ماذا يقول الاخوان المسلمون عن هذه الدراسة التي قدمها العلامة الشيخ الدكتور مهدي الصميدعي – من أقدر علماء السلفية في العراق – رعاه الله وأيده وسدد رأيه وكثر خيره وحرصه للأمة فحين قرأتها استغربت من النصوص والأدلة القاتلة فيها – ولما يمتلكه هذا الرجل من العلم وامكانية ايصال المعلومة الى ذهن وفكر القارىء – وبعد هذا اطلب من الاخوان الردود الحسان على مثل هذه المقالة التي تبعث في القلب حقيقة منهج السلف بأمان .
والحمد لله أولا وآخرا .
بسم الله الرحمن الرحيم
(الفتن تقطع الأرحام وتفسد الوئام)
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من عصى أمره ولم يخش لقاه وصلى على نبيه محمد خير خلقه ومصطفاه ورضي الله عن صحابته والتابعين لهم ومن اهتدى بهداه وبعد :
المسلم في زمان يستخف به في الحرمات ويتساهل فيه بالحدود ويقصر فيه بالحقوق ويعتدى فيه على الذمم ، يحتاج الى تروض واتخاذ الاستقامة في التصرف والثبوت على طريقة السلف الصالح زمن الفتن – التي ذكرنا معيارها ومفرداتها .
فأهل الفتن لا يؤتمن لهم تصرف ، ولا يحسب عليهم صدور ردود فعل ، إما ان تكون متسرعة أو غير محسوبة أو نتيجة عصبية أو فهم غير دقيق لبعض الالفاظ أو المسميات فكلمة ( فتنة ) قد تثير كثيرا ممن لا يعرفون مدلولها اللغوي والشرعي فتجدهم يعقدون الولاء والبراء عليها – بل قد يتطور الأمر أكثر من ذلك فرب ممن يلتبس عليه مدلول هذه الكلمة أن يقتل إنسانا او يتهمه بالنفاق أو الكفر أو الخيانة وغيرها .
وإن ما حصل في كثير من البلدان التي تضربها الفتن – من القتل والعداوة – ونهب الاموال – والتعدي على الممتلكات ، وسرقة البيوت والمحلات ، والمشاجرات والضرب ، والتعويق ، وقطع الألسن والتمثيل بكثير ممن يرون أن ما يجري في الميادين العربية فتنة كبيرة ، يجب الابتعاد عنها واستخدام طريقة السلف الصالح – في التعامل مع الفتن وأهلها – بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – وبيان الحق ، يدفع نفوس كثير من يرون الامور الميدانية في ساحة العرب المسلمين أنها ليست فتن ، تدفعهم لاستخدام ألفاظ غريبة ومرفوضة بالشريعة الاسلامية ، فكثير منهم يستخدم أحاكم الكفر والردة على المخالفين لهم وبنفس الوقت تطلق أحكامهم على من يرى أنها فتنة والابتعاد عنها أفضل من الخوض فيها فينالهم ما رمي به المخالف ، فيتهمون بالزندقة والنفاق والكفر ، وهذه الاطلاقات بحد ذاتها فتنة ، لأن المسلم منعقد له بما يقول كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث ( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ) إذن التجريء على إطلاق الأحكام ورمي الناس ظلما ومجازفة فتنة .
الصحابة رضي الله عنهم حين حصل بينهم خلاف اعتزل بالجانب الآخر كثير – ولعلمهم بأحكام الشريعة وخوفهم من الله لم يتهموا من سكت او عمل بالإصلاح بأي أمر يجرح به أو يخل بحقه كمسلم .
لما قتل الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه – اختلف الصحابة في أمر قتلته ، فطائفة طالبت الخليفة الجديد : علي بن أبي طالب-رضي الله عنه – بالإسراع في الاقتصاص من هؤلاء القتلة ،وطائفة ثانية طالبت عليا بالاقتصاص من القتلة و جعلته شرطا لمبايعته ، و طائفة ثالثة وافقت هؤلاء في ضرورة الاقتصاص من قتلة الخليفة الشهيد ، لكنها كانت ترى ضرورة تأخيره حتى تتهيأ الظروف لتنفيذه .وطائفة اعتزلت الفتنة .
