من الدكتور زهير الخطيب (1 نيسان 2013)
لسماحة الشيخ الدكتور مهدي الصميدعي ..
السلام عليكم:
وبعد, نرجو الإجابة عن الأسئلة التالية:
1-سماحة الشيخ تختلط الأمور في الأقطار العربية مع عدوى الإنتفاضات الشعبية ويركب موجتها ما يسمى بالإسلاميين فإما هي تنظيمات إخوانية أو تيارات سلفية وليس هنالك من مرجعية علمية عليا لأهل السنة لتبين الأمور وتفسر التسميات خاصة بعد أن بدأت أعداد كبيرة من المسلمين وعلى ضؤ المعاناة من تداعيات ما يسمى بالثورات بتحميل الإسلام و الشرع الحنيف مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع, فهل يمكن بإيجاز ومن موقعكم العلمائي الإضاءة على ما ورد في السؤال؟
2-تطورت الصراعات في بعض الأقطار إلى ما يشبه الحروب الأهلية كما نشهد في ليبيا وشمال مالي حيث تظهر مجموعات تدعي نصرة الشريعة أو السنة تدمر المقامات التاريخية والمساجد التي تتواجد فيها مقابر الأولياء وفي اليمن حيث تدعي جماعات علاقاتها بما يسمى القاعدة فتغتال و تفجر وفي سوريا جبهة نصرة دعا إليها بالفيديو من فضائية الجزيرة الظواهري فأعطت جماعاتها لنفسها حق التكفير وقتل العلماء و طلاب العلم وغيرهم من أهل السنة وفي بلدكم العراق حيث تقوم ما يسمى بدولة العراق الإسلامية بتفجير التجمعات وقتل الناس عشوائيا ودائما تحت عنوان السلفية الجهادية, و هل يمكن لسماحتكم من تاريخكم الجهادي ونهجكم بإتباع أئمة السلف توضيح ما يجري وهوية هذه المجموعات و شرعيتها الإسلامية؟
3-نشاهد في أفلام منشورة على الإنترنت وكما يلقى القبض في سوريا على مجموعات إسلامية سلفية متطرفة تصنع الصواريخ و المتفجرات لإستهداف مؤسسات الدولة السورية من جيش و بنى تحتية و مجمعات سكنية بعد أن كفرت المجتمع المتجانس لقرون هذا بالتزامن مع احتلال إسرائيل جزءا من اراضي فلسطينناهيك عن بيت المقدس , أو ليس الأولى بهؤلاء تقديم محاربة إسرائيل وتوظيف خبراتهم الحربية في ذلك قبل مواجهة الدولة و المجتمع السوريين وما هو الحكم الشرعي من مفهوم السلف في ذلك؟
4-سؤالنا هذا يخص لبنان حيث تنتشر في بعض الأحياء والمناطق الفقيرةومخيمات اللآجئين الفلسطينين لأهل السنة في السنوات القليلة الماضية ظاهرة إرخاء اللحى ولبس الجلابيات القصيرة ورفع أعلام سوداء تتبنى لغة مذهبية تستهدف الشيعة وتشكك بمقاومة إسرائيل في جنوب لبنان تحت عنوان السلفية وهي ترسل الشباب للقتال في سوريا بينما لا تذكر إسرائيل و الغرب, فهل من موقعكم المعروف تؤيدون مثل هذه الأمور على أنها السلفية وما هي السلفية والسلفية الجهادية برأيكم العلمي في العقيدة و الممارسات؟
5-وإن لا نرغب أو ترغبون بالتدخل في شؤون بلد آخر كلبنان ولكن المسلمون أمة واحدة و النصح حيث أمكن واجب وهذا يخص المؤسسة الشرعية في لبنان حيث يتدخل السياسيون في مجلسها الشرعي ويقحمونه في الخلافات و المصالح الشخصية و الفئوية, ومؤخرا تسبب أنصار حزب المستقبل اللذي يرئسه سعد الحريري بحالة إنقسامية في أوساط السنة بتمسكهم بمواقعهم السابقة في المجلس الشرعي بعد انتهاء مدته وبخروجهم عن قرارات مفتي الجمهورية والإدعاء عليه في المحاكم المدنية بما يضعف هيبة و كرامة الموقع اللذي يشغله علماء أهل السنة منذ عقود كم يقفون اليوم حجر عثرة أمام إنتخاب مجلس جديد بإقحامهم هيئات قضائية من خارج أهل السنة للتدخل. فما هي نصيحتكم الشرعية المسندة لأنصار حزب المستقبل لوقف تحدياتهم للمؤسسة الشرعية وموقع مفتي الجمهورية وإلتزامهم وحدة الصف في الظروف الراهنة ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب الاول : هناك ثمة فرق بين المفهوم اللغوي لـ (الثورة) والمفهوم الاصطلاحي المعاصر لها؛ لأن المفهوم اللغوي هو – بلا شك – مفهوم أصيل في لغتنا العربية، وقد ورد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، كما تم تداوله في تراثنا الإسلامي.
