بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)آل عمران64
فالخطاب في هذه الآية مع اهل الكتاب في تكليفين هما :
1 – امرعام بعبادة الله وحده , ونهي عام ألاّ نشرك مع الله احدا بالعبادة
2 – نهي خاص بعدم اتخاذ ارباب من دون الله لما اختص به اهل الكتاب من اتخاذ احبارهم
ورهبانهم اربابا من دون الله, المختلفين مع المشركين في عبادة الاوثان , والله اعلم , والخاص جزء من العام , راجع تفصيليا موضوع لايتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله .
والشهادة افراد الله سبحانه بتوحيد العبادة ونفيها عن غيره , لانَّ عبادة غير الله شرك ؛
والعبادة نوعان : عبادة حق خالص لله نفعها خاص ,وهي في دائرة الفرد من صلاة وصيام وغيرها تقدم مباشرة لله سبحانه وتعالى .
وعبادة حق خالص لله نفعها عام منها تنظيم امر الناس وفق دين الله باقامة دينه , فطاعة الامة للسلطان الذي يقيم الدين عبادة لله سبحانه
وعليه فالشرك نوعان كذلك بخصوص الحقوق المتعلقة بالنفع الخاص والعام :
ما هو الموقف من النوعين ؟ :
النوع الاول – شرك متعلق بحق الله الخالص وهو صرف العبادة الى غير الله سبحانه من شعائر وعقائد والذي مضرته محصورة في دائرة الفرد – ترك العابد وما يعبد في ظل خيمة الاسلام مع انه ترك حق الله عليه بعبادة غيره
النوع الثاني – شرك متعلق بحق الله الخالص والذي مضرته عامة لكل البشر وهو اتخاذ ارباب من دون الله – لا يترك بل المطلوب ازالته لانه ظلم كبير, واحلال محله العدل ,
فلانجعل مع الله ندا عدلا مساويا من المخلوق للخالق لان هذا من الظلم الكبير , ويكون بعبادة غير الله عموما واتخاذ ارباب من دون الله خصوصا وهو محل الجهاد والله اعلم.
قال تعالى:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ) هذا حق الخالق (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) وهذا حق المخلوق (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران64 بغية المرتاد- ابن تيمية ج 1/ 497
1 – بعبادة غير الله , قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (21- 22) البقرة –
أي لا تجعلوا مع الله إلهاً اخر بعبادة غيره فيكون ندا لله – وهذا النهي عام – لانه ايضا يضم النوع الثاني الذي هو طاعة غير الله بشرع غير شرع الله وهو عبادة الطاغوت فيكون النهي خاصا. فيكون الثاني قد تكرر مرتان
2 – اتخاذ ارباب من دون الله بالطاعة ؛ وهذه ايضا عبادة ولكنّها للطاغوت بطاعة السادة بقوانينهم المخالفة لدين الله ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ) (166) البقرة – أي – الرؤساء الذين يطيعونهم طاعة الأرباب من الرجال وليس من الاصنام وامثالها من المعبودات لانها لا تأمر فتطاع وانما تُعبد خصوصا , للمزيد راجع موضوع الدين نصفان
لذلك يقول ابن تيمية رحمه الله (وَقَدْ ذَكَرْت فِي مَوَاضِعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ ” سُورَةُ الْبَقَرَةِ ” مِنْ تَقْرِيرِ أُصُولِ الْعِلْمِ وَقَوَاعِدِ الدِّينِ : ……… فَفِي أَوَّلِهَا : { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } وَفِي أَثْنَائِهَا ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا } فـ ” الْأَوَّلُ: نَهْيٌ عَامٌّ والثَّانِي : نَهْيٌ خَاصٌّ …..) مجموع الفتاوى – (ج 14 / 43)
اتخاذ ارباب من دون الله عبادة لغير الله :
قال تعالى : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي )14 طه
فَاعْبُدْنِي : امر عام يشمل كل العبادات , وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي : امر خاص اُفرِد من دون سائر العبادات لاهمّيتها ؛ وانها اول ركن بعد الشهادتين , واول ما يحاسب به العبد ,…… . ففي دائرة الفرد فاول العبادات التي يقدمها العبد مباشرة لله بعد الشهادتين هي الصلاة
وفي دائرة الامة فاول واجب بعد العبادات بعدم اتخاذ ارباب من دون الله , أي بطاعة الامة واستسلامها لله من خلال امام وسلطان يقيم الدين , وعدم طاعة السلطان الذي يقيم الباطل , لان طاعته والتحاكم اليه عبادة له
والانداد بالطاعة
( فمن طلب أن يطاع دون اللّه،فهذا حال فرعون،ومن طلب أن يطاع مع اللّه،فهذا يريد من الناس أن يتخذوا من دون اللّه أنداداً يحبونهم كحب الله . والله ـ سبحانه وتعالى ـ أمر ألا يعبد إلا إياه،وألا يكون الدين إلا له، وأن تكون الموالاة فيه، والمعاداة فيه، وألا يتوكل إلا عليه، ولا يستعان إلا به ) مجموع فتاوى ابن تيمية (التفسير) – (ج 3 / ص 105)
قال تعالى : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (9)
(وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { الأنداد } قال : أشباهاً . وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { فلا تجعلوا لله أنداداً } قال : أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله .) الدر المنثور – السيوطي(ج 1 / ص 44)
تفسير الماوردى – النكت والعيون – (ج 5 / 170) ( وتجعلون له أنداداً ( فيه أربعة أوجه : أحدها : أشباهاً ، قاله ابن عباس . الثاني : شركاء ، قاله أبو العالية .الثالث : كفواً من الرجال تطيعونهم في معاصي الله تعالى قاله السدي . الرابع : هو قول الرجل لولا كلبة فلان لأتي اللصوص )
( قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ } [ البقرة : 165 ] أي : أشد حبًا لله من هؤلاء / لأندادهم، وقال تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا } [ الزمر : 29 ] ، وكذلك الاستكبار يمنع حقيقة الذل لله، بل يمنع حقيقة المحبة لله، فإن الحب التام يوجب الذل والطاعة، فإن المحب لمن يحب مطيع .ولهذا كان الحب درجات أعلاها : ( التتيم ) ، وهو : التعبد، وتيم الله أي : عبد الله؛ فالقلب المتيم هو المعبد لمحبوبه، وهذا لا يستحقه إلا الله وحده . والإسلام : أن يستسلم العبد لله لا لغيره، كما ينبئ عنه قول : ( لا إله إلا الله ) ، فمن استسلم له ولغيره فهو مشرك، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر، وكلاهما ضد الإسلام .) مجموع فتاوى ابن تيمية (التفسير) – (ج 3 / ص 350)
( اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الشِّرْكَ بِاَللَّهِ أَعْظَمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سُئِلَ : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ . قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ } . وَالنِّدُّ الْمِثْلُ . قَالَ تَعَالَى : { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } . فَمَنْ جَعَلَ لِلَّهِ نِدًّا مِنْ خَلْقِهِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ فَقَدْ كَفَرَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ) مجموع الفتاوى – (ج 1 / ص 88)
يقول ابن القيم (( أن يتعاطى ما لا يصح له من صفات الربوبية كالعظمة والكبرياء والجبروت والقهر والعلو واستعباد الخلق ونحو ذلك ….. وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب ويدخل في ذلك القول على الله بلا علم في خلقه وأمره فمن كان من أهل هذه الذنوب فقد نازع الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وملكه وجعل لله نداً وهذا أعظم الذنوب عند الله ولا ينفع معه عمل )) الجواب الكافي ج1/ 86 .
بإقامة دين الله ينتفي اتخاذ الارباب عموما
لانه بهذه الحالة لا توجد سلطة غير سلطة الله ولا امر غير امر الله , والميثاق الذي اخذه الله سبحانه هو اقامة الدين , وعكسه سيكون الامر لغير الله ,
(ومعنى اتخاذهم أرباباً: أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم، واستحلُّوا ما أحلوا، وحرموا ما حرموا. قال أكثرُ المفسرين: «ليس المراد من الأرباب أنَّهم اعتقدوا إلهيتهم، بل المراد: أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم» اللباب في علوم الكتاب (10 / 74):
تفسير ابن كثير – (ج 6 /382) [ ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ) . يقول تعالى مخبرا عن أولي العزم الخمسة، وبقية الأنبياء: أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في إقامة دين الله، وإبلاغ رسالته، والتعاون والتناصر والاتفاق، كما قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [آل عمران: 81] فهذا العهد والميثاق أخذ عليهم بعد إرسالهم، وكذلك هذا. ونص من بينهم على هؤلاء الخمسة، وهم أولو العزم، وهو من باب عطف الخاص على العام، وقد صرَّح بذكرهم أيضا في هذه الآية، وفي قوله: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى: 13]
(ولهذا قال هاهنا: { أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } أي: وصى الله [سبحانه و] تعالى جميع الأنبياء، عليهم السلام، بالائتلاف والجماعة، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف . ]
( قد كتبت في غير موضع أن الحسنات كلها عدل والسيئات كلها ظلم وأن الله إنما أنزل الكتب وأرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط وقد ذكرت أن القسط والظلم نوعان نوع فى حق الله تعالى كالتوحيد فانه راس العدل والشرك رأس الظلم ونوع في حق العباد إما مع حق الله كقتل النفس أو مفردا كالدين الذي ثبت برضا صاحبه ) مجموع الفتاوى [ ج20/ ص 79 ]
