بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الإنسان، هل تريد أن تكون نجماً يتلألأ، ونوراً يسطع، وشمساً تشرق على دجى الظلمات فلا تبقي منها ولا تذر؟ هل تريد الكرامة والرفعة في الدنيا والآخرة؟
اعبد الله وحده وتحقَّق بعبوديته تكن حُرَّاً عمَّا سواه، فتحقيق الحرية يكون في العبودية لله تعالى، فإذا كنت عبداً لله سبحانه ابتعدت عن عبودية الهوى والمخلوقين.
فلن تكون حُرَّاً حتى يتعلق قلبك بالله وحده، فتوقن أن الله هو الخالق الرازق، المعطي المانع، القوي القادر، بيده خزائن كل شيء، فلا مانع لما أعطى، ولا مُعطِي لما مَنَع، وتوقن أن الناس عبيد لله يسخِّرهم الله كيف يشاء، فلا تكون عبداً لمخلوق ضعيف، ترجو نفعه وتخاف ضره، تحسب أنه يستطيع أن ينفع أو يضر بذاته، فلا تعلق نفعك أو ضرك بأحد من الخلق، بل تكون متوجهاً إلى الخالق العظيم.
تكون حُرَّاً عندما تحرص على مرضاة الله وحده وتكون هذه غايتك التي تسعى إليها، ولا تخضع إلا له سبحانه وتعالى.
تكون حُرَّاً عندما تنتظر الجزاء من الله تعالى ولا تلتفت إلى المخلوقين ولا تحرص على ثنائهم وتقديرهم.
فعندما كان حالهم: (لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً. إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً).
كان جزاؤهم: (فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً. وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً..).
فإن أردت أن يكون لك جزاءٌ موفور وسعيٌ مشكور، فاعمل لوجه ربِّك ولا تنتظر من غيره جزاء ولا شكوراً.
تكون حُرَّاً حين تقف عند حدود الله ولا تتعداها، فتكون بذلك حُرَّاً من عبادة الشيطان، ومن عبادة الهوى، ومن عبادة المخلوقين، فمن ابتعد عن عبودية الله الخالق غرق في عبوديات الهوى والمخلوقين..
وقد نهى الله أن يتخذ أحدٌ الهوى إلهاً يستجيب لنزواته وينقاد لرغباته فيكون عبداً لهواه، فقال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ: هَوَاهُ، أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً)، وقال سبحانه: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدَىً مِنَ اللهِ).
وقال: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ).
وبين الله سبحانه أنَّ الإخلادَ إلى الأرضِ واتباعَ الهوى هو سبب الغواية والضلال بعد الهدى، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ).
فمن اتبع هواه، وأخلد إلى الأرض ومال إلى الدنيا وسكن إليها وآثرها وقدمها على الآخرة، فقد انسلخ من تكريم الله له، فبعد أن كان في أحسن تقويم في فطرته وإيمانه صار في أسفل سافلين في انحرافه وتخبُّطه في الظلمات.
وبيَّنَ الله تعالى أن من نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى قال سبحانه: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).
فالحرية تكون في تحقيق العبودية لله تعالى، فهي التي تمنع من عبودية ما سواه.
وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.