لكن مفهوم (الثورة) في العصر الحديث أمر لم يُعرَف في تراثنا الفكري والسياسي لأسباب سنشير إلى بعضها
جرى استخدام عدة مصطلحات للدلالة على معانٍ مشتركة فيما بينها من جهة ومشتركة بصورة مَّا مع مفهوم (الثورة) في المصطلح الحديث من جهة أخرى؛ فاستخدام مصطلحات (التغيير- الإصلاح- التجديد ).
و المصطلح الذي وُصِف به الغرض من رسالات الرسل هو (الإصلاح). لذلك يجب التمييز بينه وبين مصطلح (الثورة).
(الإصلاح): قال تعالى {إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]،
جاء في المعجم الوسيط: (صلَحَ يصلُح صَلاَحاً وصُلُوحاً: زال عنه الفساد، وصلح الشيءُ: كان نافعاً أو مناسباً. وأصلحَ في عمله أو أمره: أتى بما هو صالح نافع، وأصلحَ الشيءَ: أزال فسادَه)[1].
وقد وردت مادة (ص ل ح) في القرآن الكريم بتصاريف متعددة، منها قوله – تعالى -: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة: 25]، وقوله – تعالى -: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220]، {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا} [الأعراف: 56]، {إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِـحِينَ} [الأعراف: 196]، {إنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْـمُفْسِدِينَ} [يونس: 81].
جاء في (لسان العرب): ( ثار الشيء ثَوْراً وثؤوراً وثوراناً وتثوَّر: هاج، والثائر: الغضبان، ويقال للغضبان أهيج ما يكون: قد ثار ثائرة وفار فائرة، إذا غضب وهاج غضبه. وثار إليه: وثب. ويقال: انتظر حتى تسكن الثورة وهي الهيج، وثار الدخان والغبار وغيرهما: ظهر وسطع).
وجاء في (المصباح المنير): (ثار الغبار: هاج، ومنه قيل للفتنة: ثارت وأثارها العدو، وثار الغضب: احتد، وثار إلى الشر: نهض، وأثاروا الأرض: عمروها بالفلاحة والزراعة).
وجاء في (المعجم الوسيط): (ثارَ يثُور ثَوَرَاناً وثَوْراً وثَوْرةً: هاجَ وانتشر. وأثارَه إثارةً وإثاراً: هيَّجه ونشرَه، وفي التنزيل العزيز: {فَالْـمُغِيرَاتِ صُبْحاً 3 فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} [العاديات: 3 – 4]، وأثارَ الأرضَ: حرثها للزراعة، وفي التنزيل العزيز: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا} [الروم: 9]. ويقال: أثارَ الأمرَ: بحثَه واستقصاه. وفي الأثر: «أثيروا القرآن؛ فإن فيه خيرَ الأولين والآخرين».
ويلاحظ من خلال هذه التعريفات لمفهومي (الإصلاح) و (الثورة) أمرين مهمين:
الأول: أن مفهوم (الإصلاح) يفيد زوالَ الفساد والتحوُّلَ للأفضل، ويشير إلى معنى التدرُّج في التغيير؛ بينما مفهوم الثورة يرتبط بالهياج والانتشار والفجائية والتغيير الجذري. كما أن (الإصلاح) في المفهوم الإسلامي يبدأ متصاعداً بالفرد ومن داخل النفس، لينتهي بالمجتمع والدولة: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. بينما مفهوم (الثورة) يتجه إلى تغيير النظام السياسي.
