عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم الدعوة والدعاة / الفتن سم قاتل ولهيب حارق

الفتن سم قاتل ولهيب حارق

السلفية بين وهم الغلاة والمعاندين وبين سفينة الإتباع والمتمسكين

الفتن سم قاتل ولهيب حارق :

الشباب اليوم بين متورط متوهم بالهدي الظاهر ممن ينسبون أنفسهم لعقيدة ومنهج السلف وهم يعملون ويبذلون جل جهدهم لنصرة الأحزاب والمناهج التي يتبعونها وبين اشراقات من المتبعين وهمم المتمسكين بهدي السلف الصالحين وخلال متابعتي بحرص ورغبتي مشاركة  المخلصين في الذب عن هدي السلف قرأت كتابا رائعا عنوان (تمييزُ ذوي الفطنِ بين شرفِ الجهاد و سَرَف الفتنِللمؤلّف الشّيخ عبد الملك رمضاني الجزائري.

فأحببتُ نقل بعض ما يخص واقعنا الحاضر  ، الكتاب الفذّ الذي ركز المؤلف على نقولٌ السّلف وما فيها من بدائع ، و الكتاب و إن كان يبحث موضوع الفتن النّاشئة من الخوض المذموم في السّياسة و ما يترتب عنه من اختلاف أو اقتتال بين المسلمين ، إلاّ أنّ المتأمّل فيه لا يشكّ أنّها تصلُحُ  علاجا يستعمله المسلم في كلّ ما يعرض له من الفتن أيام وقوع الاختلاف و التفرّق ، و بعضها عصفت بالشّباب المسلم و ذاقوا الويلات بسبب الوهم الذي البسه دعاتها والمروجون لها  ، حتّى أصبح الغالب ينوي الاعتزال عن المنهج والعقيدة  من شدّة غرابة ما رأى من تفرّق و اختلاف ، و وبروز ممّن ليس أهلا لها ، فأغمس انفه فيها فشم ريح الفتنة فصدعت له رأساً، واشغلت له بالاً ، وحيرت له أمراً والتحرّك أيّام الفتن، منهيّ عنه .

قال المؤلف ( ص 88 :تجنّبُ الفتنة و تركُ التحرّكِ فيها :

أيّام الفتنة سريعةُ الحركة ، قليلة البركة ، أوّلها يَسُرُّ ، و وسطُها يَغُرُّ ، وآخرها حنظلٌ مرٌّ ، فإذا نزلت فلا يقولنّ المسلم : أدخلُها لأصلِح ، أو لأنصُرَ المظلوم ، أو لأخفّف من شرّها ؛ لأنّ من تعرّض للفتنة بمثل هذا لم يخرج منها سالما ، و إن أقنعه الوسواس الخنّاس أنّ نيّته صالحة ، أو أنّ النّاس ينتظرون تحرّكه ، فعن المقداد بن الأسود قال : أيمُ الله ! لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم يقول : “إنّ السّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتن ! إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن ! إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن ! و لَمَن ابتُليَ فصبر فَوَاهَا ! “رواه أبو داود ( 4263 ) و صحّحه الألبانيّ في تعليقه عليه ، قال الفيروز آبادي في القاموس المحيطفي معنى (فواها)واهًا له ، و بترك تنوينه : كلمةُ تعجّبٍ من طيبِ كلّ شيء ، وكلمة تلهّفٍ .

