عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم الدعوة والدعاة / القاعدة الاصولية ليوم الخميس 28 رجب

القاعدة الاصولية ليوم الخميس 28 رجب

القاعدة الثانية: كل تعليل يعود على النص بالإبطال فهو باطل:
وإذا كان التعليل يطلب من النص الشرعي ابتداءً، وإذا كانت العلة المنصوصة مقدمة على العلة المستنبطة؛ فمن البدهي أنه لا يصح ولا يجوز التعليل بما يخالف النص الشرعي أو يبطل حكمه.
قال الإمام السرخسي: ((إن التعليل في معارضة النص، أو فيما يبطل حكم النص، باطل بالاتفاق))[24].
وقال البزدوي: ((إن التعليل لا يصلح لتغيير حكم النص فكيف لإبطاله؟))[25].
إن الأصل في الأحكام الشرعية هو النصوص الصحيحة الثابتة، والحكم الشرعي وإن كان يدور مع علته وجوداً وعدماً فذلك الدوران هو بحكم النص، وقد يبطل النص ذلك الدوران فيبقي الحكم مع تخلف علته، ومثال ذلك: الرمل في الأشواط الثلاثة الأُوَل في طواف القدوم، فقد كانت علته واحدة وهي إظهار القوة والنشاط أمام المشركين الذين قالوا: يقدم عليكم محمد وأصحابه وقد أنهكتهم حمى يثرب. ومع أن هذه العلة زالت فيما بعد إلا أن الدليل ورد ببقاء هذا الحكم؛ فقد رمل النبي-صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، فكان النص قاضياً ببقاء الحكم مع انتفاء علته[26]
فعلمنا من ذلك أن النص هو منشئ الأحكام والعلل، وهو من يقضى بدوران الحكم مع علته، وببقاء الحكم بالرغم من زوال علته، فلا بد إذن من التسليم للنص الشرعي الثابت وعدم معارضته بالتعليل، فالنص سابق والتعليل لاحق، والنص أصل والتعليل فرع، والعلة إنما تستمد قوتها من النص، ولذلك لو كان هنالك حكم واحد أخذ بطريق الاستنباط، وعُلل بعلتين إحداهما لحكم منصوص، والأخرى لحكم مستنبط، فإنه يقدم القياس المعلل بعلة الحكم المنصوص على القياس المعلل بعلة الحكم المستنبط، وما ذلك إلا لأن النص هو الأصل ، والعلة تبع له، ومثال ذلك: لو قال أحد المجتهدين: الأرز يمنع فيه الربا قياساً على البر بجامع الكيل.
وقال مجتهد آخر: الأرز يمنع فيه الربا قياساً على الذرة بجامع الاقتيات.
ففي هذه الحال ترجح العلة الأولى لأن أصلها وهو البر منصوص على تحريمه، بخلاف الذرة التي هي الأصل في القياس الثاني، فتحريم الربا فيها مستنبط لا منصوص[27].
والمرجح هنا قوة النص؛ فقوة النص هي التي رجحت العلة، فرجحت العلة لا بقوتها وإنما بقوة النص الذي ارتبطت به. وهذا يؤكد على حاكمية النص ومرجعيته، وعلى أن النص سيدٌ والتعليل تابع، فلا يجوز بحال أن يعكس الأمر فيصبح التعليل سيداً، والنص تابعاً !
وإذن فكل معارضة للنصوص الصحيحة الصريحة بالتعليل هي معارضة باطلة مردودة، وسنذكر هنا نماذج من التعليلات التي وقعت في معارضة النصوص الصحيحة الثابتة، ولن يعدم الناظر في كتب الفقه والشروح الحديثية أمثلةً وشواهد غير ما نذكره هنا، ومقصودنا البيان والتوضيح، والتنبيه على بعض مواطن الزلل، ومواضع الخلل، والتأكيد على أهمية إعمال قاعدة: ((كل تعليل يعود على النص بالإبطال فهو باطل))، حتى نحفظ للنص الشرعي هيبته وحاكميته ومرجعيته.
وفيما يلي نسوق بعض الأمثلة على التعليل في معارضة النص:
المثال الأول: جاءت الأحاديث الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وسلم- بالأمر بالسواك عند كل صلاة، كقوله-صلى الله عليه وسلم-: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة))[28]
لكن بعض الفقهاء لم ير السواك عند كل صلاة، وحمل الأحاديث على معنى: عند وضوء كل صلاة، فجعل الأمر بالسواك عند الوضوء فقط دون الصلاة، وعلل ذلك بأن السواك لا ينبغي عمله في المساجد لأنه من إزالة المستقذرات، فتنزه المساجد عن ذلك !