الثاني: أن (رسالات الرسل وصفت بأنها (إصلاح) مع أنها كانت التغيير الأشمل والأعمق للواقع والفكر الذي بُعثوا فيه ، فقد كانت تغييراً جذريّاً على مستوى العقيدة والأخلاق والمفاهيم، ومع ذلك لم توصف بأنها (ثورة)، كما جاء على لسان سيدنا شعيب: {إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88]؛ لأن هذه الدعوات على الرغم من أنها حملت تغييراً جذريّاً إلا أنها اتسمت بالتدرُّج والهدوء والمرحلية والسِّلْمِية، وهي المعاني التي لا يعرفها المعنى اللغوي للثورة فضلاً عن المعنى المعاصر لها في العلوم الغربية.
فقد ارتبط مفهوم الثورة الحالي بالصراعات الدموية وأعمال العنف والقتل والدمار والتخريب مما كان سببا لإتلاف ارواح واموال وذمم المئات بل الالاف بني البشر ، الفكر الماركسي – مثلا – يعتمد (العنفَ) و (التحولَ الدمويَّ) وسيلةً وحيدةً للثورة والانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، ويرفض قيام الثورة من خلال الوسائل الاصلاحية .
والمنهج الإسلامي منهج متميز ومتفرِّد عن غيره من المناهج والفلسفات، لكنه قد يلتقي مع بعضها في تقرير بعض المبادئ والأهداف؛ ومع ذلك فلا يجوز أن نصف المنهج الإسلامي ونعرِّفه بغيره من المناهج.
فمثلاً لا يجوز أن نقول: (الرأسمالية الإسلامية) لمجرد أن الإسلام يقرر حق الملكية الفردية. ولا أن نقول: (الاشتراكية الإسلامية) لمجرد أن الإسلام يدعو إلى العدالة الاجتماعية وتقليل (لا انعدام) الفجوات بين الطبقات الاجتماعية. ولا أن نصف المنهج الإسلامي في الإصلاح والتغيير بـ (المنهج الثوري). كما تصف بعض الكتابات الآن – بعد نجاح ثورتَي (تونس ومصر) – القرآنَ الكريم بأنه (دعوة ثورية)، أو (ثورة سياسية) أو (ثورة تشريعية)! فهذه من البدع المختلقة التي فيها تجاوز على حرمة ومكانة القرآن وكذا اضعافا لإرادة اهل الاسلام في التفريق بين غاية ما يطبقوه وحقيقة ما يفعلوه .وبهذا لا يجوز وصف الإسلام وإلحاقه بغيره من المناهج (الرأسمالية أو الاشتراكية أو الثورية) لان ذلك يقتضي التطابق التام بينهما ، في حين أن الإسلام منهج قائم بذاته ومتفرد ومتميز؛ ولا شك أن هذا الوصف والإلحاق يُحَمِّل الإسلامَ الصورة السلبيةَ التي تكون مطبوعة في أذهان بعض الناس عن تلك المناهج؛ وحينئذٍ فنحن نظلم الإسلام من حيث أردنا إبراز محاسنه.
كما أنه حتى لو التقى الإسلام مع غيره في تقرير بعض المبادئ، فإنه أيضاً يكون متفرداً ومتميزاً في نظــرته لتحقيـــق تلك المبــادئ المشتـــركة؛ فمثــلاً لا يمكـن أبداً أن يكون تصور الإسلام لتقرير (الحقوق الفردية) متطابقاً مع تصور الرأسمالية لتقرير تلك الحقوق؛ ومثلُ ذلك يقال في (العدالة الاجتماعية) وفي غيرها من المبادئ.
ثم إن الانسياق وراء كل منهج أو مصطلح ومحاولة إلصاق الإسلام به، رغبةً في مسايرة تطور الفكر البشري؛ هو أمر ينمُّ بصورة ما عن حالة من الانهزامية الثقافية، وفقدان الثقة بالنفس وبأصالة المنهج الرباني الذي نؤمن به.
و مفهوم (الثورة) لم يكن شائعاً في التراث الإسلامي ولا في أدبياتنا الفكرية والسياسية، فالثورة – تعني مرحلةً مغايرةً لما كان قائماً، وانقطاعاً تامّاً عما كان موجوداً، وهذا الانقطاع لا يعني تغيير النظام الحاكم فقط، بل تغيير القيم والمفاهيم والأفكار السائدة التي ثار الناس في وجودها.
