قال تعالى ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111).يوسف
فمما لا شك فيه أن العلاقة بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ضربت أروع الأمثلة في الحب والوفاء والتقدير، حيث كان علي رضي الله عنه عضوا بارزا في مجلس شورى الدولة العمرية فكان عمر يستشيره في الصغيرة قبل الكبيرة فعندما أراد عمر التوجه إلى نهاوند لقتال الفرس الذين تجمعوا في جمع عظيم لحرب المسلمين كانت نصيحة علي نصيحة المحب لعمر الحريص عليه ألا يذهب وأن يدير رحى الحرب بمن دونه من العرب وهو في مكانه أليس هذا دليلا واضحا على حبه له وخوفه عليه وأيضا حين أراد فتح بيت المقدس والمدائن وحينما أراد أن يخرج لقتال الروم، وفي موضع التقويم الهجري وغير ذلك من الأمور(1)
فكان علي رضي الله عنه مستشارا ناصحا لعمر محبا له خائفا عليه وكان عمر يعرف له فضله،
وفقهه وحكمته وكان رأيه فيه حسنا فقد ثبت قوله فيه “أقضانا علي”(2)
وكم من الفرح الذي دخل على قلب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما كساه عمر بن الخطاب ثوبا ودليل ذلك أنه كان يكثر من لبس هذا الثوب حيث ذكر أبو السفر في روايته قائلاً: “رؤي على علي بن أبي طالب برد كان يكثر لبسه قال: فقيل يا أمير المؤمنين إنك لتكثر لبس
هذا البرد؟ فقال: إن هذا كسانيه خليلي وصفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناصح الله فنصحه، ثم بكى (3)
ومن الدلائل العظيمة لحب عمر لعلي ترشيحه له مع أهل الشورى للخلافة بعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي (4)
وليست محبة عمر لعلي مقتصرة عند هذا الحد بل كان علي يقتدي بعمر ويظهر له ذلك جليا حينما فرغ علي من وقعة الجمل، ودخل البصرة، فقيل له أنزل بالقصر الأبيض فقال: لا إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله فأنا أكرهه لذلك فنزل في الرحبة، وصلى في الجامع الأعظم ركعتين (5)
وفي ملمح من ملامح العلاقة الطيبة ننتقل نقلة أخرى في وقع تلك العلاقة الحميمة بين علي وعمر لتصل إلى ذروتها حيث زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبنته أم كلثوم للفاروق عمر رضي الله عنه حينما سأله زواجها منه رضي الله عنه بما يطلب لثقته فيه، وإقراراً لفضله، ومناقبه واعترافا بمحاسنه وجمال سيرته، وإظهاراً بأن بينهما من العلاقات الوطيدة الطيبة والصلات المحكمة المباركة(6).
كانت هذه مقتطفات بسيطة من العلاقة القوية التي كانت بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما التي إذا أردنا أن نبحث فيها فالوقت لن يتسع وليس هذا المجال مجال إسهاب، وتفصيل، وفي الإشارة خير عبارة وليس هذا فحسب بل تتجلى روعة الحديث بعد استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال ابن عباس كما في صحيح البخاري: وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون، قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي، إذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر(7)
وفي النهاية نقول إن ما كتب سابقا ليس إلا قطرة من بحر القيم والمبادئ التي نمت مع العلاقة الوثيقة التي كانت بين علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ونسأل الله عز وجل أن ثوب الأخوة والمحبة الذي ألبسه لهذين العظيمين أن يلبسه أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتنازعة على لعاعة الدنيا فتعود أمة كما وصفها الله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس) .
مكتب الدعوة والدعاة
الدليل :
(1) علي بن أبي طالب مستشار أمين للخلفاء الراشدين ص95 – فقه السيرة النبوية للبوطي ص59
(2) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ص 1102، المعرفة والتاريخ (1/481)
(3) المصنف لأبي شيبة (12/ 29) رقم 12047 نقلا عن الشريعة للأجري (5/ 2327) إسناده حسن
(4) البداية والنهاية (7/ 142)
(5) تاريخ الخلافة الراشدة محمد كنعان ص 383 نقلا عن علي بن أبي طالب د/ الصلابي ص 189- 190
(6) وسائل الشيعة للحر العاملي 26/ 314 – مختلف الشيعة للحر العاملي 2/308 – رياض المسائل للطبطبائي 12/664
(7) البخاري رقم 3685