الفوائد المشوّق إلى علوم القرآن وعلم البيان
وأما المجاز فالكلام عليه أيضا من خمسة أوجه : الأول : في المعنى الذي استعملت العرب المجاز من أجله. الثاني : في حدّه. الثالث : في اشتقاقه. الرابع : في علة النقل. الخامس : في أقسامه.
أما الأول فإن المعنى الذي استعملت العرب المجاز من أجله ميلهم إلى الاتساع في الكلام ، وكثرة معاني الالفاظ ليكثر الالتذاذ بها فإن كل معنى للنفس به لذة ، ولها إلى فهمه ارتياح وصبوة ، وكلما دقّ المعنى رقّ مشروبه عندها وراق في الكلام انخراطه ، ولذ للقلب ارتشافه ، وعظم به اغتباطه ، ولهذا كان المجاز عندهم منهلا مورودا عذب الارتشاف ، وسبيلا مسلوكا لهم على سلوكه انعكاف ، ولذلك كثر في كلامهم حتى صار أكثر استعمالا من الحقائق ، وخالط بشاشة قلوبهم حتى أتوا منه بكل معنى رائق ولفظ فائق ، واشتدّ باعهم في إصابة أغراضه فأتوا فيه بالخوارق وزينوا به خطبهم وأشعارهم حتى صارت الحقائق دثارهم ، وصار شعارهم.
وأما الثاني : فحدّه على قسمين : حدّ في المفردات. وحدّ في الجمل ..
أما حده في المفردات فهو كل كلمة أريد بها غير ما وضعت له في وضع واضعها .. وقيل : حده استعمال اللفظ الحقيقي فيما وضع له دالا
عليه ، ثانيا لتسويته علاقة بين مدلول الحقيقة والمجاز ..
وأما حده في الجمل : فهو كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه بضرب من التأويل.