وهذا الأمر المهم لم يكن موجوداً أبداً في تاريخنا الإسلامي؛ فلم يحدث قط أن ثار الناس على حاكم، أو بتعبير التراث الإسلامي: خرجوا عليه، أو خلعوا بيعته من أعناقهم. لم يحدث أبداً أن كان هذا مقترناً بالخروج على القيم والمفاهيم الإسلامية، مع أن الحكام الظالمين الذين تسببوا في خروج الناس عليهم، كانوا يتمسحون في الإسلام ويزعمون أنهم يستمدون سلطانهم من القيام عليه وحراسته.
فالمسلمون كانوا يفرقون بين سلوك الحاكم الظالم وبين الإسلام؛ لأنهم يعتقدون اعتقاداً جازماً أن الإسلام يتبرأ من الظلم أيّاً كان فاعله ومرتكبه، وأنه ليس من الصواب أن نُحَمِّل الإسلام خطأ بعض أتباعه حتى لو كانوا حكاماً.
ولذلك عُرفت في تراثنا مفاهيمُ الإصلاح والتغيير والتجديد ولم يُعرف مفهوم الثورة. فقد كان الإصلاح الإسلامي فعلاً متواصلاً ومستمرّاً مع القيم التي حاد عنها بعض الحكام.
جواب السؤال الثاني :
جزاك الله خيراً ـ أشرتَ أنَّهم ( يقولون بنصرة الشريعة ) بجهل أو بغير علم، إذا كان الكلام ممَّن يُظنُّ فيه العلم، ثم يقابَل ممن لا علم عندهم بالرفض والردِّ فما الفائدة
من الكلام حينئذ؟ لكن نحن نجيب لمن قد يكون عنده شبهة (بأنَّ هذا الذي يفعلونه هو أمر جائزٌ شرعاً) ، وليس لإقناع ذوي الأهواء وأهل الجهل، وإنَّما لإقناع الذين
قد يتردَّدون في قبول أنَّ هذا الذي يفعله هؤلاء المعتدون هو أمر غير مشروع.
لا بدَّ لي قبل الدخول في شيء من التفصيل بأن أُذكِّر ـ والذكرى تنفع المؤمنين ـ بقول أهل العلم: (( ما بُني على فاسد فهو فاسد ))، فالصلاة التي تُبنى على غير
طهارة مثلاً فهي ليست بصلاة، لماذا؟ لأنَّها لم تقم على أساس الشرط الذي نصَّ عليه الشارع الحكيم في مثل قوله صلى الله عليه وسلَّم: (( لا صلاة لمن لا وضوء له
)) ، فمهما صلى المصلي بدون وضوء فما بُني على فاسد فهو فاسد، والأمثلة في الشريعة من هذا القبيل شيء كثير وكثير جداًّ. “
نقول بأنّ الخروج على الحكام لو كانوا من المقطوع بكفرهم، لو كانوا من المقطوع بكفرهم، أنَّ الخروج عليهم ليس مشروعاً إطلاقاً؛ ذلك لأنَّ هذا الخروج إذا كان ولا
بدَّ ينبغي أن يكون خروجاً قائماً على الشرع، كالصلاة التي قلنا آنفاً إنَّها ينبغي أن تكون قائمة على الطهارة، وهي الوضوء، ونحن نحتجُّ في مثل هذه المسألة بِمثل قوله
تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}الأحزاب 21. “
والطارئ الذي يَمرُّ به المسلمون اليوم من تحكّم بعض الحكام ـ وعلى افتراض أنَّهم أو أنَّ كفرهم كفر جلي واضح ككفر المشركين تماماً ـ إذا افترضنا هذه الفرضية
فنقول: إنَّ الوضع الذي يعيشه المسلمون بأن يكونوا محكومين من هؤلاء الحكام ـ ولْنَقُل الكفار مجاراةً لجماعة التكفير لفظاً لا معنى؛ لأنَّ لنا في ذلك التفصيل المعروف
ـ فنقول: إنَّ الحياة التي يعيشها المسلمون اليوم تحت حكم هؤلاء الحكام لا يخرج عن الحياة التي عاشها رسول الله عليه الصلاة وعلى آله وسلَّم، وأصحابُه الكرام فيما
يُسمى في عرف أهل العلم: بالعصر المكي.