و قد بيّن النّبي صلّى الله عليه و آله و سلم النّاصح لأمّته السّيرة العمليّة في ذلك حتّى تُضمن لصاحبها السّلامة من شرّ الفتن ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلّم :ستكون فتن ، القاعد فيها خيرٌ من القائم ، و القائم فيها خيرٌ من الماشي ، و الماشي فيها خيرٌ من السّاعي ، و من يُشْرِف لها تستشرِفْهُ ، و من وجد ملجأً أو معاذًا فليعُذ بهرواه البخاري ( 3601 ) ومسلم ( 2776 ) ،قال ابن حجر في ” الفتح ” ( 13/ 31 ) شارحا قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم : من يشرف لها ” : ” أي تطلّع لها بأن يتصدّى و يتعرّض لها و لا يعرض عنها … ” ، ثمّ قال : ” قوله : ( تستشرفه ) أي تهلكه بأن يشرفَ منها على الهلاك ، يقال : استشرفت الشّيء علوته و أشرفت عليه ، يريد من انتصب لها انتصبَت له ، و من أعرض عنها أعرضت عنه ، و حاصله أنّ من طلع فيها بشخصه قابلته بشرّها ، ويحتمل أن يكون المراد : من خاطر فيها بنفسه أهلكته ، ونحوه قول القائل : من غالبها غلبته ” .و روى معمر في ” جامعه / مصنّف عبد الرّزّاق ” ( 11/450 ) و من طريقه أبو نعيم في الموضع السّابق (*) و ابن البنّاء [ في ] الرّسالة المغنية في السّكوت و لزوم البيوت ( 29 ) بإسناد صحيح عن طاووس قال : لمّا وقعت فتنة عثمان ، قال رجل لأهله : أوثقوني بالحديد ؛ فإنّي مجنون ، فلمّا قُتل عثمان ، قال : خلّوا عنّي ، الحمد لله الذي شفاني من الجنون و عافاني من قتل عثمان. و قال أبو نعيم بعده : ” رواه غيره عن ابن طاووس و سمّى الرّجلَ عامرَ بنَ ربيعة ” و طاووس قد أدرك زمان عثمان كما نقل ابن أبي حاتم في المراسيل ( ص 99 ) .

و روى نعيم بن حمّاد في ” الفتن ” ( 509 ) عن عبد الله بن هُبيرة قال : من أدرك الفتنة فليكسر رجلَه ، فإن انجبرت فليكسر الأخرى ! ” و قد كان من حزم السّلف في هذا ما جاء في ” سؤالات الآجري أبا داود ” ( ص 274 ) : ” أنّ الأسودَ بن سريعٍ لمّا وقعت الفتنة بالبصرة رَكِب البحر فلا يُدرى ما خبرُه ! ”

ثمّ قال جزاه الله خيراً ( ص 99 :

حفظ اللّسان في الفتنة :

للّسان عند الفتن أثر خطير في إذكاء نارها ، و تمزيق شمل أهلها ؛ فإنّه يفري في النّاس أشدَّ من فري السّيفِ هاماتِ الرّجال ، حتّى قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : إنّما الفتنة باللّسان و ليست باليدرواه الدّاني في ” السنن الواردة في الفتن ” ( 171 ) ، لذلك قيل : كم إنسانٍ ، أهلكه لسان ! و ربّ حرفٍ أدّى إلى حتفٍ !و قد كان الصّحابة عند الفتنة لا يحذرون شيئا أشدّ من حذرهم من لسان الخطيب المؤثّر و سعي النّشيط المتحرّك فيها ؛ روى نعيم ابن حمّاد في ” الفتن ” ( 505 ) عن ابن مسعود قال : خير النّاس في الفتنة أهل شاءٍ سودٍ يُرعين في شعف الجبال و مواقع القطر ، وشرّ النّاس فيها كلّ راكب موضِعٍ (1) ، و كلّ خطيب مِصْقَعٍ، و هذا من رسوخه ؛ فأيّ خطيب في هذا الزّمان أمسك لسانه عند الفتن وتجنّبها ؟! إنّهم لا يكادون يوجدون إلا كعنقاء مغرب ! بل قضت العادة أنّهم أوّل من يحيي الفتن ؛ لأنّهم لا يفرّقون بين الجهاد والفتنة ، كما لا يفرّقون بين الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر و الفتنة ، لا سيّما إذا غرّهم العامّة بوصفهم بالخطباء المجاهدين الشّجعان ، ولذلك كان الموفّقون المخلصون يلزمون الخمول عند حلول الفتن أو قربها ، فقد روى نعيم بن حمّاد في ” الفتن ” ( 729 ) عن مسلم بن حامد الخولاني قال: كان يقال : من أدركته الفتنة فعليه فيها بذكرٍ خامل، ما هو يا أبا سَريحَة ؟ قال : فتن كأنّها قطع اللّيل المظلم ، قال : فقلو على هذا يفسّر قول حذيفة بن أسيد رضي الله عنه و قد ذكر الدّجال : “أنا لغير الدّجال أخوف عليّ و عليكم ، قال : فقلنا : نا : أيّ النّاس فيها شرّ ؟قال : كلّ خطيب مِصْقَع ، و كلّ راكب موضِع ، قال : فقلنا : أيّ النّاس فيها خير ؟ قال :كلّ غنيّ خفيّ ، قال : فقلت :ما أنا بالغنيّ و لا بالخفيّ ، قال : فكن كابن اللّبون لا ظهر فيُركبَ و لا ضرعٌ فيُحلَبأخرجه الحاكم ( 4/530 ) و قال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرّجاه ” و وافقه الذهبي ، ومعناه : كن عند الفتن بعيدا فلا يستفيد منك أحد يريدها ، مَثَلك كمثَل ابن اللّبون من الإبل ، فلا ظهره للرّاكب ينفع ، و لا الجائع بضرعه يشبع .

