الحمد لله رب العالمين , نحمده على ما أنعم , ونشكره على ماتفضل به وأكرم , سبحانه جل شأنه , وتقدست أسماءه , خلقنا لعبادته , وأوجدنا لتوحيده , سترنا بستره , وحملنا بحلمه , وأشهد أن لا إله إلا الله , ولا معبود بحق سواه شهادة ندخرها ليوم تشيب فيه الولدان وتشخص فيه الأعيان , وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله , خير من على الأرض نشأ , وإلى كل فضيلة مشى , صلى الله عليه صلاة تبلغه منا الساعة , وسلام منا إليه إلى قيام الساعة , فاللهم صل عليه وسلم ما ذكره الذاكرون , وما غفل عن ذكره الغافلون , وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
عباد الله .. إن من فلاح المؤمن في دنياه وآخرته أن يلزم طريق التقوى , وأن ينهى نفسه عن الهوى , وأن يفر إلى ربه ويسعى ” يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور * إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ” لقمان 33-34
أيها الموحدون .. إن من جهل الإنسان وغروره أن يركن إلى عفو ربه ومغفرته , ويتمادى في رجاءه له , ويأمن من مكره وكيده وعقوبته , مع إصراره على فعل السيئات وإعراضه عن ما أمره الله من الواجبات , وهذا الفعل من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر وهو طريق إلى الخسران العظيم قال تعالى : ” أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ” قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله – في تعليقه على قوله-: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ﴾، “هذه الآية الكريمة فيها من التخويف البليغ على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمناً على ما معه من الإيمان ، بل لا يزال خائفاً وجلاً أن يبتلى ببلية تسلب ما معه من الإيمان ، وأن لا يزال داعياً بقوله : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، وأن يعمل ويسعى في كل سبب يخلصه من الشر عند وقوع الفتن، فإن العبد ولو بلغت به الحال ما بلغت فليس على يقين من السلامة” أ.هـ وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : « إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ، فإنما هو استدراج ، ثم تلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ الأنعام: 44 , وقال إسماعيل بن رافع: الأمن من مكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة , وقد فسر بعض السلف المكر بأن الله يستدرجهم بالنعم إذا عصوه من صحة الأبدان ورغد العيش وغيرها ، ويملي لهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر قال تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ هود: 102
والآمنون من مكر الله والمغرورون بما عندهم كثير ذكر الله بعضهم في القرآن الكريم وبعضهم في السنة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم .. ومنهم قارون الذي آتاه الله مالاً كثيراً ونعماً عدة وكنوزاً عجزت قوة البشر على حملها فبغى وطغى وكذب وتولى وقال أوتيته على علم عندي فصدقه الجهلة وتمنوا أن لو كان لهم مثل ماكان له ونصحه أهل العلم والدعوة من هذا التمرد والعصيان فاستمر في غيّه حتى كان نتيجة ذلك أن خسف الله به وبداره الأرض جراء غروره وتجبره وأمنه من مكر الله قال تعالى : ” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ” القصص 76-81 .
ومن الآمنين من مكر الله تعالى المغرورين بما لديهم ذلكم الرجل الذي آتاه الله العلم والآيات فاغتر بذلك العلم بل انسلخ منه تماماً ولو كان أنه وظفّه لمن آتاه إياه لرفعه الله وأعزه به وعاش كريماً في الدنيا والآخرة لكنه عشق الهوان وأحب أن يسكن في الدون فهو كالكلب اللاهث إن تحمل عليه أو تتركه , قال تعالى : ” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ” الأعراف 175-177 . ومن الآمنين من مكر الله والمغرورين بما أتاهم أصحاب الجنة الذين ذكر الله قصتهم في القرآن الكريم ذلكم الرهط الذين ورثوا المزارع والبساتين عن أبيهم , فاغتروا بها وزاد طمعهم وشجعهم وحبهم للدنيا , فقرروا منع المساكين منها وحرمان الفقرء من خيراتها وعدم أداء زكاتها وكأنهم لا يعلمون أن الذي أعطاهم هو الذي يستطيع أن يأخذها منهم جل وعلا , أتاهم الناصح فطردوه , حذرهم العالم بتبعات الأمور فهمشوه , ولمّا كان هذا الحال منهم أرسل الله عليها العذاب وأسكن في صدورهم الحسرة والعقاب قال تعالى : ” إنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ *قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ” القلم 17-33 ومن الآمنين من مكر الله والمغرورين بما أتاهم فرعون الذي آتاه الله الملك والزعامة , ومنحه القيادة والسيادة , وجعل الأنهار تجري من تحته , والبشر يأتمرون بأمره فأرسل الله له نبيه موسى فدعاه إلى ربه وحذره من خزي الدنيا وعذاب الآخرة , فاستهان بموسى وبدعوته , وتكبره بملأه وسحرته , بل إن فجوره تضخم حتى قال أنا ربكم الأعلى فكان مآله الخسران والنكال , وأن يقدمه قومه إلى النار والعياذ بالله , قال تعالى في شأنه : ” هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ” النازعات 15-26 .