يقول عامر الشعبي في فتنة الجمل – لم يشهد الجمل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام غير علي ، وعمار ، و طلحة ، والزبير ، فإن جاؤوا بخامس فأنا كذاب )).العلل و معرفة الرجال للإمام أحمد ، ج 3 ص: 45 والمصنف لابن ابي شيبة، ج7 ص: 538 ،والسنة للخلال ج 2ص467 رقم 729، والذهبي في سير أعلام النبلاء ج9 ص 107، والاسناد صحيح.
ويقول ( بالله الذي لا إله إلا هو ، ما نهض في ذلك الأمر إلا ستة بدريين، ما لهم من سابع ).تاريخ الطبري ج3 ص: 6
و كذا من مظاهر الاعتزال الجماعي للفتنة ، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما ندب أهل المدينة للخروج معه للقتال لم يوافقوه ، وأبوْ الخروج معه ، فكلّم عبد الله بن عمر شخصيا للخروج معه ، فقال له : أنا رجل من المدينة . ثم كرر عليهم دعوته للسير معه عندما سمع بخروج أهل مكة إلى البصرة ، فتثاقل عنه أكثرهم ، واستجاب له ما بين : 4 الى7 من البدريين. ابن كثير : البداية و النهاية ج 7 ص: 231 .
قال بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ :”إِنَّ رِجَالا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ ، فَلَمْ يَخْرُجُوا إِلا إِلَى قُبُورِهِمْ “”. العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا [ص 18رقم9] و تاريخ المدينة لابن شبة ج4/ص1242 ومنهاج السنة النبوية[ج6 ص145] وعنه تلميذه ابن كثير في البداية والنهاية[ج7 ص281] وسنده حسن.
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، عن اسماعيل-ابن علية- عن أيوب- السختياني- عن محمد بن سيرين ، أن قال : (( هاجت الفتنة و أصحاب رسول الله -صلى الله عليه و سلم- عشرة آلاف ، فما حضر فيها مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين ) الخلال : السنة ، ج2 ص: 466 .و احمد بن حنبل : العلل و معرفة الرجال ، ج3 ص: 182 .والاسناد صحيح.
فالصحابة رضي الله عنهم الذين اشتركوا لم يحملوا الصحابة الذين لم يشتركوا مسؤولية ولم يرموا على عاتقهم أي شيء من أمور الدين او الدنيا
فإذا كان جمهور علماء أهل السنة يرون عدم سل السيف في عزل الحاكم الجائر فكيف يباح أن تسلط الألسن والسيوف وتنزل الأحكام بحق من لا يشترك فيها ويعطي عصارة ضميره وقلبه النصيحة الواجبة التي يرى فيها براءة له مما قد يصيب النفس المسلمة من الضيم والأذى .
ولتوضيح الأمر أبين معنى الفتنة لغة وشرعا :
الفتنة في اللغة كما قال الأزهري : الابتلاء والامتحان والاختبار ، وأصلها مأخوذ من قولك : فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد .
وتأتي الفتنة بمعنى الإشكال أو عدم التقين – يقال فلان مفتون بالدليل أي غير متقين منه – وتأتي بمعنى الكفر كما في قوله تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } (1) كما تأتي بمعنى الفضيحة كما في قوله تعالى : { ومن يرد الله فتنته } (2) وتأتي الفتنة بمعنى العذاب ، وبمعنى القتل ، والفاتن : المضل عن الحق . (3)
الفتنة – الأمر المختلف عليه
الفتن العلامات والأمور التي تكون في آخر الزمان – وتكون خارجة عن المؤلوف الذي اعتاد عليه المسلمون.
