تتمة أقسام المجاز
القسم العشرون
فصل
الوجه السابع : الاستعارة المجردة وهي أن تنظر إلى المستعار من غير نظر إلى غيره كقوله تعالى : ( فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ) وكقول
زهير :
لدى أسد شاكي السلاح مقذّف
لو نظر إلى المستعار منه لقال ـ فكساهم الله لباس الجوع ـ ولقال زهير ـ لدي أسد أوافي المخالب. أو وافي البراثن ـ.
الوجه الثامن : الاستعارة المرشحة وهي أن تنظر إلى جانب المستعار فتراعي جانبه وتواليه ما يستدعيه ، وتضم إليه ما يقتضيه مثل قول كثير :
رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر
وقول النابغة :
وصدر أراح الليل عازب همّه
المستعار في كل واحد منهما وهو الرمي والإزاحة منظور إليه في لفظي ـ السهم والعازب ـ الوجه التاسع : الاستعارة البديعة البالغة ، وهي أن تتضمن المبالغة في التشبيه مع الإيجاز وغالب استعارات الكتاب العزيز كذلك ، وفي أشعار فصحاء العرب منها كثير.
الوجه العاشر : الاستعارة القبيحة ، وليس في الكتاب العزيز منها شيء ، وأما في أشعار العرب وغيرهم فكثير .. ومن قبيح الاستعارة قول أبي تمام :
سبعون ألفا كآساد الشّرى نضجت
أعمارهم قبل نضج التين والعنب
وهذا البيت ليس فيه وجه من وجوه الحسن ، وقد روي في غير هذه الرواية ـ نضجت جلودهم قبل ـ وعلى هذه الرواية ليس في البيت استعارة قبيحة فإن القتلى أنضجت الشمس جلودهم كما تنضج التين والعنب .. وكذلك قوله :
أيا من رمى قلبي بسهم فأدخلا
أقام ـ أدخل ـ مقام أنفذ. وفي رواية ـ فأقصدا ـ وفي رواية ـ فأنفذا ـ فعلى من روى فأقصدا وأنفذا فهي استعارة حسنة .. ومما يزيد الاستعارة حسنا وهو أصل في هذا الباب أن يجمع بين عدّة من الاستعارات قصدا لإلحاق الشكل بالشكل ، لاتمام التشبيه كقول امرئ القيس في وصف ليل طويل :
فقلت له لمّا تمطّى بصلبه
وأردف أعجازا وناء بكلكل
لمّا جعل لليل صلبا قد تمطى به بيّن ذلك فجعل له كلكلا قد ناء به فاستوفى جملة أركان الشخص ، وراعى ما يراه الناظر من جميع جوانبه.
الوجه الحادي عشر : الاستعارة بالكناية وبيان ما تتنزل به الاستعارة بالكناية منزلة الحقيقة .. أما الاستعارة بالكناية فهي إذا لم يصرح بذكر المستعار ، بل بذكر بعض لوازمه تنبيها به عليه كقول أبي ذؤيب :
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
فكأنه حاول استعارة السبع للمنية ، لكنه لم يصرح بها بل بذكر لوازمها تنبيها بها على المقصود.
الثاني عشر : ما تتنزل به الاستعارة منزلة الحقيقة : وهو أن يذكر لفظا يوهم به أن الاستعارة أصلا كقول أبي تمام :
ويصعد حتى يظنّ الجهول
بأنّ له حاجة في السّماء
لمّا استعار العلوّ لزيادة العلوّ في الفضل والقدر ، ذكره ذكر من يذكر علو مكان .. وكقول ابن العميد :
قامت تظلّلني من الشمس نفس أعزّ عليّ من نفس
قامت تظللني ومن عجب شمس تظللني من الشمس
ومدار هذا النوع على التعجب وقد يجيء على عكسه كقوله :
لا تعجبوا من بلا غلالته\
قد زرّ أزراره على القمر
وهذا إنما يتم بالحكم الجدّي بكونه قمرا ليكون من شأنه أن يبلى الكتان.
الوجه الثالث عشر : شروط الاستعارة الكاملة .. قال ابن الأثير : لا بد للاستعارة من ثلاثة أشياء : مستعار. ومستعار منه. ومستعار له. فاللفظ المستعار قد نقل من أصل إلى فرع للإبانة ، والمستعار منه ، والمستعار له لفظان حمل أحدهما على الآخر في معنى من المعاني هو حقيقي للمحمول عليه مجازي للمحمول. مثال ذلك قوله تعالى ( وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ) فهذا مستعار ، ومستعار منه ، ومستعار له ، فالمستعار هو الاشتعال ، وقد نقل من الأصل الذي هو النار إلى الفرع الذي هو الشيب قصدا للإبانة ، وأما المستعار منه فهو النار ، والاشتعال لها حقيقة ، وأما المستعار له فهو الشيب والاشتعال له مجاز.