كيف نخدم السنة النبوية؟ |
تعد السنة النبوية مصدرًا أساس من مصادر التشريع الإسلامي مع القرآن الكريم، وقد جاءت النصوص القرآنية الكثيرة المؤكدة لهذه المصدرية، كقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7]، وقوله سبحانه (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) [المائدة: 92]. إضافة إلى أن للسنة النبوية أهمية أخرى، فمع كونها الترجمة العملية للقرآن الكريم والصورة واقعية لما فيه من أحكام ومعاملات قولاً وتطبيقًا، لقول عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم: \”كان خلقه القرآن \”[أخرجه مسلم] فهي تفسر القرآن الكريم وتفصل ما فيه من أحكام، فقد فرضت أحكام القرآن على الناس مجملة وعامة، كما في قول الله تعالى في الصلاة: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) فالسنة النبوية بينت عدد الصلوات وكيفيتها وعدد ركعاتها، وما يقال فيها وما يفعل من حركات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: \”صلوا كما رأيتموني أصلي\” [أخرجه البخاري]. وكذلك الحال بالنسبة للزكاة والصيام والربا والجهاد وغيرها – من الأمثلة الكثيرة في القرآن الكريم – مجملة دون تفصيل حتى فصلتها وأوضحتها السنة النبوية المباركة. بما أن للسنة النبوية هذه المكانة في التشريع الإسلامي، فمن واجب الأمة المسلمة حفظها والعمل بها ونشرها وخدمتها بكل الوسائل والإمكانات المشروعة المتاحة. وقد بذل الأئمة على مدار التاريخ منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم جهودًا عظيمة في ذلك كرواية السنة وجمعها، وتصنيفها، والتقعيد لها، وشرحها وتوضيحها، والتأليف في ذلك كله، فجزاهم الله خيرًا يجزى عالمًا عن علمه. وفي هذا العصر نشطت حركة خدمة السنة تعلمًا وتعليمًا، وحفظًا ونشرًا بمختلف الوسائل، كما هي في الجامعات والمعاهد وغيرها. وتعد الجهود السابقة كبيرة في خدمة السنة النبوية، إلا أننا بحاجة دائمة إلى المزيد من البحوث والدراسات، خاصة مع التطور التقني والإعلامي الهائل، والاستفادة منه في نشر السنة النبوية وعلومها والدفاع عنها وترجمتها إلى اللغات الأخرى، عبر الوسائل المتطورة والإمكانات المتوفرة، وهو تحقيق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: \”نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع\”. لكي تؤتي خدمة السنة النبوية ثمارها الحقيقية وفق ما أراده الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، لا بد من توفر بعض الشروط التي تحقق تلك الخدمة، ومنها: يعد الإسهام بالمال لخدمة السنة النبوية من الأعمال الصالحة العظيمة التي يؤجر عليها المسلم، لأن ذلك يدخل في باب الصدقة الجارية، التي تنتقل منفعتها بين الناس، مثل فتح مراكز خدمة السنة النبوية، أو التكفل بالإنفاق على دور حفظ الحديث النبوي، أو الإنفاق على طباعة كتب الحديث ونشرها، أو إقامة الندوات حول السنة النبوية، أو إنشاء كراسي علمية في الجامعات لخدمة السنة النبوية وغيرها من الأعمال التي تعين على نشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته. والمملكة العربية السعودية من أكثر الدول التي يتنشط فيها الإسهام المالي لخدمة السنة النبوية، سواء من الأفراد من أهل الخير، أو من المؤسسات والشركات التقنية ودور النشر، أو من الدولة نفسها، على جميع المستويات وفي معظم مناطق المملكة. العمل الإبداعي لخدمة السنة النبوية، والذي لا يتوقف على ميدان محدد أو آليات معينة، وإنما يتعدد هذا العمل حسب ما يتمتع به المسلم من العلم والدين والقدرة على العمل مع ملكة المهارة لديه، على جميع المستويات: – فالمعلم مع طلابه يستطيع حسب بالسنة النبوية ومهارته التعليمية والتربوية أن يعرفهم بالسنة النبوية ويحببهم إليها، ويحفزهم لقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في العبادات والأخلاق والسلوك. – والأب يستطيع أن يعلم أبناءه الحديث النبوي ويطلعهم على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال اقتدائه بالنبي عليه الصلاة والسلام داخل البيت مع زوجته وأبنائه، وتخصيص أوقات معينة لتدارس الأحاديث النبوية وقراءة السيرة النبوية معهم. – وكذلك الأخ مع إخوته في الوقوف على حديث نبوي وحفظه وشرحه ونشره في لوحة أو قرطاس. وفي كل هذه الأحوال يجب على المبدع، سواء المعلم، أو الأب، أو الأخ، أن يهيأ الأجواء المناسبة لإنجاز العمل الإبداعي في خدمة السنة النبوية، بالكلمة الطيبة، والأسلوب الحكيم، ومنح الهدايا والمكافآت للمهتمين والمتفوقين، والاهتمام بالأبناء والطلبة ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، وغيرها من الأساليب التعليمية الأخرى. طباعة كتب السنة والسيرة النبوية ونشرها في الداخل والخارج، وباللغات المختلفة، وخصوصًا بعد ظهور حملات تشويه وإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، وبالرغم من ظهور هذا الجهد في بعض الدول إلا أنه لم يكن بمستوى التحديات التي تواجه السنة النبوية، ويقع مسؤولية هذا الأمر على أولياء أمور المسلمين، على غرار ما قام به الملك عبدالعزيز رحمه الله، فقد طبع – رحمه الله – الكثير من كتب العلم والسيرة النبوية على نفقته الخاصة داخل المملكة وخارجها، منها: البداية والنهاية لابن كثير، وزاد المعاد لابن القيم، وشرح السنة للبغوي، ومنهاج السنة لابن تيمية، ومختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمد بن عبدالوهاب، وغيرها من الكتب والمؤلفات في مختلف علوم الشريعة. كما تقع هذه المسؤولية على الوزارات والمراكز العلمية والجامعات والمعاهد، وكذلك التجار وأصحاب الأموال، وعلى أهل العلم والمختصين في السنة النبوية، لأنها من العلم النافع، والعمل الصالح الذي يؤجر عليه الإنسان بشكل مستمر. الإسهام الإعلامي، من خلال تخصيص برامج إذاعية وتلفزيونية عن السنة النبوية وعلومها، وقراءات يومية للأحاديث النبوية بموضوعاتها المختلفة، باللغة العربية وغيرها من اللغات الأجنبية، كالإنجليزية والفرنسية والروسية والأردية ونحوها، وبث مقتطفات عن السيرة النبوية وشمائل النبي صلى الله عليه وسلم بشكل بين الفترة والأخرى على مدار الساعة. وكذلك المشاركة الإعلامية في الانترنت عبر المواقع العلمية والدعوية، وعبر صفحات الفيس بوك، والتويتر، وغرف المحادثات الصوتية، وكذلك عبر المحاضرات والندوات التي تقام في الجامعات والمراكز الثقافية والمساجد، إضافة إلى المشاركات الكتابية بالمقالات والبحوث في الصحف اليومية والمجلات والدوريات العلمية المحكمة. تلك نماذج وإشارات لخدمة السنة النبوية، والباب واسع جدًا لمن تأمل وتدبر، أسأل الله العظيم أن يجعلنا من خدمة وحماة لكتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قولاً وعملاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|