الفتان : الذي يدعو الى الفتنة وينشرها بين الخلق – فحين كان معاذ رضي الله عنه يطيل الصلاة بالناس وشكو ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – افتان يامعاذ – وهنا جاءت كلمة الفتنة للتحذير من اشغال الناس – وايقاعهم بما يشغل النفس ويتعبها من الوقوف الطويل .
الحكم الإجمالي : 2
– تظاهرت نصوص الكتاب والسنة في التحذير من الفتن والأمر بتجنبها واعتزالها وعدم الخوض فيها ، فمن ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال25 (4) وما روته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات ، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم (5) قال ابن دقيق العيد : فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتنان بالدنيا والشهوات والجهالات ، وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت . (6)
وهناك بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالفتنة ومنها :
أ – بيع السلاح زمن الفتنة
:3ذهب جمهور الفقهاء إلى حرمة بيع ما يقصد به فعل محرم واعتبروه من أقسام البيوع المنهي عنها ، ومثلوا له ببيع السلاح زمن الفتنة ، وسبب النهي عنه أنه يؤدي إلى ضرر مطلق وعام ، وفي منعه سد لذريعة الإعانة على المعصية .
وذهب الحنفية إلى كراهته كراهة تحريم ، وقال أبو حنيفة بعدم الكراهة ، لأن المعصية لا تقوم بعينه .
ب – اشتراط أمن الفتنة في جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية وكفيها : 4 – اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية وكفيها عند خوف الفتنة ، واختلفوا في جواز النظر إلى وجهها عند أمن الفتنة .
ج – الفتنة في عزل الإمام الجائر :
5 – لقد اختلف علماء الأمة وفقهاؤها في هذه القضية وانقسموا إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: يرى عدم جواز رفع السلاح لخلع الحكام وولاة الأمر، وان جاروا، وإنما يجب وعظهم وتخويفهم من عقاب الله تعالى. وهذا الرأي هو اتجاه جمهرة علماء الأمة الإسلامية على مر العصور، فقد قال به أكثر أهل السنة من الفقهاء وعلماء الحديث وعلماء التوحيد، ونقل هذا الرأي عن الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة في عهد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، ومنهم سعد بن أبى وقاص وإسامة بن زيد وعبدالله بن عمر ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهم، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله تعالى.
وذهب أصحاب هذا الرأي إلى انه لا يجوز سل السيوف لأمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإنما يكتفي عند هؤلاء بنصحهم ووعظهم أو بإنكار منكرهم بالقلب، ولا تستعمل معهم اليد، كما ذهب هؤلاء إلى أنه يجب معاونة الإمام العادل للتغلب على من يقوم عليه من الفسقة وأهل المنكر.
فالأكثرية العظمى من علماء الأمة الإسلامية قالت بعدم جواز الخروج بالقوة على الرئيس الأعلى للأمة، وإن كان جائرا بل إن بعض العلماء المشهورين ومنهم الإمام النووي أحد اشهر علماء الفقه والحديث نقل إجماع العلماء على عدم جواز الخروج على رئيس الدولة ولو كان ظالما، ولعل ذلك يرجع إلى أن مسألة الخروج على الحاكم كانت محل خلاف بين العلماء في بعض العصور الإسلامية الأولى، ثم اجمع علماء الأمة الإسلامية بعد ذلك على عدم جواز الخروج على رئيس الدولة، ومما يؤكد ذلك ما نقله القاضي عياض من أن الخلاف كان أولا، ثم حصل الإجماع من العلماء على عدم جواز الخروج بالسلاح على رئيس الدولة.
وقد استدل القائلون بعدم جواز الخروج على الحاكم بجملة من الأحاديث التي تأمر الرعية بالسمع والطاعة ومنها:
ما رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: «دعانا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأن لا ننازع الأمر أهله قال: إلا إن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان».
ومعنى الحديث كما قال الإمام النووي: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا الحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وان كانوا فسقة ظالمين.
ما رواه مسلم عن أم سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، انه قال: «انه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم قال: لا ما صلوا»، قال النووي إن قوله صلى الله عليه وسلم: «ما صلوا» يعنى عدم جواز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام.
ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون بعدى أثرة وأمورا تنكرونها قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟.. قال «أدوا اليهم حقهم وسلوا الله حقكم»
ما رواه مسلم عن حذيفة بن اليمان قال: قلت يا رسول الله أنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر؟.. قال: نعم، قلت: كيف؟.. قال: يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف اصنع يا رسول الله ان أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع الأمير وان ضرب ظهرك واخذ مالك فاسمع وأطع».
ما رواه مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي أنه قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قالوا: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟.. قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة.. لا ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا من ولى عليه وآل فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة».
ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر، فانه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية».
وقد قال القسطلاني عند شرحه لهذا الحديث: فليصبر على جوره وظلمه والأمر بالصبر يستلزم وجوب السمع والطاعة.
وهذه الأحاديث وغيرها، التي استدل بها أصحاب الاتجاه الأول في هذه القضية، تدل على أنه لا يجوز الخروج على الحكام، وان جاروا وفسقوا، ولا يجوز منازعتهم السلطان وأخذه منهم وجعله لغيرهم إلا أن يخرجوا من ملة الإسلام أو يتركوا الصلاة وإقامتها بين الناس، وقد علل أصحاب هذا الاتجاه النهى عن الخروج عليهم وان كانوا ظلمة فاسقين، بأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فيجب دفع الفساد الأعظم بالتزام الفساد الأدنى سيرا على قاعدة ارتكاب أخف الضررين. 7
قال القرطبي : أن الله تعالى كلف الولاة العدل وحسن الرعاية وكلف المُولَى عليهم الطاعة وحسن النصيحة فأراد : أنه إذا عصى الأمراء الله فيكم ولم يقوموا بحقوقكم , فلاتعصوا الله أنتم فيهم وقوموا بحقوقهم فإن الله مجاز كل واحد من الفريقين بما عمل .)) المفهم (4/55(
وقال الشيخ محمد الشهير ابوز منين في كتابه أصول السنة : فالسمع والطاعة لولاة الأمور أمر واجب و مهما قصروا في ذاتهم فلم يبلغوا الواجب عليهم ,غير أنهم يدعون إلى الحق ويؤمرون به ويدلون عليه فعليهم ما حملوا وعلى رعاياهم ما حملوا من السمع والطاعة )) ( أصول السنة 276)ط مكتبة الغرباء الأثرية .
وقال الطحاوي ولانرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولاندعوا عليهم ولاننزع يداًُ من طاعة ، ونرى طاعتهم في طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية , وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ))( شرح الطحاوية ص371) ط شاكر
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في الواسطية :((ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة ويرون إقامة الحج والجمع والأعياد مع المراء أبراراً كانوا أو فجاراً )) شرح الواسطية للفوزان ( 215) وقال ابن تيمية -رحمه الله -:(( ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد أكثر من الذي في إزالته )) قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله -:اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق الى ابي عبد الله يعني الإمام أحمد رحمه الله-وقالوا له : إن الأمر قد فشا وتفاقم -يعنون إظهار القول بخلق القرآن , وغير ذلك – ولانرضى بإمارته ولاسلطانه .
فناظرهم في ذلك , وقال :عليكم بالإنكار في قلوبكم ولا تخلعوا يداً من طاعة , ولاتشقوا عصا المسلمين , ولا تسفكوا دمائكم ودماء المسلمين معكم , وانظروا في عاقبة أمركم ,واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر .
وقال :ليس هذا -يعني نزع أيديهم من طاعته -صواباً ,هذا خلاف الآثار )) الآداب الشرعية ( 1/195-196) وأخرجها الخلال في السنة (ص133)
اللهم احقن دماء المسلمين واجمع كلمتهم واجعل هدايتك وكرمك وأمنك في هذه الأمة واحفظ جميع البلاد والعباد وارفع الضغينة والعداوة وابدلها بالمحبة والمودة ، وانصر من أراد العز والكرامة للمسلمين ، وافضح الخونة والمتآمرين على شعوبهم ، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث.