و قد صرّح عبد الله بن عكيم – و هو رحمه الله مخضرم – بأنّ ذكر مساوئ وليّ الأمر لإراقة دمه ، فقال : ” لا أعين على دم خليفة أبدا بعد عثمان ، فقيل له : يا أبا مَعْبَدٍ ! أَوَ أعنتَ عليه ؟ قال كنت أعدّ ذكر مساويه عونًا على دمه ” رواه ابن سعد ( 6/115 ) والفسويّ في ” المعرفة و التاريخ( 1/213 ) بسند صحيح .

فلينتبه لهذا الخطباء الذين ليس لهم من همّ عند الفتنة سوى استعراض عضلاتهم أمام الجماهير التي تصفّق لشجاعتهم المصطنعة ، فإنّه ها هنا يظهر الإخلاص لله عزّ وجلّ والغَيرة الحقيقية على حرماته و الإتباع الصّادق للسّلف ، و من الصّدق في الإتباع الاستجابة لتلك النّصوص السّابقة و عدم التعرّض لها بتفلسف يضعف العمل بها ، و كلّ فلسفة لا قيمة لها إذا أشرقت شمس النّبوّة .

12 – تركُ الاستخبارِ أيّامَ الفتنة :

إنّ تتبّع أخبار الفتن هو أوّل طريقٍ للتورّط فيها ؛ لأنّ الإعلام عموما أخطر سحر للتأثير في عقليّة المصغي إليه ، فكيف إذا كان الإعلام خاصّا بالفتن التي تهزّ كِيانَ الإنسان ؟! فكيف إذا كان الإعلام مأخوذا من مخبرين لا يُعرفون بعدالة ؟! فكيف إذا كانوا كفّارا أصلا ؟! إنّ من الخطورة بمكان أن يستسلم المبتلون بتتبّع الأخبار السّياسيّة للإعلام الكافر ليطعن بعضهم على بعض و يتنكّر بعضهم لبعض ، وما هيّج بعضهم على بعض إلا تلك الأخبار التي ما جعلهم يصدّقونها إلا الانبهار بالغرب الكافر ! و إذا كان الله قال في فاسق المسلمين : { يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } ( الحجرات : 6 ) فكيف بخبر الكافر أو المنافق و قد قال فيهم : { يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَ فِيكُمْ سَمَّاُعونَ لَهُمْ } ( التوبة : 47 .