ومن الآمنين من مكر الله والمغرورين بما آتهاهم أيضاً بعض أولئك النفر الذين منّ الله عليهم بالعافية بعد البلاء والصحة بعد المرض فتناسوا ما كانوا عليه بل قالوا ما أوتينا من أنعام وخيرات قد ورثناها كابر عن كابر فأخزاهم الله بجحودهم وأمنهم من مكر الله تعالى عليهم , أخرج البخاري و مسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى ، فأراد الله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكا ، فأتى الأبرص ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن ، وجلد حسن ، ويذهب عني الذي قد قَذِرَني الناس ، قال : فمسحه فذهب عنه قَذَرُه ، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل ، قال : فأعطي ناقة عُشَراء ، فقال : بارك الله لك فيها ، قال : فأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال شعر حسن ، ويذهب عني هذا الذي قد قَذِرَني الناس ، قال : فمسحه فذهب عنه ، وأعطي شعرا حسنا ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر ، فأعطي بقرة حاملا ، فقال : بارك الله لك فيها ، قال : فأتى الأعمى ، فقال : أي شيء أحب إليك ، قال : أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس ، قال : فمسحه فرد الله إليه بصره ، قال : فأي المال أحب إليك ، قال : الغنم ، فأعطي شاة والدا ، فأنتج هذان وولد هذا ، قال : فكان لهذا واد من الإبل ، ولهذا واد من البقر ، ولهذا واد من الغنم ، قال : ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته ، فقال : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال ، بعيرا أتَبَلَّغُ عليه في سفري ، فقال : الحقوق كثيرة : فقال له : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يَقْذَرُك الناس ؟! فقيرا فأعطاك الله ؟! فقال : إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر ، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، قال : وأتى الأقرع في صورته ، فقال له مثل ما قال لهذا ، ورد عليه مثل ما رد على هذا ، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، قال : وأتى الأعمى في صورته وهيئته ، فقال : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك ، شاة أتبلغ بها في سفري ، فقال : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فوالله لا أَجْهَدُكَ اليوم شيئا أخذته لله ، فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رُضِيَ عنك ، وسُخِطَ على صاحبيك ” .
ومن الآمنين من مكر الله والمغرورين بما أتاهم أبو لهب عم الرسول عليه الصلاة والسلام , فقد اغتر بقرابته للحبيب عليه الصلاة والسلام وبنسبته إلى نسبه, وظن أن لصوت صدى , وأن لحركته أثر , وأن تضييقه وعناده لدعوة محمد عليه الصلاة والسلام ستجعل منه شيئاً , ففجر في الخصومة , وبالغ في العداء , وحرّك كل من حوله لتنفيذ سياسته العدائية تلك حتى امرأته سخرها لذلك , فكان أن فضحه الله باسمه في آيات تقرأ إلى قيام الساعة معلناً له فيها الوبال الجسيم والمآل الأليم قال تعالى ” تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ” المسد 1-5 .
ومن الآمنين من مكر الله والمغرورين بما أتاهم الوليد بن المغيرة , فقد كان له عشرة من الولد يرافقونه في السفر والحضر ويأنس بهم ويسعد , ويفاخر بهم العرب ويكابر , فلما دعي إلى الإسلام , اغتر بماله وولده , وظن أنها له منعة وحماية وأمن من مكر الله فأنزل الله فيه بياناً لحاله ومآله قوله تعالى : ” ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ” المدثر 11-30 .
أيها الموحدون : نماذج واضحة , وأمثلة ظاهرة , لأناس أمنوا مكر الله واغتروا بما لديهم حتى ساقهم ذلك الأمن والغرور للكفر والعناد والتجبر والعدوان , فوالله ما نفع قارون ماله وكنوزه ولم يعمل الذي آتاه الله الآيات بعلمه , ولم يكمل أصحاب الجنة مسيرة البذل والإنفاق التي ابتدأها مورثهم , ولم يستثمر فرعون زعامته ورئاسته في الحق والعدل , ولم تغني الصحة عن الأبرص والأقرع شيء لمّا جحدوا نعم الله عليهم , ولم يتقرب أبي لهب إلى ربه بقرابته لمحمد عليه الصلاة والسلام وبنسته إلى قريش , ولم يفزع أبناء الوليد بن المغيرة لوالدهم الكافر لمّا عاند وخاصم الرب جل وعلا . لذا يا عبد الله .. احذر من مكر الله تعالى , ولا تغتر بما آتاك الله من نعم سواء كانت مال أو علم أو رئاسة أو جنات أو صحة أو نسب أو ولد أو وزارة أو بلاغة أو ذكاء أو قوة أو أي شي كان , فكل ذلك من الله له الفضل أولاً وآخراً , وهو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء , ويعطي ما يشاء لمن يشاء , ويمنع ما يشاء عن من يشاء سبحانه له الأمر من قبل ومن بعد .
والله أعلم وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً .
|