مجموع الفتاوى – (ج 18 / ص 165) ( وَإِذَا كَانَ التَّوْحِيدُ أَصْلَ صَلَاحِ النَّاسِ وَالْإِشْرَاكُ أَصْلَ فَسَادِهِمْ وَالْقِسْطُ مَقْرُونٌ بِالتَّوْحِيدِ ؛ إذْ التَّوْحِيدُ أَصْلُ الْعَدْلِ ؛ وَإِرَادَةُ الْعُلُوِّ مَقْرُونَةٌ بِالْفَسَادِ ؛ إذْ هُوَ أَصْلُ الظُّلْمِ فَهَذَا مَعَ هَذَا وَهَذَا مَعَ هَذَا كَالْمَلْزُوزِينَ فِي قَرْنٍ فَالتَّوْحِيدُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ هُوَ صَلَاحٌ وَعَدْلٌ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمَ بِالْوَاجِبَاتِ ؛ وَهُوَ الْبِرُّ ؛ وَهُوَ الْعَدْلُ . وَالذُّنُوبُ الَّتِي فِيهَا تَفْرِيطٌ أَوْ عُدْوَانٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ هِيَ فَسَادٌ وَظُلْمٌ ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ مُفْسِدِينَ وَكَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِاجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ وَاَلَّذِي يُرِيدُ الْعُلُوَّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ هُوَ ظَالِمٌ لَهُ بَاغٍ ؛ إذْ لَيْسَ كَوْنُك عَالِيًا عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ كَوْنِهِ عَالِيًا عَلَيْك وَكِلَاكُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَالْقِسْطُ وَالْعَدْلُ أَنْ يَكُونُوا إخْوَةً كَمَا وَصَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ .
وَالتَّوْحِيدُ وَإِنْ كَانَ أَصْلَ الصَّلَاحِ فَهُوَ أَعْظَمُ الْعَدْلِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } وَلِهَذَا كَانَ تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْقِسْطِ كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ الْإِيمَانِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْإِيمَانِ ) مجموع الفتاوى – (ج 18 / ص 166)
ولكن هل يدخل اهل الكتاب في اسم المشركين عند الإطلاق
قال ابن رجب – ( وقريب منه : قول من قال : إن أهل الكتاب يقال : إنهم أشركوا وفيهم شرك كما قال تعالى { سبحانه عما يشركون } [ التوبة : 31] ولا يدخلون في اسم المشركين عند الإطلاق ؛ بل يفرق بينهم وبين المشركين كما في قوله تعالى { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين } [ البينة : 1 ] فلا يدخل الكتابية في قوله تعالى { َوَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } [ البقرة : 221 ] وقد نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ) فتح الباري – (ج 1 / 72)
(…. فبان أن أهل الكتاب مشركون من هذا الوجه الشرك الأكبر وإن كانوا خالفوا كفار مكة في صريح عبادة الأوثان والعلم عند الله تعالى.) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب – الشنقيطي (ج 1 / 43)
يقول ابن القيم رحمه الله 🙁 قالوا ولا يصح إلحاق عبدة الأوثان بأهل الكتاب لأن كفر المشركين أغلظ من كفر أهل الكتاب فإن أهل الكتاب معهم من التوحيد وبعض آثار الأنبياء ما ليس مع عباد الأصنام ويؤمنون بالمعاد والجزاء والنبوات بخلاف عبدة الأصنام وعبدة الأصنام حرب لجميع الرسل وأممهم من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء والمرسلين ولهذا أثر هذا التفاوت الذي بين الفريقين في حل الذبائح وجواز المناكحة من أهل الكتاب دون عباد الأصنام ) أحكام أهل الذمة – ابن القيم (ج 1 / 95)
التفسير الوسيط لطنطاوي (2 / 133): إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ. والسواء: العدل والنصفة، أى قل يا محمد لأهل الكتاب: هلموا وأقبلوا إلى كلمة ذات عدل وإنصاف بيننا وبينكم….. ثم بين- سبحانه- هذه الكلمة العادلة المستقيمة التي هي محل اتفاق بين الأنبياء فقال:
أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ أى نترك نحن وأنتم عبادة غير الله، بأن نفرده وحده بالعبادة والطاعة والإذعان.
وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً أى ولا نشرك معه أحدا في العبادة والخضوع، …….
وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ أى ولا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله.
اللباب في علوم الكتاب (5 / 298):
ثم إنه تعالى ذكر ثلاثةَ أشياءَ:
الأول: أن لا نعبدَ إلا اللهَ. الثاني: أن لا نُشْركَ به به شيْئاً.
الثالث: أن لا يتخذَ بعضُنا أرْباباً مِن دونِ اللهِ. ودون – هذه – بمعنى: «غير» .
إنما ذكر هذه الثلاثة؛ لأن النصارَى جمعوا بينها، فعبدوا غيرَ الله – وهو المسيح – وأشركوا بالله غيره؛ لأنهم يقولون: إنه ثلاثة: أب وابن وروح القدس، واتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله؛ لأنهم كانوا يطيعونهم في التحليل والتحريم،