فتوى رقم ( 1268 )
السائل حكم الدليمي يسأل _ السلام عليكم هل سماع الأغاني حلال أم حرام .
أجاب على السؤآل سماحة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ( وفقه الله تعالى ) الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وإمام النبيين محمد بن عبد الله وآله وصحبه أجمعين والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد : الله يبارك بيكم _ قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍسورة لقمان6-7. قال الواحدي رحمه الله: “وأكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء”، قاله ابن عباس، وقاله عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، قال العلماء: “أكثر ما جاء في التفسير أن لهو الحديث هاهنا هو الغناء” لأنه يلهي عن ذكر الله تعالى، وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ، قال أهل المعاني، أهل التفسير: “ويدخل في هذا كل من اختار اللهو والغناء والمزامير والمعازف على القرآن”، وإن كان اللفظ قد ورد بالشراء، فلفظ الشراء يذكر في الاستبدال والاختيار، وهو كثير في القرآن، وهذه الآية على هذا التفسير تدل على تحريم الغناء.
وكذلك فقد جاء عن أبي الصهباء رحمه الله قال: “سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِالآية، فقال: “والله الذي لا إله غيره هو الغناء، والله الذي لا إله غيره هو الغناء، والله الذي لا إله إلا غيره هو الغناء” أخرجه ابن جرير وهو حديث حسن، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً أنه الغناء.
هؤلاء الصحابة الذين شاهدوا تفسيره من الرسول ﷺ علماً وعملاً، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة، أولى من يؤخذ بكلامهم في تفسير كتاب الله تعالى، ويوضح ذلك، يوضح أنه رقية الزنا أيضاً، ومنبت النفاق وشرك الشيطان، وخمرة العقل، أنك لا تجد من عني بالغناء، وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً، وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث إذا عرض له سماع الغناء، وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، شغل أمامه شريط قرآن، وشريط غناء، فهو يريد أن يسمع الغناء، ويميل إليه، وينفر قلبه من سماع القرآن، يفضل هذا على ذاك ولا شك؛ ولذلك يثقل عليه سماع القرآن، وإذا تحمل لا يتحمل إلا مدة وجيزة، ولكن الغناء يسمعه ساعات طويلة، وهذا مشاهد ولا شك، ولا جدال في ذلك، في الذين يستمعون إلى الأغاني، بل ربما حمله الحال على أن يسكت قارئ القرآن، ويستكثر قراءته ويستطيلها، وفي المقابل هو يستزيد المغني ويستقصر نوبته، ولذلك فإنها فتنة، وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا سورة المائدة41. ومن أسماء الغناء في الكتاب والسنة: الزور واللغو، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا سورة الفرقان72.
قال أهل العلم: “لا يجالسون أهل المعاصي، ولا يمالئونهم عليها، ومروا مر الكرام الذين لا يرضون باللغو؛ لأنهم يكرمون أنفسهم عن الدخول فيه، والاختلاط بأهله، كما قال الله: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُسورة القصص55. فقل لي بربك ما هو اللغو إذا لم يدخل فيه الغناء؟ اللغو أنواع ومنها وأشهرها وعلى رأسها الغناء، وتأمل قول الله: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، ولم يقل: لا يشهدون بالزور، شهادة الزور لها نصوص أخرى، الشهادة بالزور، قال: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، ومعنى يشهدون يعني: يحضرون، فمدحهم على ترك حضور مجالس الزور، وماهو الزور؟ أنواع كثيرة، ويطلق عموماً على الكلام الباطل، وعلى العمل الباطل، ولا شك أن الغناء من الزور، وأن مجالسه من مجالس الزور…..ومن أسماء الغناء في القرآن: الباطل، الذي هو ضد الحق، وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا سورة الإسراء81. بحيث يعرف صاحب الفطرة السليمة أن الغناء من الباطل، وأن أمره محرم، ولذلك لما جاء رجل لابن عباس رضي الله عنهما، فقال: ما تقول في الغناء؟ أحلال هو أم حرام؟ قال له ابن عباس رضي الله عنه: “أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة”، الحق في صف والباطل في صف، الحق فيه القرآن والسنة والأنبياء والصحابة والأولياء، وفيه القرآن والذكر والدعاء والصدقة والحج والاستغفار، إلى آخره، والباطل جاء في صف، فرعون وهامان وأبو جهل ومعهم الزنا والخمر والكفر والشرك، والمعصية، قال ابن عباس للرجل: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة فأين يكون الغناء؟ احفظ هذا المثل من ابن عباس لتفحم به وتلقم أفواههم حجراً، فأين يكون الغناء؟ أرأيت الحق والباطل إذا جاءا صفان يوم القيامة فأين يكون الغناء؟ أين تكون الموسيقى؟ أين يكون الطرب؟ أين يكون الغناء؟ فقال الرجل: يكون مع الباطل. ولا بد أن يجيب الذي في قلبه شيء من الدين والفطرة السليمة أنه في صف الباطل، لا يمكن أن يكون أن الأغاني ستأتي في صف محمد ﷺ والقرآن، أبداً، فقال الرجل: يكون مع الباطل، فقال له ابن عباس: “اذهب فقد أفتيت نفسك”، فهذا جواب ابن عباس رضي الله عنهما عن غناء من؟ السؤال وقع على أي شيء؟ السؤال وقع على أي شيء؟ السؤال وقع عن غناء الأعراب، الغناء غناء الأعراب تلحين الأشعار بما يطرب، ليس فيه مدح الخمر والزنا واللواط، والتشبيب بالأجنبيات، وذكر محاسن النساء، وأصوات المعازف والآلات المطربة، فإن غناء القوم في ذلك الوقت لم يكن مشهوراً فيه شيء من ذلك، فكيف لو شاهد، يقول ابن القيم رحمه الله: “لو شاهد ابن عباس، لو شاهدوا هذا الغناء لقالوا فيه أعظم قول، فإن مضرته وفتنته فوق مضرة شرب الخمر بكثير وأعظم من فتنته” ونحن نقول اليوم: فكيف لو شاهد العلماء الذين تكلموا في حكمه في الماضي كيف لو شاهدوا تطور الغناء في هذا الزمان، وتنوع الآلات الموسيقية التي تصدر الأصوات المختلفة، كيف لو شاهدوا المسارح في الهواء الطلق، كيف لو شاهدوا مهرجانات الأغاني المنتشرة، وتباع التذاكر بكذا وكذا، ثم يقولون: نفذت تذاكر المغني الفلاني قبل وصوله إلى البلد الفلانية بأسبوع، كيف لو شاهدوا هذه الأشرطة؟ كانوا يتكلمون يقولون: إن إحضار القينة إلى المجلس لتغني القوم أو إحضار المطرب ليغني القوم كذا وكذا، فكيف لو شاهدوا انتشارها بالأشرطة وسماعها في سائر القنوات، وإهداءها يا عباد الله: كيف لو شاهدوا ذلك ماذا كانوا سيقولون؟ هذا يهدي لخطيبته، وهذا يهدي لحبيبته وعشيقته، وهذا يهدي لبنات ثانوية البنات، وهذا يهدي لمقدمة البرنامج الفاسقة الداعرة، وهذا يهدي، وهذا يهدي من أطراف الأرض، ما كفتهم الأرض، ملؤوها بفسقهم، حتى صعد الفسق إلى السماء في القنوات الفضائية، التي تعج بأمواج الأغاني يميناً وشمالاً، بارزوا الله بالمعصية على الأرض وفي الفضاء، وملائكته نازلة صاعدة، وأوامره نازلة سبحانه وتعالى من السماء، وهذه الأمواج بالأغاني تسرح يميناً وشمالاً، وتدخل كل بيت، وتفتن كل رجل وامرأة، ولذلك لو شاهدوا ما نشاهد ونعاني، ونسمع، وينقل إلينا من أخبار الناس لقالوا فيه أعظم قول، فإن مضرة الإسكار بالغناء أكثر من مضرة الإسكار بما يحصل أحياناً عند تعاطي الخمر.
وأما تسمية الغناء بالتصدية والمكاء فقد قال الله تعالى عن الكفار: وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً سورة الأنفال35.قال ابن عباس وابن عمر وعطية ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة وغيرهم: “المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق”، وكذلك قال أهل اللغة.
فالمكاء هو: جمع اليدين للتصفير والتصدية إذا صفق بيديه، قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت عراة ويصفقون ويصفرون، وقال مجاهد رحمه الله: كانوا يعارضون النبي ﷺ في الطواف، ويصفرون ويصفقون، يخلطون عليه طوافه وصلاته.
وكانوا يفعلون هذه الأنواع، والمقصود من إيراد الآية أن المصفقين، والصفارين في يراعن أو مزمار ونحوه من كل الآلات التي فيها نفخ، وما أكثرها الآن، ولم تعد القضية مزمار فقط، أشكال وأنواع من الأبواق، والمزامير من يراع أو مزمار فيهم شبه من هؤلاء المشركون، ولو أنه مجرد الشبه الظاهر فلهم قصد من الذم وإن لم يتشبهوا بهم في التصفيق والصفير حول الكعبة، فهم يتشبهون بهم في التصفيق، والتصفير، في الهيئة الظاهرة، والشكل العام، والفعل العام، فهم لهم نصيب من الذم بحسب تشبههم، فإن فعل عند الكعبة فهو أشد وأطم وأنكى وأعظم، والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال في وقت الحاجة في الصلاة إذا نابهم أمر، بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح؛ لئلا يتشبهوا بالنساء، فكيف إذا فعلوه لا لحاجة وإنما لتشجيع المغني، تشجيع المغنيين، تشجيع المغنين على المسارح بالتصفيق المتوالي والتصفير دلالة الإعجاب على سحبته وإيقاعه وختم نوبته وفاصلته، هكذا يفعلون، وفي القرآن ذم لهم.
المكتب العلمي للدراسات والبحوث / قسم الفتوى
السبت 20 رمضان 1440 هجرية 25 آيار 2019