القاعدة الرابعة: تعليل الأحكام مرتبط بمقاصد الشريعة:
فلقد استقرأ علماء الشريعة نصوص القرآن والسنة فوجدوا أنها جاءت لتحقيق مصالح العباد، ثم ظهر لهم من خلال الاستقراء ـ أيضاً ـ أن تلك المصالح على ثلاثة أنواع: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات.
والمصالح الضرورية عرفوها بقولهم أنها تلك ((المصالح التي تتوقف عليها حياة الناس، وقيام المجتمع واستقراره، بحيث إذا فاتت اختل نظام الحياة، وساد الناس هرج ومرج، وعمت أمورهم الفوضى والاضطراب، ولحقهم الشقاء في الدنيا، والعذاب في الآخرة))[37].
وإذن فهذه المصالح الضرورية هي المقومات الأساسية لوجود المجتمع المستقر الآمن، ولابد من حمايتها والمحافظة عليها إذا أردنا أن نحفظ على المجتمع أمنه واستقراره وصلاحه، وقد حصرها علماء الشريعة في خمسة مقاصد ضرورية، فقالوا: إن مقاصد الشريعة الضرورية هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ المال، وحفظ العرض والنسل ، وحفظ العقل[38].
وهذه هي الضرورات الخمس التي راعاها الشارع الحكيم أتم مراعاة، ويأتي بعدها في المرتبة: الحاجيات، وهي الأمور التي يفتقر إليها لرفع الضيق والمشقة عن الناس كالرخص الشرعية ونحوها.
ثم مرتبة: التحسينيات، من محاسن العادات ومكارم الأخلاق ونحو ذلك.
والشارع الحكيم راعى الضروريات الخمس أولاً؛ لأن بها قوام الحياة، ولم يراع الحاجيات والكماليات إلا حيث لا تعود على أصل الضروريات بالانتقاص أو الإبطال.
ورعاية المقاصد في تعليل الأحـكام الشرعية هو ما يعبر عنه علماء الأصـول بـ (الإخـالة) و (المناسبة) و (المصلحة)[39]
ومن رام تعليل الأحكام الشرعية ينبغي أن يكون ملماً بمقاصد الشريعة، ومستحضراً لتلك المقاصد والغايات عند التعليل، ((ليكون تعليله للأحكام موجهاً نحو هذا الغرض بعد أن يسبر ما اعتبره الشارع من العلل الموصلة إلى هذه الغايات))[40].