عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم الاسلاميات / الوفاء والصورة تعبر ..

الوفاء والصورة تعبر ..

أبو بكر الصديق عنوان في وفاء ..
لقد وفى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعهود والمواثيق، والتزموا بالمبايعات التي أخذها عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته في عدة مناسبات، وهذه هي العهود والمواثيق التي ذكرها الله في أكثر من آية، حيث خصَّ بعضها بالذكر كبيعة الرضوان،… وأخذ عليهم العهد في بيعتي العقبة، وبيعة الرضوان، وبايعهم على الإسلام، وبايع النساء بيعة خاصة، كما بايع بعض صحابته على الجهاد، وبايع آخرين على السمع والطاعة، وبايع بعضهم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم… ومما يجدر التنبيه إليه هنا، ما ذكره سبحانه في سورة الأحزاب، مادحًا أصحاب تلك العهود والمواثيق ومثنيًا عليهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب: 23] نعم لقد وَفى صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهودهم، والتزموا مواثيقهم، ولم يكونوا كبني إسرائيل الذين أصبحت الخيانة والغدر من سماتهم، وأبرز سجاياهم وطباعهم.
لقد كان من وفاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أحدهم يسقط سوطه وهو راكب على دابته، فينزل ليأخذ سوطه ولا يطلب من أحد أن يناوله؛ لأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يسأل الناس شيئًا أعطوه، أو منعوه.
هذه هي الطاعة، وهذا هو الوفاء، وبمثل هؤلاء تسعد البشرية وتصل إلى مدارج الرقي وسمو الأخلاق، لقد كان جيلًا قرآنيًّا فذًّا، لم تعرف البشرية جيلًا كذلك الجيل، ولا صفوة كتلك الصفوة أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر: 18]) (1) .
وفاء أبي بكر رضي الله عنه:
وفاؤه بديون النبي صلى الله عليه وسلم ووعوده:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا، فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم على أبي بكر أمر مناديًا فنادى من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين، أو عدة فليأتني، قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا، قال: فأعطاني. قال جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني، فقلت له: قد أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل عني، فقال: أقلت تبخل عني، وأي داء أدوأ من البخل؟- قالها ثلاثًا – ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك)) (2) .
وفاؤه في إنفاذ جيش أسامة رضي الله عنه : قام أبو بكر رضي الله عنه، بتنفيذ جيش أسامة بن زيد، الذي قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليسير إلى تخوم البلقاء من الشام….. (فخرجوا إلى الجرف فخيموا به، وكان بينهم عمر بن الخطاب، ويقال: وأبو بكر الصديق، فاستثناه رسول الله منهم للصلاة، فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا هنالك، فلما مات عظم الخطب، واشتدَّ الحال، ونجم النفاق بالمدينة، وارتدَّ من ارتدَّ من أحياء العرب حول المدينة، وامتنع آخرون من أداء الزكاة إلى الصديق، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة، وكانت جواثا من البحرين أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحقِّ… وقد كانت ثقيف بالطائف ثبتوا على الإسلام، لم يفروا ولا ارتدوا، والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور، أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة؛ لاحتياجه إليه فيما هو أهم؛ لأنَّ ما جهز بسببه، في حال السلامة، وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء، إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال: والله لا أحلُّ عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنَّ الطير تخطَّفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أنَّ الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزنَّ جيش أسامة) (3) .
نماذج أخرى من الوفاء:
