الإنصات للغـير باب للود وللقبول
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ، تبصرة لأولي الألباب ، وأودعه من فنون العلوم والحكم العجب العجاب ، وجعله أجل الكتب قدرا ، وأغزرها علما ، وأعذبها نظما ، وأبلغها في الخطاب ، قرآنا غير ذي عوج لا شبهة، فيه ولا ارتياب.
لو نتأمل قليلاً في أمر تكرهه النفوس والملحوظ في علاقاتنا الإنسانية، والمتمثل فيما يمكن أن تسميه بعادة (عدم الإنصات) أو على أقل تقدير عدم الاستماع إلى بعضنا سواء في العمل أو البيت أو النادي أو المقهى أو أي موقع نجتمع فيه مع بعضنا، مع الفارق الكبير بين الاستماع والإنصات..
أقول: لو تأملنا هذا الأمر، لوجدنا أنه سبب لكثير من الأزمات والعثرات في علاقاتنا الإنسانية.. إذ تجد رغبة كل أحد منا في الاجتماعات أن يستأسد ويكون له النصيب الأكبر في الحديث، فيما الناس تستمع إليه، وربما حين يأتي دور غيره ويبدأ الحديث، تجده لا يصبر فيدخل مقاطعاً!
لا أظنك أحببت موقفاً وجدت نفسك وأنت تتحدث، وقد قاطعك مستمعك.. مواقف من تلك النوعية هي أكثر ما يزعج المتحدث، أي متحدث.. ولذلك وأنت تعيش دور المستمع لابد أن تعي جيداً هذا الشعور، وتفهم أن أكثر ما يضايق المتحدث هو مقاطعته من مستمعيه أو عدم الإنصات إليه أو الاستماع إليه باهتمام.
من المهم جداً وأنت تستمع إلى شخص يتحدث إليك، ألا تقاطعه أثناء الحديث، مهما كانت أهمية ما تود قوله، وتتحمل ثقل أو قساوة حديثه إلى أقصى درجة ممكنة، ذلك أن تركيز المتحدث حينها أو أثناء حديثه إليك، يكون منصباً على ما يقول ويريد إيصاله إليك، ولن ينتبه لمقاطعتك، بل إنك بمقاطعتك لحديثه مرة أو مرات، ستجعله يكره الحديث أو الالتقاء بك مستقبلاً، ما يعني أنك فقدت إنساناً من صندوق علاقاتك مع الآخرين..
الإنصات لمن يتحدث إليك وعلى وجه أخص حين يكون الحديث ثنائياً، هو نوع من الخُلق أو الذوق الرفيع.. حاول أن تضع نفسك موضع المتحدث إلى مستمع أو مستمعين، وحاول أن تستشعر معنى أن يقاطعك أحدهم وأنت مسترسل في حديثك، وتركيزك منصب على ما تقول.. إن استطعت استشعار هذا المعنى أو حاولت أن تستجلب من ذاكرتك مواقف مع أشخاص كنت تتحدث إليهم في وقت من الأوقات، وحدثت مقاطعات لك من قبلهم.. إن قدرت على استشعار تلك المعاني، فإنك بكل تأكيد ستتفاعل مع ما أتحدث فيه اليوم.
إن المرء منا يجد نفسه مدفوعاً أحياناً في أحاديثه مع آخرين لأن يتدخل ويقطع الحديث، والتبرير الذي نوجده لأنفسنا في مثل تلك المواقف، أن الأمر كان يستدعي المقاطعة قبل أن تتفاقم الأمور أو أن تضيع حقوق!! وبالطبع تلك تبريرات لا معنى لها، فالمقاطعة هي نفسها، سواء كنت مع الحق أو خلافه.
من هذا المنطلق، حاول وتدرب مراراً وتكراراً على أن تضبط نفسك وأعصابك ولسانك. لا تتكلم من قبل أن تسمع كاملاَ. دع المتحدث ينهي حديثه بالتمام وبالكمال، واستمع له بإنصات وتركيز وفهم، من قبل أن ترد وتناقش..
والقرآن يذكرنا بعاقبة ونتيجة الإنصات في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. درس قرآني عظيم في أهمية الاستماع بل الأفضل والأرقى هو الإنصات، الذي بسببه يحدث الود والألفة بين المتحدث والمستمع أو المنصت، إن صح التعبير، فالإنصات والتركيز هما من صفات الحكماء، ولا أظنك تريد أن تكسب صفات غيرهم، أو هكذا الظن فيك أخي القارئ وأختي القارئة.. أليس كذلك؟
والحمد لله رب العالمين …
الشيــخ
ماجدمحمدالعجيلي