أنك جئت تطلبين، فما حاجتك؟  قالت: بلغني أنه قدم عليك خدم فأحببت أن تعطيني خادمًا يكفيني الخبز والعجن، فإنه قد شق عليّ، قال: فما جئت تطلبين أحب إليك أو ما هو خير منه؟ قال علي: فغمزتها، فقلت قولي: ما هو خير منه أحب إليّ؟ حتى نعرف ما هو خير من الخادم هذا، والحرص على الخير، قال: فإذا كنتما على مثل حالكما الذي أنتما عليه، ثم ذكر التسبيح.
وفي رواية: أنه لما دخل عليها أدخلت رأسها في اللفاع، حياءً من أبيها، ويحمل هذا على أنها فعلت ذلك أولاً فلما تآنست به رفعت وجهها إليه وكلمته.
وفي بعض الروايات قال: ما كان حاجتك أمس؟ فسكتت مرتين، فقلت يقول علي: أنا والله أحدثك يا رسول الله، فذكرته له، فهذا يحمل على أنه سأل فاستحييت أولاً، فكلمه علي، ثم لما زال الخجل تكلمت هي، وأنشطها للكلام زوجها، فتكلمت وطلبت.
في رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم أتياه، فقال: ما أتى بكما؟ قال علي: شق علينا العمل، فقال: ألا أدلكما؟ وذكر الحديث.
وفي رواية قال: ما جاء بك يا بنية؟ قالت: جئت أسلم عليك واستحيت، حتى إذا كانت القابلة قال: ائت أباك، وذكر مثله، حتى إذا كانت الليلة الثالثة قال لها علي-رضي الله عنه-: امش، فخرجا معا، فهذه الأحاديث وهذه الروايات تدل على أنه ربما حصل ذلك بإتيانهما ثم بإتيانه إليهما.
المهم أنه عليه الصلاة والسلام قال:  ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم  خير مما سألتماه، قالا: بلى، فقال:  كلمات علمنيهن جبريل إذا آويتما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما من الليل تسبحان [رواه أحمد: 838، وقال محققو المسند: “إسناده حسن”]،فذكر لهما التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والحمد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير أربعًا وثلاثين، كم عددها؟ مائة.
في راوية فقال:  فتلك مائة باللسان وألف في الميزان [رواه أبو داود: 5067، والترمذي: 3410، والنسائي: 1348، وابن ماجه: 926، وأحمد: 1249، وقال محققو المسند: “صحيح وهذا إسناد حسن”]، يعني الأجر عند الله الحسنة بعشر أمثالها.
وفي رواية: فأمرنا عند منامنا بثلاث وثلاثين، وثلاث وثلاثين، وأربع وثلاثين، من تسبيح وتحميد وتكبير”[رواه أحمد: 996، وقال محققو المسند: “إسناده قوي”].
فإذًا، سبحان الله ثلاثًا وثلاثين قبل النوم، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر أربع وثلاثين، مرة يقول ذلك.
الآن هذه الوصية، يعني أن الذكر هذا أنفع من الخادم، وأفضل من الخادم، علي-رضي الله عنه- حافظ عليه، فلم يترك هذا الذكر أبداً، جاء في رواية: أن عليا-رضي الله عنه- قال: “فما تركتها بعد”، فقالوا له: ولا ليلة صفين، قال: ولا ليلة صفين” [رواه البخاري: 5362، وأحمد: 5362].
وهذا الرجل الذي قال له ذلك جاء في رواية: أنه ابن الكواء.
ابن الكواء يقول لعلي -رضي الله عنه-: ولا ليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، نعم ولا ليلة صفين” [رواه أحمد: 838، وقال محققو المسند: “إسناده حسن”].
