مكانة العلماء فى الكتاب والسنة وعند أهل الفضل:
أولا من القرآن:
إن الله جلت قدرته وتعالت أسماؤه أمرنا بتعلم العلم، والرجوع لأهله عند الحاجة، والأمر أمر إيجاب فيما لا يسع المسلم جهله، قال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل وقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، ومدح حملته وأثنى عليهم بما يحمل القلوب الواعية، والعقول المفكرة، بسلوك منهاج العلماء، وتأهيل نفوسها تأهيلاً يكسبها شرف العلماء ويحلها مكانتهم يقول – سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] ويقول سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] ويقول – جل وعلا: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]، ويقول تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. إلى غير ذلك من الآيات المشيدة بشرفهم وعلو مكانتهم وبيان أثرهم في الأمة: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]، وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر:19ـ22] وقال – جل وعلا: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22].
فلا شك أيها الأخوة بأن العلماء هم أعرف الناس بالله، وبشرعه، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، وقال – عز وجل: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة:83].
وعلى قدر المنزلة يكون الترهيب يقول الله تعالى، محذراً ومنذراً، أولئك العلماء، من خطورة الاعوجاج، فيقول – جل وعلا: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [(البقرة:41ـ42]، ويقول سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]، ويقول تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]، ويقول تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب:39].
ثانيا: من السنة:
ـ روى البخاري عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “من يرد الله به خيرا يفقه في الدين”.
قال ابن المنير -كما يذكر ابن حجر: ومن لم يفقهه الله في الدين فلم يرد به خيراً .
ـ وروى أبو الدرداء رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر. العلماء هم ورثة الأنبياء. إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به؛ فقد أخذ بحظ وافر”. رواه أحمد والترمذى.
ـ وقال-صلى الله عليه وسلم: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقاً إلي الجنة، وما قعد قوم في مسجد يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه” أخرجه الترمذي.
ـ وقال -صلى الله عليه وسلم: “إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة” أخرجه أحمد.
ـ وقال -صلى الله عليه وسلم-: “من سلك طريقاً يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم” أخرجه أبو داود.
ـ وقال -صلى الله عليه وسلم: “الناس عالم ومتعلم وما بين ذلك هو همل لا خير فيه” أخرجه الدارمي.
ـ وعن أي هريرة – رضي الله عنه _ قال : قالَ رسول الله _صلى الله عليه وسلم: (قال الله- عز وجل- في الحديث القدسي: “من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب”. رواه البخاري.
ـ وقال -صلى الله عليه وسلم-: “ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم” أخرجه الترمذي.
روى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي – رحمهما الله – أنهما قالا: ( إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي ).
ـ وقال -صلى الله عليه وسلم: “إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة” أخرجه أحمد.
ـ وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عبد الله بن عمر: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري ومسلم.
ـ وقال -صلى الله عليه وسلم-: “فقيه أشد على الشيطان من ألف عابد” أخرجه الترمذي.
ـ وقال -صلى الله عليه وسلم- في إجابة سائل عن الشر: “لا تسألوني عن الشر، واسألوني عن الخير يقولها ثلاثا، ثم قال: ألا إن شر الشر شـرار العلماء وإن خير الخير خيار العلماء” [أخرجه الدارمي في مقدمة سننه]، موطن الشاهد قوله -صلى الله عليه وسلم-: “وإن خير الخير خيار العلماء”.
ـ وقول -صلى الله عليه وسلم-: “فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا هذه الآية (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، إن الله وملائكته وأهل سماواته وأراضيه والنون في البحر يصلون على الذين يعلمون الناس الخير” [أخرجه الدارمي في مقدمة سننه]،
ـ وقال -صلى الله عليه وسلم: “إن مثل ما بعثني الله به -عز وجل- من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجاديب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها، وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلاً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به” أخرجه البخاري في الفضائل في صحيحه.
ثالثا أقوال أهل الفضل:
من عقيدة أهل السنة والجماعة – كما يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله:
أنهم يدينون الله باحترام العلماء الهداة.
أي أن أهل السنة والجماعة، يتقربون إلى الله – تعالى – بتوقير العلماء، وتعظيم حُرمتهم.
ـ وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ( من آذى فقيها فقد آذى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومن آذى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد آذى الله -عز وجل.
ـ وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه (من حق العالم عليك إن أتيته أن تسلم عليه خاصة وعلي القوم عامة ،وأن تجلس قدامه ،ولا تشير بيديك ولا تغمز بعينيك ،ولا تقل قال فلان خلاف قولك ،ولا تأخذ بثوبه ولا تلح عليه في السؤال ،فإنما هو بمنزلة النخلة المرطبة التي لا يزال يسقط عليك منها شئ ..) جامع بيان العلم وفضله 1/176
ـ وعن بن عباس ( خير سليمان عليه السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه ) تفسير القرطبي ج17/ص300
ـ وقال أيضا: أتدرون ما ذهاب العلم؟ قلنا: لا قال:ذهاب العلماء.
ـ وقال الشافعي: ( الفقهاء العاملون ). أي أن المراد: هم العلماء العاملون.
ـ وقال الحسن: (كانوا يقولون: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار).
ـ وقال الأوزاعي: ( الناس عندنا أهل العلم . ومن سواهم فلا شيء).
ـ وقال سفيان الثوري: (لو أن فقيها على رأس جبل ؛ لكان هو الجماعة)
ـ وقال سفيان الثوري أيضا: ويحكم اطلبوا العلم فإني أخاف أن يخرج العلم من عندكم فيصير إلى غيركم فتذلون، اطلبوا العلم فإنه شرف في الدنيا وشرف في الآخرة، وقال: ما يراد الله -عز وجل- بشيء أفضل من طلب العلم.
ـ وعن أحمد قال: “ما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو إلى الشافعي وأستغفر له”، وقال له ابنه عبد الله يا أبه أي رجل كان الشافعي فإني أسمعك تكثر من الدعاء له قال “يا بني كان كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف أو منهما من عوض “
المنتظم ج10/ص 139
وحول هذه المعاني يقول الشاعر :
الناس من جهة التـمثال أكفــاء أبوهمُ آدم والأم حــــــــــــــواء
فإن يكن لهم في أصلهـم نسـب يفاخرون به فالطين والمـــــاء
ما الفضل إلا لأهل العلـم إنهـمُ على الهدى لم استهدى أذلاء
وقدر كل امرء ما كـان يحسنـه والجاهلون لأهل العلم أعداء
من هذه النصوص الكريمة، ثم من هذه الأقوال المحفوظة ؛ تتبين لنا المكانة العظيمة، والدرجة العالية، التي يتمتع بها علماء الأمة؛ ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير والإجلال وحفظ الحرمات، قال الله تعالى: {ومن يُعَظِّم حُرٌماتِ الله فهو خيرٌ له عند ربه} الحج:30
ويقول- جل وعلا: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تَقْوَى القلوب} الحج :32
والشعيرة- كما قال العلماء: كلُّ ما أذِنَ اللهُ وأشعَرَ بفضله وتعظيمه.
والعلماء – بلا ريب – يدخلون دخولاً أولياً فيما أذِن اللهُ وأشعر الله بفضله وتعظيمه، بدلالة النصوص الكريمة السالفة الإِيراد .
رأيت العلـم صاحبه كريــم ولو ولدته آبــاء لئــام
وليس يــزال يرفعه إلى أن يُعَظِّمَ أمره القوم الكــرام
ويتبعـونـه في كل حــــــــــــــــال كراعي الضأن تتبعه السوام
فلولا العلم ما سعدت رجـال ولا عرف الحلال ولا الحرام