لقد عاش صلى الله عليه سلم تحت حكم الطواغيت الكافرة المشركة، والتي كانت تأبى صراحةً أن تستجيب لدعوة الرسول عليه السلام، وأن يقولوا كلمة الحق (( لا
إله إلاَّ الله )) حتى إنّ عمَّه أبا طالب ـ وفي آخر رمق من حياته ـ قال له: لولا أن يُعيِّرني بها قومي لأقررتُ بها عينَك.
أولئك الكفار المصرِّحين بكفرهم المعاندين لدعوة نبيِّهم، كان الرسول عليه السلام يعيش تحت حكمهم ونظامهم، ولا يتكلَّم معهم إلاَّ: أن اعبدوا الله وحده لا شريك
له.
ثم جاء العهد المدني، ثم تتابعت الأحكام الشرعية، وبدأ القتال بين المسلمين وبين المشركين، كما هو معروف في السيرة النبوية.
أما في العهد الأول العهد المكي لم يكن هنالك خروج كما يفعل اليوم كثيرٌ من المسلمين في غير ما بلد إسلامي.
فهذا الخروج ليس على هدي الرسول عليه السلام الذي أُمرنا بالاقتداء به، وبخاصة في الآية السابقة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الأحزاب 21. “
والمصيبة الكبرى من وجود أكثر من جماعة مسلمة ، ولكلٍّ منها سبيلها ومنهجها في الخروج على الحاكم، تُرى! لو قضي على هذا الحاكم وانتصرت طائفة من هذه
الطوائف التي تُعلن إسلامها ومحاربتها للحاكم الكافر بزَعمهم، تُرى! هل ستَتَّفقُ هاتان الطائفتان ـ فضلاً عمَّا إذا كان هناك طائفة أخرى ـ ويقيمون حكم الإسلام
الذي يقاتلون من أجله؟
وهذا يجب ان يطرح بشكل واضح هل حققت البلدان التي غيرت حكامهاتطبيق شرع الله ؟ أم اكتفت بالوصول الى دفة الحكم – وما الذي يجري اليوم من القتل والمشادات العدائية بين المسلمين في مصر وليبيا واليمن ؟
و الشاهد يوم قامت الحرب في أفغانستان كانت تُعلن في سبيل الإسلام والقضاء على الشيوعية فما كادوا يقضون على الشيوعية وهذه الأحزاب كانت قائمة وموجودة في أثناء القتال وإذا بهم ينقلب بعضُهم عدوًّا لبعض.
فإذاً كلُّ مَن خالف هدي الرسول عليه السلام فهو سوف لا يكون عاقبة أمره إلاَّ خُسراً ، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلَّم إذاً في إقامة الحكم الإسلامي وتأسيس الأرض الإسلامية الصالحة لإقامة حكم الإسلام عليها، إنَّما يكون بالدعوة.
أولاً: دعوة التوحيد، ثم تربية المسلمين على أساس الكتاب والسنة.
وحينما نقول نحن إشارة إلى هذا الأصل الهام بكلمتين مختصرَتين، إنَّه لا بدَّ من التصفية والتربية، بطبيعة الحال لا نعني بهما أنَّ هذه الملايين المملينة من هؤلاء المسلمين أن يصيروا أمة واحدة، وإنَّما نريد أن نقول: إنَّ مَن يريد أن يعمل بالإسلام حقًّا وأن يتَّخذ الوسائل التي تمهد له إقامة حكم الله في الأرض، لا بدَّ أن يقتدي بالرسول -صلى الله عليه وسلم- حكماً وأسلوباً.
ثانيا : ما يقع اليوم في سوريا أو ما يحدث في بقية الدول العربية الاسلامية والعراق أو في مصر، هذا خلاف الإسلام؛ لأنَّ الإسلام يأمر بالتصفية والتربية، أقول التصفية والتربية؛ لسبب يعرفه أهل العلم.
نحن اليوم في القرن الرابع عشر للهجرة ، ورثنا هذا الإسلام كما جاءنا طيلة هذه القرون الطويلة، لم نرث الإسلام كما أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك الإسلام الذي أتى أُكلَه وثمارَه في أول أمره هو الذي سيؤتي أيضاً أُكُلَه وثمارَه في آخر أمره، كما قال عليه الصلاة والسلام: أمَّتي كالمطر لا يُدرى الخير في أوله أم في آخره.
