تتمة أقسام المجاز
وأما الثالث : فاشتقاقه من جاز الشيء يجوزه إذا تعداه وعدل عنه.فاللفظ إذا عدل به عما يوجبه أصل الوضع فهو مجاز على معنى أنهم جاوزوا به موضعه الأصلي أو جاوز هو مكانه الذي وضع فيه أوّلا.
وأما الرابع : فالمعنى الذي وقع به النقل شيئان. أحدهما أن يكون المنقول عن معنى وضع اللفظ بازائه أولا من غير مناسبة ولا علاقة ، كالأعلام المنقولة ، وبهذا يتميز عن المشترك. الثاني : أن يكون ذلك النقل لمناسبة بينهما أو علاقة ، ولأجل ذلك لا توصف به الأعلام المنقولة ، لأنها مجازات مثل تسمية الرجل بالحجر ، فإنه ليس هذا النقل لتعلق بين حقيقة الحجر وبين ذلك الشخص ، وأما إذا تحقق الشرطان فإنه يسمى مجازا ، وذلك مثل تسمية النعمة أو القوة باليد لما بينهما من التعلق فإن النعمة إنما تعطى باليد والقوة إنما تظهر بكمالها في اليد .. ومن ذلك أيضا تسمية المزادة بالراوية ، وهي اسم للبعير الذي يحمل عليه في الأصل ، ومثل ما بين النبت والغيث والسماء والمطر حيث قالوا : رعينا الغيث يريدون النبت الذي الغيث سبب نشوء عادة ، وقالوا أصابتنا السماء ، يريدون أصابنا المطر ..
وقال قوم : المجاز لا يصح إلا بنسبة مع علاقة بين مدلول الحقيقة والمجاز ، وتلك النسبة متنوعة فإذا قوي التعلق بين محلي الحقيقة والمجاز فهو الظاهر الواضح ، وإذا ضعف التعلق إلى حدّ لم تستعمل العرب مثله ولا نظير له في المجاز ، فهو مجاز التعقيد ولا يحمل عليه شيء في الكتاب والسنة ، ولا يوجد مثله في كلام فصيح. وقد تقع علاقة بين الضعيفة والقوية ، فمن العلماء من يتجوز بها لقربها بالنسبة
إلى العلاقة الضعيفة ، ومنهم من لا يتجوز بها لانحطاطها عن العلاقة القوية ، وهذا مذكور في الكتب المختصة بأصول الفقه.