الشيخ الدكتور
مهدي الصميدعي
الأحد 9 محرم 1433 هجرية
الحواشي :
(1) سورة الأنفال / 39 .
(2) سورة المائدة / 41 .
(3) لسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح .
(4) سورة الأنفال / 25 .
(5) حديث عائشة ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة اللهم . . . ” . أخرجه البخاري ( فتح الباري 2 / 317 ) ومسلم ( 1 / 412 ) .
(6) فتح الباري 2 / 319
(7) أحمد أبو زيد .
المسلم في زمان يستخف به في الحرمات ويتساهل فيه بالحدود ويقصر فيه بالحقوق ويعتدى فيه على الذمم ، يحتاج الى تروض واتخاذ الاستقامة في التصرف والثبوت على طريقة السلف الصالح زمن الفتن – التي ذكرنا معيارها ومفرداتها .
فأهل الفتن لا يؤتمن لهم تصرف ، ولا يحسب عليهم صدور ردود فعل ، إما ان تكون متسرعة أو غير محسوبة أو نتيجة عصبية أو فهم غير دقيق لبعض الالفاظ أو المسميات فكلمة ( فتنة ) قد تثير كثيرا ممن لا يعرفون مدلولها اللغوي والشرعي فتجدهم يعقدون الولاء والبراء عليها – بل قد يتطور الأمر أكثر من ذلك فرب ممن يلتبس عليه مدلول هذه الكلمة أن يقتل إنسانا او يتهمه بالنفاق أو الكفر أو الخيانة وغيرها .
وإن ما حصل في كثير من البلدان التي تضربها الفتن – من القتل والعداوة – ونهب الاموال – والتعدي على الممتلكات ، وسرقة البيوت والمحلات ، والمشاجرات والضرب ، والتعويق ، وقطع الألسن والتمثيل بكثير ممن يرون أن ما يجري في الميادين العربية فتنة كبيرة ، يجب الابتعاد عنها واستخدام طريقة السلف الصالح – في التعامل مع الفتن وأهلها – بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – وبيان الحق ، يدفع نفوس كثير من يرون الامور الميدانية في ساحة العرب المسلمين أنها ليست فتن ، تدفعهم لاستخدام ألفاظ غريبة ومرفوضة بالشريعة الاسلامية ، فكثير منهم يستخدم أحاكم الكفر والردة على المخالفين لهم وبنفس الوقت تطلق أحكامهم على من يرى أنها فتنة والابتعاد عنها أفضل من الخوض فيها فينالهم ما رمي به المخالف ، فيتهمون بالزندقة والنفاق والكفر ، وهذه الاطلاقات بحد ذاتها فتنة ، لأن المسلم منعقد له بما يقول كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث ( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ) إذن التجريء على إطلاق الأحكام ورمي الناس ظلما ومجازفة فتنة .
الصحابة رضي الله عنهم حين حصل بينهم خلاف اعتزل بالجانب الآخر كثير – ولعلمهم بأحكام الشريعة وخوفهم من الله لم يتهموا من سكت او عمل بالإصلاح بأي أمر يجرح به أو يخل بحقه كمسلم .
لما قتل الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه – اختلف الصحابة في أمر قتلته ، فطائفة طالبت الخليفة الجديد : علي بن أبي طالب-رضي الله عنه – بالإسراع في الاقتصاص من هؤلاء القتلة ،وطائفة ثانية طالبت عليا بالاقتصاص من القتلة و جعلته شرطا لمبايعته ، و طائفة ثالثة وافقت هؤلاء في ضرورة الاقتصاص من قتلة الخليفة الشهيد ، لكنها كانت ترى ضرورة تأخيره حتى تتهيأ الظروف لتنفيذه .وطائفة اعتزلت الفتنة .