عبد الله بن الكواء من أصحاب علي-رضي الله عنه- لكنه كان متعنتًا في السؤال، وقد ابتلي علي-رضي الله عنه- بأشخاص ما شفوا غليله، ولا صبروا معه، ولا حققوا ما يريد، وكان يريد أن يقر الأمر، وتستقر الخلافة، ولكنهم ما شفوا غليله، كثير منهم، ولذلك قال في نهاية حياته قال: “اللهم مللتهم وملوني، فاقبضني إليك”[الآحاد والمثاني: 1/184]، فلم يكن مع علي -رضي الله عنه- من الرجال مثلما كان مع أبي بكر وعمر، ولذلك لم يكن الأمر مستتبًا له، فكان هذا ابن الكواء نموذج ممن كان مع علي-رضي الله عنه-، كان معه أفاضل وعلماء وصحابة لا شك، لكن ابتلي أيضاً بأشخاص فيهم ما فيهم، منهم عبد الله بن الكواء، لما حدثهم الإمام علي بالقصة قال: ما تركتها بعد، فجاء عبد الله بن الكواء يقول: ولا ليلة صفين؟ ما تركت هذه الأذكار؟ يقول: ولا ليلة صفين، ويحك ما أكثر ما تعنتني، لقد أدركتها من السحر.وفي رواية: “فإني ذكرتها من آخر الليل فقلتها”.وفي رواية: “إلا ليلة صفين فإني أنسيتها حتى ذكرتها من آخر الليل فقلتها” [رواه أبو داود: 5066،وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود: 1076].
فهذا يدل على لزومه للذكر -رضي الله عنه-، وأنه حتى ليلة صفين، وهي المعركة التي جرت بين علي-رضي الله عنه- وأهل الشام، حتى أنهم اقتتلوا مقتلة عظيمة، وأقاموا بصفين عدة أشهر، وكانت المعركة عبارة عن وقعات كثيرة، ولكنهم ما قاتلوا في الليل إلا مرة واحدة وهي ليلة الهرير، سميت بذلك لكثرة ما الفرسان يهرون فيها، وقتل من الفريقين تلك الليلة عدة آلاف، وقد أوشك أمير المؤمنين علي رضي الله عنه- على النصر، حتى رفع أهل الشام المصاحف، وطالبوا بتحكيم للقرآن، وحدث بعد ذلك توقف المعركة، وكانت سنة سبع وثلاثين، وخرج الخوارج عقب التحكيم، في أول سنة ثمان وثلاثين، وقتلهم علي-رضي الله عنه- بالنهروان [ينظر: فتح الباري: 11/123]خرجوا، وقفوا عن القتال، وحاول علي-رضي الله عنه- أن يحسم الأمر، لكن لم يتهيأ له ذلك، ولم يكتب الله -عز وجل- له ذلك، بعدما توقفوا كانوا هم السبب في عدم حسم الأمر انقلبوا عليه مرة أخرى الخوارج هؤلاء، قالوا: حكم الرأي في كتاب الله؟ وأرسل الإمام -رضي الله عنه- لهم ابن عباس فناقشهم وناظرهم، ورجع من الاثنا عشر ألف رجع ثمانية آلاف[ينظر: السنن الكبرى للنسائي: 7/480، ومسند أبي يعلى: 1/367، ومستدرك الحاكم: 2/164]، وهؤلاء عندهم كان سرعة في الرجوع، وسرعة في الرد، وهؤلاء الذين قاتلهم علي-رضي الله عنه- في سنة ثمان وثلاثين للهجرة بالنهروان، كان منهم ذو الثدية الرجل الذي كان مقطوع اليد، في عضده مثل حلمة ثدي المرأة أسود، فأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عليًا أنه سيقاتل الخوارج، وأنه سيقتلهم، وأن آيتهم ذا الثدية هذا، ولذلك فإن عليا-رضي الله عنه- بعد المعركة طلب البحث عن ذي الثدية، فلم يوجد، فأمر بالبحث، فلم يوجد، ثم حلف أنه يوجد، وأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ما كذبه، فبحثوا عنه بين القتلى حتى وجدوه، فخر علي -رضي الله عنه- ساجدًا لله شكرًا [ينظر: السنن الكبرى للنسائي: 7/476، ومصنف عبد الرزاق : 3/358].
وكان هؤلاء قد أفسدوا في الأرض، وخرجوا على علي-رضي الله عنه- وعلى المسلمين، يكفرون مرتكب الكبيرة، حتى كفروا عليًا ومعاوية وعمرو بن العاص، وغيرهم من الصحابة، حتى أنهم اجتمع ثلاثة منهم قبل عام أربعين للهجرة، اجتمعوا في موسم الحج، قالوا: ما هي سبب مشكلات المسلمين؟ فخرجوا بنتيجة الاجتماع: أن سبب مشكلات المسلمين ثلاثة: علي ومعاوية وعمرو بن العاص، ما هو الحل؟ قالوا: نقتلهم ونريح المسلمين من شرهم، فتفرقوا في البلدان على أساس واحد يغتال علياً، وواحد يغتال معاوية وواحد يغتال عمرو بن العاص.