إنّ في أخبار الفتن جاذبيةًّ لا تُجهل ، لما فيها من غرائب ، والإنسان نسيب كلّ غريب ، ولذلك كان السّلف يجتهدون في صمّ آذانهم عنها ، فيحفظون سمعهم من التّطلّع إليها كما يحفظون ألسنتهم من التكلّم فيها ، مع أنّهم كانوا ذوي قلوب قويّة ، وعلى خبرة واسعة بالفتن الغويّة ، لا سيما بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ثمّ فتنة الجمل و صفّين ، روى ابن سعد ( 7/143 ) بسند جيّد أنّ مطرّف بن عبد الله قال : لبثتُ في فتنة ابن الزّبير تسعًا أو سبعًا ما أَخبرتُ فيها بخبر و لا استخبرت فيها عن خبر ” . و السّرّ في ذلك أنّه ما استخبرَ مستخبرٌ إلاّ كان له رأي في الخبر ، فإذا كان له رأي استفزّه ذلك إلى التحرّك معه ، و من تحرّك مع الفتن أصابه من شررها إن لم ينغمس في نارها ، روى حربٌ الكرماني في ” مسائل الإمام أحمد ابن حنبل و إسحاق بن راهويه ” ( ص395 ) عن شريح قال : كانت الفتنة سبع سنين : ما خبرت فيها و لا استخبرت ، وما سلمت ! قيل كيف ذاك يا أبا أميّة ؟ قال : ما التقت فئتان إلا و هواي مع إحداهما ! ” .

و لذلك قيل إذا كنت من أهل الفطن فلا تَدُر حول الفتن ، و قد كان من السّلف من عمي بصره قبل أن يرى الفتنة و يعلم من أخبارها ، فجعل يحمد الله على ذلك ، روى البخاري في ” التاريخ الصغير ” ( 1/442 ) و ابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” ( 29/482 ) بإسناد صحيح عن سليمان بن يسارأنّ أبا أسيد كانت له صحبة فذهب بصره قبل قتل عثمان ، فلمّا قُتل عثمان قال : الحمد لله الذي منّ عليّ ببصري في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنظر بهما إليه ، فلمّا قبض الله نبيّه و أراد الفتنة بعباده كفّ بصري.

و اعلم أن النّاس يخالفون هذا الباب بقولهم : من لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم ، وبعضهم يجعله حديثا نبويًّا ، ومن هنا يدخل عليهم الشيطان و الجواب : أنّ الحديث غير صحيح أوّلا ، انظرالسلسلة الضعيفة ” للشيخ الألباني رحمه الله ( 310 ) ، ولو صحّ معناه ثانيا فإنّ حالة الفتنة مخصوصة من عموم معناه ، فيكون القول الصحيح أنّ المسلم يهتمّ بأمر المسلمين عموما ، فإذا وقعت الفتنة لزم خاصّة نفسه ؛ لأنّ الذي أمر بالسعي في حاجة الإخوان ، هو الذي أمر بلزوم خاصّة النفس و صمّ الآذان ، وهو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، فهذه في حالتها ، وهذه في حالتها ، بل يكون عند الفتنة ترك تتبّع الإعلام هو عين الاهتمام بأمر المسلمين ؛ لأنني لو سكتُّ عنها أنا و سكتَّ أنت لم يجد الشّيطان آذانا صاغية يسوّق من خلالها تحريضاته .

بتقدير بسيط ..
                                                             الشيخ الدكتور

مهدي بن أحمد الصميدعي

مفتي أهل السنة والجماعة في العراق  _

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عاجل مفتي الجمهورية يطالب رئيس الوزراء ورئيس مجلس القضاء الأعلى اطلاق سراح الشيخ صباح خليف فرحان الزوبعي عضو المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية ..

مفتي الجمهورية ” وفقه الله تعالى ” يلتقي وفد قبيلة زوبع والعشائر المتحالفة معها .. ...

مفتي الجمهورية ” اعزه الله تعالى ” يستقبل امام وخطيب جامع بر الوالدين في قضاء المحاويل محافظة بابل ..

التقى سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ” حفظه الله تعالى ” ...

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى..

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى؛ قال صلى الله ...