يقول عامر الشعبي في فتنة الجمل – لم يشهد الجمل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام غير علي ، وعمار ، و طلحة ، والزبير ، فإن جاؤوا بخامس فأنا كذاب )).العلل و معرفة الرجال للإمام أحمد ، ج 3 ص: 45 والمصنف لابن ابي شيبة، ج7 ص: 538 ،والسنة للخلال ج 2ص467 رقم 729، والذهبي في سير أعلام النبلاء ج9 ص 107، والاسناد صحيح.
ويقول ( بالله الذي لا إله إلا هو ، ما نهض في ذلك الأمر إلا ستة بدريين، ما لهم من سابع ).تاريخ الطبري ج3 ص: 6
و كذا من مظاهر الاعتزال الجماعي للفتنة ، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما ندب أهل المدينة للخروج معه للقتال لم يوافقوه ، وأبوْ الخروج معه ، فكلّم عبد الله بن عمر شخصيا للخروج معه ، فقال له : أنا رجل من المدينة . ثم كرر عليهم دعوته للسير معه عندما سمع بخروج أهل مكة إلى البصرة ، فتثاقل عنه أكثرهم ، واستجاب له ما بين : 4 الى7 من البدريين. ابن كثير : البداية و النهاية ج 7 ص: 231 .
قال بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ :”إِنَّ رِجَالا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ ، فَلَمْ يَخْرُجُوا إِلا إِلَى قُبُورِهِمْ “”. العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا [ص 18رقم9] و تاريخ المدينة لابن شبة ج4/ص1242 ومنهاج السنة النبوية[ج6 ص145] وعنه تلميذه ابن كثير في البداية والنهاية[ج7 ص281] وسنده حسن.
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، عن اسماعيل-ابن علية- عن أيوب- السختياني- عن محمد بن سيرين ، أن قال : (( هاجت الفتنة و أصحاب رسول الله -صلى الله عليه و سلم- عشرة آلاف ، فما حضر فيها مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين ) الخلال : السنة ، ج2 ص: 466 .و احمد بن حنبل : العلل و معرفة الرجال ، ج3 ص: 182 .والاسناد صحيح.
فالصحابة رضي الله عنهم الذين اشتركوا لم يحملوا الصحابة الذين لم يشتركوا مسؤولية ولم يرموا على عاتقهم أي شيء من أمور الدين او الدنيا
فإذا كان جمهور علماء أهل السنة يرون عدم سل السيف في عزل الحاكم الجائر فكيف يباح أن تسلط الألسن والسيوف وتنزل الأحكام بحق من لا يشترك فيها ويعطي عصارة ضميره وقلبه النصيحة الواجبة التي يرى فيها براءة له مما قد يصيب النفس المسلمة من الضيم والأذى .
ولتوضيح الأمر أبين معنى الفتنة لغة وشرعا :
الفتنة في اللغة كما قال الأزهري : الابتلاء والامتحان والاختبار ، وأصلها مأخوذ من قولك : فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد .
وتأتي الفتنة بمعنى الإشكال أو عدم التقين – يقال فلان مفتون بالدليل أي غير متقين منه – وتأتي بمعنى الكفر كما في قوله تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } (1) كما تأتي بمعنى الفضيحة كما في قوله تعالى : { ومن يرد الله فتنته } (2) وتأتي الفتنة بمعنى العذاب ، وبمعنى القتل ، والفاتن : المضل عن الحق . (3)
الفتنة – الأمر المختلف عليه
الفتن العلامات والأمور التي تكون في آخر الزمان – وتكون خارجة عن المؤلوف الذي اعتاد عليه المسلمون.
الفتان : الذي يدعو الى الفتنة وينشرها بين الخلق – فحين كان معاذ رضي الله عنه يطيل الصلاة بالناس وشكو ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – افتان يامعاذ – وهنا جاءت كلمة الفتنة للتحذير من اشغال الناس – وايقاعهم بما يشغل النفس ويتعبها من الوقوف الطويل .
