فتوى رقم ( 693 )
السائل مزهر احمد يسأل _ السلام عليكم. ما حكم لعب الدومنة.
أجاب على السؤآل سماحة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ( سدده الله تعالى ) الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله صحبه أجمعين وبعد السائل الكريم : صحَّ نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اللعب بالنَّرد, فقد روى أبو داود عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : “مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ” (صححه الألباني في صحيح أبي داود (4129) وروى مسلم (2260) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَده فِي لَحْم خِنْزِير وَدَمه” قال النووي رحمه الله: وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُور فِي تَحْرِيم اللَّعِب بِالنَّرْدِ، وَمَعْنَى “صَبَغَ يَده فِي لَحْم الْخِنْزِير وَدَمه” أي: فِي حَال أَكْله مِنْهُمَا، وَهُوَ تَشْبِيه لِتَحْرِيمِهِ بِتَحْرِيمِ أَكْلهمَا اهـ.
ولذا كان أكثر أهل العلم على تحريم اللعب بها، وقد قال بعض الشافعية بالكراهة، وردَّ عليهم أئمة المذهب ورجحوا – تبعاً لأكثر العلماء – القول بالتحريم.
ولم تكن لعبة ” الدومينو ” معروفة قديما، وقد اختلف أهل العلم في حكمها بناء على نظرهم إلى حقيقتها؛ فمنهم من ذهب إلى أنها مباحة، ما لم تقترن بمحرم آخر، من ميسر ونحوه، ولم تشغل عن ذكر الله وعن الصلاة.
ومن أهل العلم من رأى أنها تقوم على الحظ في أكثر شأنها، في ابتداء اللعب، وأثنائه، مع ما فيها من جانب الذكاء والمهارة، إلا أن غلبة جانب الحظ عليها جعلتها أقرب شبهاً بالنرد القائم على الحظ.
ولعدَمِ ورودِ أيِّ نصٍّ على تحريمها ولا قياسٍ صحيحٍ يُعَوَّلُ عليه في مَنْعِها، وقد صحَّ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قولُه: «الحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» أخرجه الترمذيُّ في «اللباس» بابُ ما جاء في لُبْسِ الفِرَاء (١٧٢٦)، وابنُ ماجه في «الأطعمة» بابُ أكلِ الجبن والسمن (٣٣٦٧)، مِنْ حديثِ سلمان رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣١٩٥).، والقولُ بالإباحة هو مذهبُ الشافعيةانظر: «مغني المحتاج» للشربيني (٤/ ٤١٢)، «نهاية المحتاج» للرملي (٨/ ١٦٥)، «الحاوي» للماوردي (١٧/ ١٨٧).، وقد نُقِل عن الإمام الشعبيِّ ـ رحمه الله ـ أنه كان يلعب بالشطرنجأخرجه البيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٢٠٩٢٤).، أمَّا ما عليه جمهورُ الحنفية والمالكية والحنابلة فهو القولُ بالتحريم ، وما اعتمدوه مِنْ أحاديثَ نبويةٍ لم يصحَّ منها شيءٌ كحديثِ: «مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ، وَالنَّاظِرُ إِلَيْهَا كَالآكِلِ لَحْمَ الخِنْزِيرِ»أخرجه الديلميُّ (٤/ ٦٣) مِنْ حديث أنسٍ رضي الله عنه. قال السخاويُّ في «المقاصد الحسنة» (٥٠٠): «قال النوويُّ: «لا يصحُّ»، وهو كذلك، بل لم يَثْبُتْ مِنَ المرفوع في هذا البابِ شيءٌ»، وقال الشوكانيُّ في «الفوائد المجموعة» (٢٠٧): «لا يصحُّ»، وقال الألبانيُّ في «ضعيف الجامع» (٥٢٧٧): «موضوعٌ»، وانظر: «السلسلة الضعيفة» (١١٤٥، أمَّا أثرُ الإمام عليٍّ رضي الله عنه أنه مرَّ على قومٍ يلعبون بالشطرنج فقال: «مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ» أخرجه البيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٢٠٩٣٠) وفي «شُعَب الإيمان» (٦٠٩٧) عن الأصبغ بنِ نباتة عن أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه. وأخرجه في «سننه» (٢٠٩٢٩) مِنْ طريقِ مَيْسَرة بنِ حبيبٍ عن عليٍّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابنُ حزمٍ في «المحلَّى» (٩/ ٦٣)، وقال عنه ابنُ تيمية في «مجموع الفتاوى» (٣٢/ ٢٤٢): «ثابتٌ»، وصحَّحه ابنُ القيِّم في «الفروسية» (٣١٠)، وضعَّفه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٨/ ٢٨٨) رقم: (٢٦٧٢).فعلى تقديرِ صحَّتِه فليس فيه حجَّةٌ، خاصَّةً وأنَّ الحديثَ لم يظهر فيه وجهُ الإنكار؛ لاحتمالِ أنه كان يسألهم عن شيءٍ لم يعرفه مِنْ قبلُ، أو أنه أَنْكَرَ عليهم العكوفَ عليها وطُولَ المكث باللعب؛ الأمرُ الذي يُفْضي إلى تعطيلِ المصالحِ والالتزاماتِ والواجبات، وإذا كان بهذا الاعتبار فإنه قد تَقدَّمَ في تحريرِ مَحَلِّ النزاع ممنوعيَّتُه، وأمَّا قياسُه على النرد فهو قياسٌ مع ظهور الفارق؛ لأنَّ النرد كالأزلام قائمٌ على المصادَفة والحظِّ، بخلافِ الشطرنج والدومينو فهي أَشْبَهُ بالمسابَقات القائمةِ على الحذق والتدبير _ هذا، وأخيرًا فإنه ـ بغضِّ النظر عن حكمِ هذه الألعابِ إِنْ خَلَتْ مِنَ المحاذير الشرعية المتقدِّمة ـ إلَّا أنَّ الأحوط للدِّين تركُها والاهتمامُ بما يُفيدُ العبدَ في دُنياهُ وأُخْراهُ: كتلاوة القرآن الكريم وحِفْظِه، والعلمِ بأحكامه وآدابِه، والعملِ بمقتضاه؛ فإنَّ العناية به ممَّا يُحْيِي القلوبَ ويُنيرُ الصدورَ ويُذْهِبُ الهمومَ والأحزان.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
المكتب العلمي للدراسات والبحوث / قسم الفتوى
الإثنين 21 شعبان 1439 هجرية 7 نيسان 2018