فإذا أرادت الأمة المسلمة أن تكون حياتها على هذا الخير الذي أشار إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، والحديث الآخر الذي هو منه أشهر: (( لا تزال طائفةٌ مِن أمَّتِي ظاهرين على الحقِّ لا يضرُّهم مَن خالَفَهم حتى يأتي أمرُ الله.
أقول: لا نريد بهاتين الكلمتين أن يصبح الملايين من ابناء الاسلام قد تبنَّوا الإسلامَ مصفًّى وربَّوْا أنفسهم على هذا الإسلام المصفَّى، لكنَّنا نريد لهؤلاء الذين يهتمُّون حقًّا أولاً بتربية نفوسهم ثم بتربية من يلوذ بهم، حتى يصل الأمر إلى هذا الحاكم الذي لا يمكن تعديله أو إصلاحه أو القضاء عليه إلاَّ بهذا التسلسل الشرعي المنطقي. “:
.
وقد كان يطلق عليهم في البداية “أهلُ السنَّةِ” لما كانوا هم المتبِعين لسُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، المُقتَفِين للأثرِ، فسُمُّوا: “أهل الأثرِ”، و”أهل الحديث“.
ثم لما انتشرت البدع صار يطلق عليهم “أهل السنة والجماعة“.
و”أهل السنة والجماعة”: هُم من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسُمُّوا “الجماعةَ” لأنهم الذين اجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا في الدين، واجتمعوا على أئمة الحق؛ ولم يخرجوا عليهم، واتبعوا ما أجمعَ عليه سلف الأمة.
ولما صار من المبتدعة من ينسب نفسه إلى هذا اللقب الشريف، كان لزاماً أن يمتازُوا عن غيرهم، ومن هنا نشأ مصطلحُ “السلفيَّـةِ“نسبة إلى سلف هذه الأمة من أهل الصَّدْرِ الأول ومن اتَّبعَهم بإحسانٍ.
أولاً:مصدر العقيدة هو: كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وإجماع السلف الصالح.
ثانياً:كل ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قبوله، وإن كان خبر آحاد.
ثالثاً:المرجع في فهم الكتاب والسنة هو النصوص المبينة لها، وفهم السلف الصالح، ومن سار على منهجهم من الأئمة، ثم ما صح من لغة العرب، لكن لا يعارض ما ثبت من ذلك بمجرد احتمالات لغوية.
رابعاً:أصول الدين كلها، قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد أن يحدث شيئاً زاعماً أنه من الدين بعده.
خامساً:التسليم لله ولرسوله ظاهراً وباطناً، فلا يُعارَض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة بقياس، ولا ذوق، ولا كشف، ولا قول شيخ، ولا إمام، ونحو ذلك.
سادساً:العقل الصريح موافق للنقل الصحيح، ولا يتعارض قطعياً معهما، وعند توهم التعارض يُقدَّم النقل.
سابعاً:يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة، وتجنب الألفاظ البدعية، والألفاظ المجملة المحتمِلة للخطأ والصواب يستفسر عن معناها، فما كان حقاً أُثبت بلفظه الشرعي، وما كان باطلاً رُدَّ.
ثامناً:العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، وأما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة، مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة.
تاسعاً:في الأئمة محدّثون مُلهمون، والرؤيا الصالحة حق، وهي جزء من النبوة، والفراسة الصادقة حق، وهذه كرامات ومبشرات، بشرط موافقتها للشرع، وليست مصدراً للعقيدة ولا للتشريع.
عاشراً:المراء في الدين مذموم، والمجادلة بالحسنى مشروعة، وما صح النهي عن الخوض فيه وَجَبَ امتثال ذلك، ويجب الإمساك بالحسنى عن الخوض فيما لا علم للمسلم به، وتفويض علم ذلك إلى عالمه سبحانه.
حادي عشر:يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد، كما يجب في الاعتقاد والتقدير، فلا تُرَدُّ بدعة ببدعة، ولا يقابل التفريط بالغلو، ولا العكس.
ثاني عشر : التكفير حكم شرعي مرده الى الله ورسوله ولا يجوز تكفير المسلم بذنب ما لم يستحله و يصير المرء مسلماً إذا أقر ـ جاداً غير هازل ـ بشهادتي التوحيد من غير استهانة أو تمثيل ، ولا يجزئ عن شهادتي التوحيد عمل سوى الصلاة؛ لتضمنها الشهادتين، ولقوله -صلى الله عليه وسلم– :” من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذاك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله “رواه البخاري.