الحكم الإجمالي : 2
– تظاهرت نصوص الكتاب والسنة في التحذير من الفتن والأمر بتجنبها واعتزالها وعدم الخوض فيها ، فمن ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال25 (4) وما روته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات ، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم (5) قال ابن دقيق العيد : فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتنان بالدنيا والشهوات والجهالات ، وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت . (6)
وهناك بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالفتنة ومنها :
أ – بيع السلاح زمن الفتنة
:3ذهب جمهور الفقهاء إلى حرمة بيع ما يقصد به فعل محرم واعتبروه من أقسام البيوع المنهي عنها ، ومثلوا له ببيع السلاح زمن الفتنة ، وسبب النهي عنه أنه يؤدي إلى ضرر مطلق وعام ، وفي منعه سد لذريعة الإعانة على المعصية .
وذهب الحنفية إلى كراهته كراهة تحريم ، وقال أبو حنيفة بعدم الكراهة ، لأن المعصية لا تقوم بعينه .
ب – اشتراط أمن الفتنة في جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية وكفيها : 4 – اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية وكفيها عند خوف الفتنة ، واختلفوا في جواز النظر إلى وجهها عند أمن الفتنة .
ج – الفتنة في عزل الإمام الجائر :
5 – لقد اختلف علماء الأمة وفقهاؤها في هذه القضية وانقسموا إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: يرى عدم جواز رفع السلاح لخلع الحكام وولاة الأمر، وان جاروا، وإنما يجب وعظهم وتخويفهم من عقاب الله تعالى. وهذا الرأي هو اتجاه جمهرة علماء الأمة الإسلامية على مر العصور، فقد قال به أكثر أهل السنة من الفقهاء وعلماء الحديث وعلماء التوحيد، ونقل هذا الرأي عن الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة في عهد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، ومنهم سعد بن أبى وقاص وإسامة بن زيد وعبدالله بن عمر ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهم، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله تعالى.
وذهب أصحاب هذا الرأي إلى انه لا يجوز سل السيوف لأمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإنما يكتفي عند هؤلاء بنصحهم ووعظهم أو بإنكار منكرهم بالقلب، ولا تستعمل معهم اليد، كما ذهب هؤلاء إلى أنه يجب معاونة الإمام العادل للتغلب على من يقوم عليه من الفسقة وأهل المنكر.
فالأكثرية العظمى من علماء الأمة الإسلامية قالت بعدم جواز الخروج بالقوة على الرئيس الأعلى للأمة، وإن كان جائرا بل إن بعض العلماء المشهورين ومنهم الإمام النووي أحد اشهر علماء الفقه والحديث نقل إجماع العلماء على عدم جواز الخروج على رئيس الدولة ولو كان ظالما، ولعل ذلك يرجع إلى أن مسألة الخروج على الحاكم كانت محل خلاف بين العلماء في بعض العصور الإسلامية الأولى، ثم اجمع علماء الأمة الإسلامية بعد ذلك على عدم جواز الخروج على رئيس الدولة، ومما يؤكد ذلك ما نقله القاضي عياض من أن الخلاف كان أولا، ثم حصل الإجماع من العلماء على عدم جواز الخروج بالسلاح على رئيس الدولة.
وقد استدل القائلون بعدم جواز الخروج على الحاكم بجملة من الأحاديث التي تأمر الرعية بالسمع والطاعة ومنها:
ما رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: «دعانا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأن لا ننازع الأمر أهله قال: إلا إن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان».
ومعنى الحديث كما قال الإمام النووي: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا الحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وان كانوا فسقة ظالمين.
ما رواه مسلم عن أم سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، انه قال: «انه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم قال: لا ما صلوا»، قال النووي إن قوله صلى الله عليه وسلم: «ما صلوا» يعنى عدم جواز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام.
ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون بعدى أثرة وأمورا تنكرونها قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟.. قال «أدوا اليهم حقهم وسلوا الله حقكم»
ما رواه مسلم عن حذيفة بن اليمان قال: قلت يا رسول الله أنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر؟.. قال: نعم، قلت: كيف؟.. قال: يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف اصنع يا رسول الله ان أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع الأمير وان ضرب ظهرك واخذ مالك فاسمع وأطع».