قال في عون المعبود في سياق شرحه للأحاديث الآمرة بالسواك: ((تدل على مشروعية السواك عند كل وضوء، وعند كل صلاة، فلا حاجة إلى تقدير العبارة بأن يقال: أي عند كل وضوء صلاة، كما قدرها بعض الحنفية، بل في هذا رد السنة الصحيحة الصريحة وهي السواك عند الصلاة. وعُلل بأنه لا ينبغي عمله في المساجد لأنه من إزالة المستقذرات، وهذا التعليل مردود لأن الأحاديث دلت على استحبابه عند كل صلاة))[29].
المثال الثاني: ذهب بعض الفقهاء إلى استحباب تأخير صلاة العصر، وعللوا ذلك بالازدياد من النوافل، مع أنه قد صحت الأحاديث في أفضلية التعجيل.قال في تحفة الأحوذي في سياق شرحه لـ (باب ما جاء في تعجيل العصر): ((وعلله ـ أي استحباب تأخير صلاة العصر ـ صاحب الهداية وغيره من الفقهاء الحنفية بأن في تأخيرها تكثير النوافل، وقد رده صاحب التعليق الممجد وهو من العلماء الحنفية بأنه تعليل في مقابلة النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على أفضلية التعجيل وهي كثيرة مروية في الصحاح الستة وغيرها))[30].
المثال الثالث: استبدال أعيان الزكاة المنصوصة التي نص الشارع الحكيم على إخراجها بغيرها، وتعليل ذلك بالمصلحة، فعلى سبيل المثال: فرض الشارع الحكيم إخراج زكاة النقد نقداً، والواجب إخراجها نقداً، لكننا مع ذلك نرى من يشتري سلعاً أو مواد غذائية ثم يدفعها إلى المستحق، بحجة أن ذلك المستحق لو أخذ حقه في الزكاة نقداً فإنه سوف يسيء التصرف، فمن باب الرعاية لمصلحته ومصلحة عياله، تُشترى له سلعاً بدلاً من دفع المال إليه نقداً.
ومثل هذا التعليل مرفوض؛ إذ لا خلاف أن الواجب في زكاة النقد إخراجها نقداً، ولا يصح للمالك أو لوكيله أو لغيرهما التصرف فيها وإخراجها عن طبيعتها النقدية، وجمهور العلماء على عدم استبدال أموال الزكاة عموماً أو التصرف فيها، بل الواجب إيصالها إلى المستحقين بأعيانها،لأنها هكذا فرضت، ولأن أهل الزكاة أهل رشد لا ولاية عليهم، فلم يجز التصرف في حقهم بغير إذنهم[31].
ولابد هنا من التنبيه إلى أن معارضة النصوص بالتعليل قد وقعت من بعض أئمة العلم الذين لا يتصور من مثلهم معارضة النص الشرعي الثابت بتعليل أو بغيره، ولذلك يلتمس العذر لهم في ذلك، ولا يحل القدح فيهم بسبب ذلك، فعلى سبيل المثال نجد الإمام مالكاً ـ رحمه الله ـ يقول بكراهة صيام ستةٍ من شوال، ويعلل ذلك بأنه ما رأى أحداً من أهل العلم يصومها، ولكي لا يُظن وجوبها. مع أن الأحاديث في صيام ستةٍ من شوال أحاديث صحيحة رواها مسلم وغيره، قال العلامة ابن الأمير الصنعاني: ((وقال مالك: يكره صومها. قال: لأنه ما رأى أحداً من أهل العلم يصومها ولئلا يظن وجوبها. الجواب أنه بعد ثبوت النص بذلك لا حـكم لهذه التعليلات. وما أحـسن ما قاله ابن عبد البر: إنه لم يبلغ مالكاً هذا الحديث؛ يعني حديث مسلم))[32].

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى..

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى؛ قال صلى الله ...

تهنئة مفتي الجمهورية للجيش العراقي بمناسبة مرور مئة وواحد سنة على تأسيسه .

تهنئة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن أحمد الصميدعي ( وفقه الله تعالى ) ...

صلاة الكسوف فوائد وتذكير ..استجاب أن ينادى لصلاة الكسوف الصلاة جامعة، وأجمعوا أنه لا يؤذَّن لها، ولا تقام لها الصلاة.

صلاة الكسوف فوائد وتذكير .. استجاب أن ينادى لصلاة الكسوف الصلاة جامعة، وأجمعوا أنه لا ...