القاعدة الاصولية الجمعة 1شعبان
نشرت بواسطة: admin
في دين ودنيا
مايو 31, 2014
281 زيارة
القاعدة الثالثة: لا يقبل التعليل في معارضة الإجماع:
وكما لا يقبل التعليل في معارضة النصوص الصحيحة فكذلك إذا تحقق وقوع الإجماع فإنه لا تصح معارضته بالتعليل، وقد ذكر أهل العلم من شروط العلة: أن تكون سالمة بحيث لا يردها نص ولا إجماع[33].
كذلك نص علماء الأصول على بطلان التعليل في مخالفة الإجماع[34].
لكن هنا مسألة ينبغي التفطن لها وهي التفريق بين معارضة الإجماع أو خرقه بالتعليل، وبين إحداث التفصيل بين مسألتين مجمع عليهما استناداً إلى التعليل. فأما التفصيل بالتعليل فجائز؛ لأنه لا يرفع حكماً مجمعاً عليه وإن تضمن إحداث قول جديد.
وحتى تتضح المسألة نزيدها بياناً فنقول:
إذا اختلف أهل عصرٍ في مسألةٍ على قولين، ثم جاء بعدهم مَن أحدث قولاً ثالثاً هو عبارة عن تفصيل في المسألة يستند إلى تعليلٍ لم يتعرض له السابقون، فهل يسمى هذا خرقاً للإجماع؟
هذا ما يبحثه علماء الأصول تحت عنوان: ((إحداث التفصيل بين مسألتين لم يفصل بينهما أهل عصر))[35].
وقد رأى البعض أن إحداث هذا النوع من التفصيل يعد خرقاً للإجماع، وهو قول ضعيف، والذي عليه المحققون من علماء الأصول: هو التفصيل في المسألة، فهم يقولون: إن إحداث التفصيل بين مسألتين لم يفصل بينهما أهل عصر، قد يكون خرقاً للإجماع وقد لا يكون، وخرق الإجماع يكون في صورتين:
الأولى: أن ينص أهل العصر على عدم الفرق بين المسألتين.
الثانية: أن تتحد العلة في المسألتين، فيأتي بعد ذلك من يفرق بينهما في الحكم مع أن العلة واحدة. ومثاله: توريث العمة والخالة، فهنالك من أهل العلم من قال بعدم توريثهما، وهنالك من قال بتوريثهما، فلو جاء أحد وأحدث تفصيلاً بين المسألتين بأن قال بتوريث العمة دون الخالة، أو بتوريث الخالة دون العمة، لم يقبل منه، ويكون بقوله هذا خارقاً للإجماع، لأن العلة فيهما واحدة، وهي كونهما من ذوي الأرحام، واتحاد العلة موجب لاتحاد الحكم، فالتفريق بينهما في الحكم مع اتحاد العلة يعتبر خرقاً للإجماع.
وأما إذا اختلفت العلة فإحداث التفصيل بين المسألتين لا يعد خرقاً للإجماع، ومثاله: مسألة الزكاة في مال الصبي، فمن أهل العلم من قال بعدم وجوبها لأنها عبادة، والعبادة يشترط لها البلوغ، حتى يحصل الاختبار وما يترتب عليه من جزاء، والصبي ليس أهلاً لذلك.
ومن أهل العلم من قال بوجوبها لأنها حق الفقراء في مال الأغنياء، وهذا الحق لا يمنع منه الصغر وعدم البلوغ.
ثم جاء من أهل العلم من أحدث تفصيلاً بين المسألتين فأوجب الزكاة في مال الصبي إذا كان نامياً، ولم يوجبها في المال الجامد كالحلي، وهذا التفصيل لا يعد خرقاً للإجماع لأن العلة مختلفة، والقائلون بهذا التفصيل هم في حقيقة الأمر قد وافقوا كلا القولين السابقين: فهم وافقوا القول الأول من جهة عدم الوجوب، ووافقوا القول الثاني من جهة الوجوب، وفي كلا الوجهين لهم تعليل صحيح[36].
وما كان على هذه الصورة لا يقال فيه إنه معارض للإجماع، ولا يتهم صاحبه بخرق الإجماع، وفهم هذه القاعدة لا شك أنه يحقق هدفين: الأول: احترام الإجماع وصيانته من الخرق. والثاني: كسر الجمود وفتح باب الاجتهاد والتفصيل في المسائل بناءً على التعليل الصحيح المعتبر.
2014-05-31