ما رواه مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي أنه قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قالوا: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟.. قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة.. لا ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا من ولى عليه وآل فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة».
ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر، فانه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية».
وقد قال القسطلاني عند شرحه لهذا الحديث: فليصبر على جوره وظلمه والأمر بالصبر يستلزم وجوب السمع والطاعة.
وهذه الأحاديث وغيرها، التي استدل بها أصحاب الاتجاه الأول في هذه القضية، تدل على أنه لا يجوز الخروج على الحكام، وان جاروا وفسقوا، ولا يجوز منازعتهم السلطان وأخذه منهم وجعله لغيرهم إلا أن يخرجوا من ملة الإسلام أو يتركوا الصلاة وإقامتها بين الناس، وقد علل أصحاب هذا الاتجاه النهى عن الخروج عليهم وان كانوا ظلمة فاسقين، بأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فيجب دفع الفساد الأعظم بالتزام الفساد الأدنى سيرا على قاعدة ارتكاب أخف الضررين. 7
قال القرطبي : أن الله تعالى كلف الولاة العدل وحسن الرعاية وكلف المُولَى عليهم الطاعة وحسن النصيحة فأراد : أنه إذا عصى الأمراء الله فيكم ولم يقوموا بحقوقكم , فلاتعصوا الله أنتم فيهم وقوموا بحقوقهم فإن الله مجاز كل واحد من الفريقين بما عمل .)) المفهم (4/55(
وقال الشيخ محمد الشهير ابوز منين في كتابه أصول السنة : فالسمع والطاعة لولاة الأمور أمر واجب و مهما قصروا في ذاتهم فلم يبلغوا الواجب عليهم ,غير أنهم يدعون إلى الحق ويؤمرون به ويدلون عليه فعليهم ما حملوا وعلى رعاياهم ما حملوا من السمع والطاعة )) ( أصول السنة 276)ط مكتبة الغرباء الأثرية .
وقال الطحاوي ولانرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولاندعوا عليهم ولاننزع يداًُ من طاعة ، ونرى طاعتهم في طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية , وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ))( شرح الطحاوية ص371) ط شاكر
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في الواسطية :((ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة ويرون إقامة الحج والجمع والأعياد مع المراء أبراراً كانوا أو فجاراً )) شرح الواسطية للفوزان ( 215) وقال ابن تيمية -رحمه الله -:(( ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد أكثر من الذي في إزالته )) قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله -:اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق الى ابي عبد الله يعني الإمام أحمد رحمه الله-وقالوا له : إن الأمر قد فشا وتفاقم -يعنون إظهار القول بخلق القرآن , وغير ذلك – ولانرضى بإمارته ولاسلطانه .
فناظرهم في ذلك , وقال :عليكم بالإنكار في قلوبكم ولا تخلعوا يداً من طاعة , ولاتشقوا عصا المسلمين , ولا تسفكوا دمائكم ودماء المسلمين معكم , وانظروا في عاقبة أمركم ,واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر .
وقال :ليس هذا -يعني نزع أيديهم من طاعته -صواباً ,هذا خلاف الآثار )) الآداب الشرعية ( 1/195-196) وأخرجها الخلال في السنة (ص133)
اللهم احقن دماء المسلمين واجمع كلمتهم واجعل هدايتك وكرمك وأمنك في هذه الأمة واحفظ جميع البلاد والعباد وارفع الضغينة والعداوة وابدلها بالمحبة والمودة ، وانصر من أراد العز والكرامة للمسلمين ، وافضح الخونة والمتآمرين على شعوبهم ، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث.
مهدي الصميدعي
(1) سورة الأنفال / 39 .
(2) سورة المائدة / 41 .
(3) لسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح .
(4) سورة الأنفال / 25 .
(5) حديث عائشة ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة اللهم . . . ” . أخرجه البخاري ( فتح الباري 2 / 317 ) ومسلم ( 1 / 412 ) .
(6) فتح الباري 2 / 319
(7) أحمد أبو زيد .