فأما معاوية-رضي الله عنه- طلع عليه فطعنه، فاكتوى منها فبرأ، وعمرو لم يصل فيهم تلك الصلاة إمامًا، صلى غيره فطعن غيره.
وأما الإمام علي -رضي الله عنه- فإنه خرج عليه عبد الرحمن بن ملجم ( قاتله الله ) بسيف جلس يسقيه السم شهرًا، فخرج عليه في الظلام، اختبأ له فخرج عليه فضربه على جبهته، بهذا السيف المسمم، فلما ضربه على جبهته، وسال الدم من جبهته على لحيته، تذكر، وكان يذكر لهم حديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-في أشقى الناس عاقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه، حتى يبل منها هذه، يعني لحيته رضي الله تعالى عنه.
وقتل هذا أشقى الناس قتل خير الناس في ذلك الوقت وهو علي -رضي الله عنه-.
وبعد ذلك حمل علي ثم توفي فيما نحسبه شهادة له رضي الله عنه، وذهب إلى ربه.
وهذا عبد الرحمن بن ملجم من ضلاله -من ضلال الخوارج-: أنهم لما أخذوه فربطوه وقطعوا يديه، لم يتكلم، ولم ينبس ببنت شفه، ورجليه، فلما أرادوا أن يقطعوا لسانه، كما جاء في بعض الروايات صرخ فقالوا: مالك؟ قال: لساني أذكر به الله [ينظر: البداية والنهاية: 8/14].
وهذا الذي قتل خير الناس في ذلك الوقت وهو علي -رضي الله عنه-، فهؤلاء خرجوا على المسلمين فكفروهم، كل من ليس معهم فهو كافر، وقتلوا خير المسلمين، وذهبوا إلى أحد المسلمين، كان معتزل الفتنة، معه مصحف يقرأ به، وعنده وليدة حامل، فأخذوه وأخذوا المصحف منه وقتلوه وذبحوه، وأراقوا دمه في النهر، وأخذوا الوليدة وبقروا بطنها وأخذوا الجنين الذي في بطنها، قتلوها وقتلوه [ينظر: البداية والنهاية: 7/318]، ثم مشوا فجاؤوا إلى بستان كتابي نصراني، فأراد بعضهم أن يأخذ منهم ثمرًا، فقال بعضهم لبعض: لا، هؤلاء أهل كتاب أوصانا بهم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- خيرًا، كيف تأخذ الثمر؟ ما يجوز تأخذه إلا بحقه؟ فاوضوه، فجاؤوا إلى صاحب البستان يفاوضونه فقال: واعجبًا تقتلون فلان هذا صاحبكم المسلم أخوكم ثم تأتون تفاوضونني على الثمر؟ حتى هو هذا استعجب من صنيعهم.
فهؤلاء بقية الخوارج الذي كان أحدهم قتل أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه-، وكان رضي الله عنه- قد قتل معظمهم، وأراح المسلمين من شرهم، ولكن هؤلاء بقيت فيهم بقية ثم بعد ذلك تفرقوا في البلدان، تسعة منهم عبد الله بن إباض الذي تنسب إليه الفرقة الإباضية، ويقول هؤلاء بتكفير مرتكب الكبيرة، وتطور مذهبهم بعد ذلك فأنكروا رؤية الله -تعالى- في الجنة، وقالوا: إن القرآن مخلوق، أخذوا من المعتزلة قضية خلق القرآن، وهكذا عندهم بدع في الدين، ولا زالوا هكذا إلى الآن، هؤلاء بقايا أولئك السابقين.
المهم أن أمير المؤمنين -رضي الله عنه- مع شدة وأهوال المعركة ما نسي هذا الذكر في المعركة تلك الليلة، مع أن المعركة تنسي كل شيء، لكنه ما نسي أن يقوله وتذكره قبل الفجر، في الليل في السحر وقاله. بعض الفوائد المستفادة من حديث علي وفاطمة في الذكر قبل النوم:  فهذا الذكر العظيم يدل على أن ذكر الله -عز وجل- يقوي البدن؛ كما ذكر ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله- وتلميذه أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لما علمه فاطمة وقال: إنه خير من خادم، معناها أن ذكر الله يقوي الأبدان.