قال القرطبي في كتابه “الجامع” 8/207: الإيمان لا يكون إلا بلا إله إلا الله دون غيره من الأقوال والأفعال إلا في الصلاة. قال إسحاق بن راهويه: ولقد أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع؛ لأنهم بأجمعهم قالوا: من عرف بالكفر ثم رأوه يصلي الصلاة في وقتها حتى صلى صلوات كثيرة ولم يعلموا منه إقراراً باللسان أنه يحكم له بالإيمان، ولم يحكموا له في الصوم والزكاة بمثل ذلك ا- هـ.
ومن صار مسلماً لا يجوز إخراجه من دائرة الإسلام إلا إذا جاء بكفر صريح بواح ـ لا يحتمل صرفاً ولا تأويلاً ـ لنا فيه من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- دليل وبرهان.
فاليقين لا ينقضه الشك، والإسلام الصريح لا ينقضه الكفر المحتمل المتشابه.
ثالث عشر : الأصل في المسلم الحرمة في دمه وماله وعرضه – ولا يجوز الاستخفاف بذمتهفأهل السنة والجماعة يعتبرون من قال لا اله الا الله- محمد رسول الله – كانت له الحصانة الكبرى ولا تزال عنه مالم يطرأ عليه ناقض صريح بواح لا يحتمل التأويل ولا الشبهة . وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعض هذه الحقوق بقوله: («من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته» [أخرجه البخاري]. ولا يجوز الاستعانة بالكفار على المسلمين وإن كانوا ظلمة أو فساق ولو حدثت ردة لحاكم فلا يجوزالاستعانة بالكفار عليه لأنالمجتمع مسلموالضرر لا يلحق هذا الحاكم وانما يصيب ابناء واموال وذمم المسلمين وهذا محرم بإجماع ولم يأذن به الا من كان قلبه فيه باب من الخيانةوالعمى – والواجب على المسلمين خلعه فإن خافوا أن يوقع بهم النكاية صبروا عليه فالله غالب على أمره .. وموضوع ارخاء اللحى والتمسك بالشريعة هذا واجب معلوم وليس هناك علاقة بين اطلاق اللحية وبين معادات المسلمين أو نكايتهم فالواجب على من اهتدى بالسنة المحافظة على حرمة المسلمين وان كانوا عصاة فذمتهم معلقة بلا اله الله .
رابع عشر : كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
جواب السؤال الخامس: إن التعاون الذي يبنى على الإثم والتخريب لا يمكن أن يوظف تحت قاعدة الاسلام أو السماح أن يقوم به نفر من المسلمين فالله تعالى أمر
بالتعاون على البر ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان – والذي يريد أن يخرب دار إفتاء المسلمين ويهدم عزهم ويضعف قوتهم ويزعزع مكانة العالم المفتي فعمله
واجرامه أكبر من الذي يقتل نفسا والتجاوز على العلماء حرب ظاهرة وعقيدة فاسدة منشأها اليهود الذي كانوا يرفعون قتل الانبياء والعلماءولذلك كان السلف
يقولون من عادى العلماء وقاتلهم ففيه خصلة من خصال اليهود .
وأرى الواجب على المسلمين أن يجمعوا أمرهم وفق ضوابط الشريعة ولا يسمحوا لمن لا يدين لله بعبادةان يتدخل في شؤونهمالصغيرة ويحرم اشراكه في امور فيها
مصير الأمة والأولى ان يهتم بتربية نفسه والانضباط مع أحكام شرعه .
ولا أرى سبيلا ولا حجة ولا دليلا لمن يضع يده مع علمانيين لا يعرفون حق الله ولا العباد ثم يصبحون مستشارين ومطالبين بحقوق ومصير الأمة وهذه مصيبة كبرى لذا
على الشباب والرجال في لبنان لشقيقة ان يتحاكموا الى الشريعة وأخذ المسؤولية على محمل الجد ولا يستبدلوا عالما تقيا يدين لله وان رأوا تقصيرا لا يخرم توحيدهم
ولا قوتهم حتى يرفع علماني خبيث على حساب راحة وامن واستقرار المسلمين .
الشيخ الدكتور
مهديبن أحمد الصميدعي
مفتي أهل السنة والجماعة في العراق
الخميس 23 – جمادى الأولى – 1434 هجرية