م/ كيفية التعامل مع الناس
سابعا ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى اله واصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا . سابعاً: الإقناع: الأصل أن يربى الناس على التسليم للأوامر بالفعل وللنواهي بالترك، لكن بعض النفوس أحياناً قد تكون شاردة تعيش حالة من التصميم حتى ولو كانت على خطأ، ولا يوقظ هذه النفوس إلا شيء من الإقناع، بردِّها للجادة، وتأكيد معاني الخير فيها. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! وُلِدَ لي غلام أسود، فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم! قال: ما لونها؟ قال حمر. قال: هل فيها من أوْرق؟ قال: نعم! قال: فأنَّى ذلك؟ قال: نزعه عرق. قال: فلعل ابنك هذا نزعه عرق. والملاحظ هنا في الإقناع النبوي الاستفادة من البيئة المحيطة، وكذا الاستفادة من البدهيات التي يؤمن بها المحاوَر، وهذا في حد ذاته من مؤكدات الإقناع. أخرج الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مَهْ مَهْ! فقال: ادنه! فدنا منه قريباً. قال: فجلس. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا، والله! يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا، والله! جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه؛ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. إن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لم يكتفِ بدرجةٍ قليلة من الإقناع، بل مارس معه تأكيد الإقناع – إن صح التعبير – وكان يكفي قوله: أتحبه لأمك، لكنه عدد محارمه زيادة في الإقناع، ودلالة على أن ما قد يأتي من النساء لا تخلو أن تكون أماً لأحدٍ أو بنتاً أو عمة أو خالة. وفي المسند عن أبي حذيفة عن عدي بن حاتم سمعه يقول: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عدي! أسلم تسلم. قلت: إني من أهل دين. قال: أنا أعلم بدينك منك. فقلت: أنت اعلم بديني مني؟! قال: نعم! ألست من الرَّكوسية، وأنت تأكل مرباع قومك؟ قلت: بلى! قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك. قال: فلم يعْدُ أن قالها فتواضعت لها، قال: أما إني أعلم ما الذي يمنعك عن الإسلام، تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له وقد رمتهم العرب؛ أتعرف الحِيرة؟ قلت: لم أرها وقد سمعت بها، قال: فوَ الذي نفسي بيده! ليُتِمَّنَ اللهُ هذا الأمرَ حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولتُفتحَن كنوز كسرى بن هرمز. قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: نعم! كسرى بن هرمز، وليُبذلن المال حتى لا يقبله أحد. تأمل قوله صلى الله عليه وسلم “أنا أعلم بدينك منك” فهو يحمل إشارة إلى أن من يقوم بالإقناع ينبغي أن يكون واسع المعارف كبير الفهم. وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: “إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام” فيه إزالة الموانع وتفتيت الحواجز ودحض الشبهات التي تقف أحياناً كثيرة أمام رقي المتعلم والمتربي. وعند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسين بن علي رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه فقال صلى الله عليه وسلم: “كِخْ، كِخْ” ليطرحها، ثم قال: “أما شعرتَ أنَّا لا نأكل الصدقة؟”. يا ترى كم كان عمر الحسين بن علي رضي الله عنه وقتئذ؟ لقد مات النبي صلى الله عليه وسلم وعمر الحسين لم يجاوز الثامنة؛ ومع ذلك خاطبه صلى الله عليه وسلم خطاب الكبار، ومارس معه الإقناع؛ فكأنه يقول له: أنا لم أخرجها من فمك شُحّاً أو طمعاً أو أن فيها ضرراً عليك، لا. إن السبب أنَّا لا نأكل الصدقة. حين تجد مع ابنك صورة محرمة أو تجد عليه لباساً بعيداً عن روح الإسلام؛ فإن جلسة إقناع تؤكد فيها شخصية المسلم وتميُّزه كافية في التغيير بإذن الله، وعلى أقل تقدير كافية في هز القناعات السابقة وزعزعتها، وهذا سيجعل فرصة التخلي عنها في المستقبل أكبر. والحمد لله أولاً وأخراً ..
الشيــخ ماجد محمد العجيلي