وكذلك فإنه صلى الله عليه وآله وسلم قد اختار لابنته أن تبقى على حالها ولم يعطها ذاك الخادم، وأعطاها بديلاً هذا الذكر العظيم.
وكذلك فإنه اختار لابنته ما أحب لنفسه من إيثار التحمل والصبر على الشدة والقلة، الصبر على القلة تعظيمًا لأجرها، وإلا كان ممكن يعطيها من الذهب ما شاء، ولكنه اختار لها ما اختار لنفسه، واختار لها ما هو أكثر نفعًا لها في الآخرة، وآثر أهل الصفة؛ لأنهم فقراء قد وهبوا أنفسهم لسماع العلم، وضبط السنة على شبع بطونهم، منهم أبو هريرة -رضي الله عنه-، أبو هريرة -رضي الله عنه- من زهران، يرجع نسبه إليهم، هذا الذي وقف نفسه على العلم على شبع بطنه بس، ومع ذلك كان لا يجد في كثير من الأحيان ما يشبع به بطنه، هؤلاء أهل الصفة وقفوا أنفسهم للعلم والجهاد، يخرجون في جيوش المسلمين، لا هم لهم إلا العلم والجهاد، اشتروا أنفسهم من الله بالقوت.
أخذ العلم من الحديث: تقديم النفقة على طلبة العلم على غيرهم؛ لأنه أنفق عليهم.
وكذلك فيه ما كان عليه السلف الصالح من شظف العيش، وقلة الشيء، وشدة الحال، وأن الله حماهم من الدنيا مع إمكان أن تحصل لهم الدنيا، صيانة لهم من تبعاتها؛ لأن يوم القيامة في وقوف للسؤال عن كل درهم: من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته؟ ولذلك فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، ويوقفون للحساب، فيقولون: على أي شيء نحاسب وإنما كانت سيوفنا على عواتقنا في سبيل الله؟ نحاسب على أيش؟ ما كان عندنا شيء، كل الذي كان عندنا هو سيوفنا على عواتقنا نجاهد في سبيل الله، ولذلك يقال لهم: ادخلوا الجنة، فيدخلون قبل الأغنياء بخمسمائة عام[انظر الحديث في مسند أحمد: 7933، وقال محققو المسند: “صحيح وهذا إسناد حسن”]وأصحاب الجد-الغنى- محبوسون[رواه البخاري: 6547، ومسلم: 7113]، ولكن هذا الحبس لا يشترط أن يكون عذابا، فإذا كان أهل الغنى قد أنفقوا في سبيل الله وصرفوه فيما يرضي الله، فإنه يكون لهم زيادة في الحسنات، وبعضهم قد ترتفع مراتبهم في الجنة فوق الفقراء، بعدما يدخلون، لكن الدخول أول للفقراء، ثم أهل الغنى إذا كانوا بذلوه في طاعة الله يدخلون متأخرين، لكن ربما تكون مرتبة بعضهم فوق مرتبة الفقراء، من أجل الحسنات، أو الصدقات التي تصدقوا بها.
وفي هذا الحديث كذلك: أن الإنسان يحمل أهله على ما يحمل عليه نفسه من إيثار الآخرة على الدنيا، إذا كانت لهم قدرة على ذلك؛ لأن بعض النساء قد لا تكون لها قدرة، فربما لو أنه أراد أن يمحلها على شيء من الشدة طلبت الطلاق، وخرجت من البيت، وتركت له البيت والأولاد، وكثير من النساء بفعل ما في المجتمع من الانحرافات والترف، ترسخ فيهن قضية البحث عن الماديات، وطلب الخدم، وأنها ربما ما تعمل شيئًا، وتلقي بكل شيء على الخدم، وتتفرغ هي لذهابها خارج البيت ومشاويرها وسهراتها.
وفي هذا الحديث _ أنه إذا حصل ازدحام في الحقوق، فإنه يؤثر صاحب الحق الأقوى.
