القاعدة الاصولية اليوم الاحد 1 رمضان 1435 هجرية :
تقديم الأهم أو الأوْلى :
الأمور ليست كلها على وِزان واحد؛ فبعضها مهم وبعضها أكثر أهمية، وبعضها نتائجه أعظم وفضله أكثر، والقدرة على تحقيقه في الواقع أقوى، فإذا تعارضت الأمور وتضايقت، ولم يمكن تحقيقها جميعاً، إما لضيق الوقت، وإما للعجز عن القيام بذلك كله، وإما للتعارض، فإنه يقدم في ذلك الأهم أو الأوْلى ثم الذي يليه وهكذا، ويتحدد الأوْلى من خلال عدة عناصر: الفضل والأهمية، والنتائج المتوقعة، والقدرة على التحقيق والتنفيذ؛ فقد يكون أمر أفضل من أمر، لكن لا قدرة على تحقيقه، فيكون البدء بتنفيذ الأقل فضلاً في هذه الحالة أوْلى للقدرة على التنفيذ؛ وقد دل على تقديم الأوْلى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ عندما بعثه داعياً إلى اليمن: «إنك تقدُم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله…الحديث»(21).
إذ توحيد الله وعبادته وترك الشريك أوْلى قضية في الإسلام، وليس هناك من فائدة لعبادة أخرى من صلاة أو زكاة أو حج أو غير ذلك، إذا فُقِدَ ذلك الأصل؛ لذا كانت هذه القضية هي الأوْلى والأهم، ولذا كانت لها الأوَّلية في الدعوة.
وقد يتفق كثير من الناس على أصل تلك المقولة، لكنهم يختلفون في تنزيلها على الواقع، فيكون ما حقه التقديم عند جماعة مؤخراً عند غيرهم، والعكس صحيح، ويمكن أن تقسم الأولويات في هذا الصدد إلى نوعين: أولويات مطلقة، وأولويات نسبية.
الأولويات المطلقة والنسبية:
أما المطلقة فهي المتعلقة بالإسلام نفسه كالدعوة إلى التوحيد وأركان الإسلام، وكالنهي عن الشرك وكبائر الذنوب، وهذه يحتاج إليها في جميع الأزمان والأمكنة.
وأما الأولوية النسبية فهي تختلف باختلاف ظرفي الزمان والمكان؛ فقد ينتشر جهل بقضية شرعية في مكان وينتشر الجهل بقضية أخرى في مكان آخر، فيكون الأوْلى في كل مكان الحديث عن القضية التي يحتاجها، وقد ينتشر فساد في مكان وينتشر فساد آخر في مكان آخر، فيكون الأوْلى في النهي عن الفساد في كل مكان الفساد المنتشر فيه. وتقديم الأهم أو الأوْلى لا يعني التقليل من أية شعيرة أو شريعة جاءت بها النصوص ولو كانت في باب السنن والمستحبات، كل ما هنالك أن ننزل هذه الأمور المنزلة التي أنزلها الشارع؛ بحيث لا يكون في ذلك تعدّ أو تجاوز للشرع، كما لا يكون تفريط أو تقصير عنه، وقد قسَّم أهل العلم أمور الشرع ومصالح العباد إلى ثلاث مجموعات:
أولاها: الضروريات، وثانيها: الحاجيات، وثالثها: التحسينات. فالضروري مقدم عند التعارض على الحاجي، وكذلك الحاجي مقدم على التحسيني.
المكتب الاعلامي