تتمة أقسام المجاز
القسم الرابع والستون
المبالغة وتسمى الافراط والغلوّ والايغال
ومعنى هذه الاسماء متقاربة وبعضها أرفع من بعض
قال علماء علم البيان : المبالغة الزيادة على التمام ، وسميت مبالغة لبلوغها إلى زيادة على المعنى لو أزيلت تلك الزيادة وأسقطت كان المعنى تاما دونها ، لكن الغرض بها تأكيد ذلك المعنى في النفس وتقريره .. وفي القرآن العظيم والكلام الفصيح والأشعار منه كثير .. أما الكتاب العزيز فقوله تعالى : ( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ).
ومنه قوله تعالى : ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ ) وقد قيل إن هذه الآية ليست من باب المبالغة بل حكاية عما وقع.
ومنه قوله تعالى : ( تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا ). وقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ) الآية .. وأما الكلام الفصيح فقد روي عن العرب أنهم قالوا فلان يهدّ الجبال ويصرع الطير ويفزّع الجن ويزوي الماء ..
وقال بعض العرب في فرسه ـ يحضر ما وجد أرضا ، وإن الوابل
ليصيب عجزه ولا يبلغ معرفته حتى أنال حاجتي ـ. وذم اعرابي رجلا فقال ـ يكاد يعدي لؤمه من تسمى باسمه ـ. وقالت سكينة ـ ما لبست بنتي الدرّ إلاّ لتفضحه ـ ومنه في الشعر كثير .. فمن ذلك :
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم دجى اللّيل حتى نظّم الجزع ثاقبه
وقال المتنبي :
لقيت الرّوابي والشناخيب دونه وجبت هجيرا يترك الماء صاديا
وقال آخر :
لو كان يقعد فوق النّجم من كرم قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس
وقال آخر :
فكنت إذا جئت ليلى بأرضها أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها اذا ما مضت أحدوثة لو تعيدها
وكيف يودّ القلب من لا يودّه بلى قد تريد النفس من لا يريدها
ـ وقال آخر :
وحديثها السحر الحلال لو انه لم يجن قتل المسلم المتحرّز
إن طال لم يملل وان هي أوجزت ودّ المحدّث أنها لم توجز
شرك النفوس ونزهة ما مثلها للمطمئنّ وعقلة المستوفز
والاشعار في هذا الباب كثيرة لا تحصى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مقتبس من كتاب (الفوائد المشوق الى علوم القرآن وعلم البيان )