وفيه: جواز أن تشتكي البنت لأبيها ما تلقاه من الشدة، ولم ينكر عليها أنها اشتكت، فلو اشتكت مثلاً تعب العمل في البيت، واشتكت من أذى أطفالها، وأنها تلقى شدة في تربيتهم، أو أنهم يتمردون عليها، أو يعاندون، ونحو ذلك، فإن لها أن تشتكي إلى أبيها، وأن الأب عليه أن يقوم بدور الناصح الموجه، وأن مسؤوليته عن ابنته لم تنته بتزويجها، وإنما مستمرة في التسديد والإصلاح والنصيحة، وتخفيف ما يصيب البنت من نتيجة أعباء الزواج؛ لأن البنت في بيت أبيها قد تكون مدللة، وقد تكون عندها من يخدمها، فإذا انتقلت إلى بيت رجل آخر، صار حمل البيت عليها كله، كانت مخدومة في بيت أمها وربما يكون عندها خدم في البيت، فإذا انتقلت إلى بيت زوجها صارت مسؤولة عن بيت كامل، وأيضاً إذا انضاف إلى ذلك أعباء الزوج، وخدمة الزوج الجديد، وما يضاف من الحمل والوحام، وما يصيب من الإرهاق والتعب، ثم الوضع والرضاع، مع الخدمة، البنت تختلف يختلف عليها الجو جداً، فعلى الأب أن يكون حكيمًا في نصح ابنته في مواجهة الواقع الجديد، بعد الزواج، هذه مسألة مهمة، وكثير من البيوت تنجح بسبب مواصلة الأب عمله، الأب ما انتهى عمله بتزويج البنت، يقول: خلاص أنا انتقيت لها الكفء وانتهت مسؤوليتي، لا، يجب أن يواصل القيام بالمسؤولية، أن يواصل الاعتناء بالبنت  حتى بعد زواجها، وكثير من الآباء من خيرهم ومن برهم: أنهم لا زالوا يشرفون على بناتهم، ويعتنون بهن، حتى بعد الزواج لسنوات طويلة، وربما يكون هناك من أشرف على ابنته، وجلب الطعام إليها في بيت زوجها، وخدمتها، والاعتناء بأولادها، وهكذا لا تزال الرعاية مستمرة.
الحديث فيه منقبة لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه- من جهة منزلته من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وأنه دخل عنده، وصار بينه وبين زوجته، وأنه اختار له أمر الآخرة على أمر الدنيا، وآثر ذلك له.
وكذلك في هذا الحديث أن هذه الكلمات المائة تقال مائة مرة قبل النوم، يشبهها كذلك ما يقال بعد الصلوات، فقد روى في بعض كيفيات الأذكار التي بعد الصلوات مثل أذكار قبل النوم هذه: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر أربعًا وثلاثين، هذه وردت كيفية صحيحة من كيفيات الأذكار بعد الصلاة، وكذلك وردت قبل النوم.
وبعد الصلاة أيضاً الكيفية المشهورة: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر ثلاثًا وثلاثين، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
فهذه نبذه من شرح هذا الحديث المبارك، وفيه ما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من الشدة، وأنهم احتملوا ذلك، وخرجوا من الدنيا في نظافة، وأنهم لم يتقذروا بما فيها.
وفيه أيضاً: تسلية لكل من اشتدت حاله أن من هو أفضل منك لاقى ما هو أشد، فلعله يكون فيه درس له أيضاً على الصبر.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من الذين يسيرون على خطاهم، ويتأثرون بسيرتهم، ويعملون بها.

المكتب العلمي للدراسات والبحوث / قسم الفتوى

الثلاثاء 17 جمادي الآخرة 1441 هجرية 11 شباط 2020

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

فتوى رقم ( 1612 ) حكم قطع ذكر الرجل من قبل القاضي .

السائل محمد بو عرب يسأل عن عقوبة قاضي حكم بقطع ذكر رجلين اغتصبا بنت وقام ...

فتورى رقم ( 1611 ) موضوع التعامل المصرفي بوضع مبالغ بالعملة الدولار وسحبها بالعراقي .

سؤآل موجه من قبل الاستاذ الدكتور م. خالد الراوي وفقه الله تعالى _ الشيخ الفاضل ...

فتوى رقم ( 1610) حكم صديق اشترى له سيارة يسدد حقها بالتقسيط .

السائل السيد لقمان _ Loqman Ab Mahal Alzangana يسأل السلام عليكم ورحمت الله اني اسال ...