1- (يذكر أن امرأ القيس الكندي، لما أراد المضي إلى قيصر ملك الروم، أودع عند السموأل دروعًا وسلاحًا، وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة، فلما مات امرؤ القيس، أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل، فقال السموأل: لا أدفعها إلا لمستحقها. وأبى أن يدفع إليه منها شيئًا، فعاوده فأبى، وقال: لا أغدر بذمتي، ولا أخون أمانتي، ولا أترك الوفاء الواجب علي. فقصده ذلك الملك من كندة بعسكره فدخل السموأل في حصنه، وامتنع به. فحاصره ذلك الملك، وكان ولد السموأل خارج الحصن، فظفر به ذلك الملك فأخذه أسيرًا، ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل. فأشرف عليه من أعلى الحصن. فلما رآه قال له: إن ولدك قد أسرته، وها هو معي، فإن سلمت إليَّ الدروع والسلاح التي لامرئ القيس عندك، رحلت عنك، وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت. فقال له السموأل: ما كنت لأخفر ذمامي، وأبطل وفائي، فاصنع ما شئت، فذبح ولده وهو ينظر، ثم لما عجز عن الحصن رجع خائبًا، واحتسب السموأل ذبح ولده وصبر، محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى حفظ ذمامه ورعاية وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فصارت الأمثال في الوفاء تضرب بالسموأل، وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام ذكر السموأل في الأول. وكم أعلى الوفاء رتبة من اعتقله بيديه، وأغلى قيمة من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواه لفاعله بالثناء عليه، واستطلق الأيدي المقبوضة عنه بالإحسان إليه) (4) .
2- قصة أخرى يحكيها مالك بن عمارة اللخمي، قال: (كنت جالسًا في ظل الكعبة أيام الموسم عند عبد الملك بن مروان، وقبيصة بن ذؤيب، وعروة ابن الزبير، وكنا نخوض في الفقه مرة، وفي المذاكرة مرة، وفي أشعار العرب، وأمثال الناس مرة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتساع في المعرفة، والتصرف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدث، وحلاوة لفظه إذا حدث، فخلوت معه ليلة فقلت له: والله إني لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرفك، وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلًا فسترى العيون طامحة إليَّ، والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إلي فلعلك أن تنقل إليَّ ركابك فلأملأنَّ يديك، فلما أفضت إليه الخلافة، توجهت إليه، فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلما رآني أعرض عني، فقلت: لعله لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكره، فلما قضيت الصلاة، ودخل بيته، لم ألبث أن خرج الحاجب فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه، فمد إليَّ يده، وقال: إنك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلا ما رأيت، فأمَّا الآن فمرحبًا وأهلًا، كيف كنت بعدي؟ فأخبرته، فقال: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: نعم. فقال: والله ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكني أخبرك بخصال مني سميت بها نفسي إلى الموضع الذي ترى، ما خنت ذا ودٍّ قط، ولا شمتُّ بمصيبة عدوٍّ قط، ولا أعرضت عن محدث حتى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم الله تعالى متلذذًا بها، فكنت أؤمِّل بهذه أن يرفع الله تعالى منزلتي؛ وقد فعل، ثم دعا بغلام، فقال له: يا غلام بوِّئه منزلًا في الدار، فأخذ الغلام بيدي وأفرد لي منزلًا حسنًا، فكنت في ألذِّ حال، وأنعم بال، وكان يسمع كلامي وأسمع كلامه، ثم أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه؛ فيرفع منزلتي ويقبل عليَّ ويحادثني، ويسألني مرة عن العراق ومرة عن الحجاز، حتى مضت لي عشرون ليلة، فتغديت يومًا عنده فلمَّا تفرَّق الناس، نهضت قائمًا، فقال: على رِسْلك. فقعدت، فقال: أيُّ الأمرين أحبُّ إليك: المقام عندنا مع النصفة لك في المعاشرة، أو الرجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، فارقت أهلي، وولدي على أني أزور أمير المؤمنين وأعود إليهم، فإن أمرني أمير المؤمنين، اخترت رؤيته على الأهل والولد. فقال: لا، بل أرى لك الرجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار، وكسوناك، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟! فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدًا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السلامة) .

مكتب رعاية العلماء / قسم الارشاد

  1. [4114] رواه البخاري (4383).
  2. [4115] ((البداية والنهاية)) لابن كثير (6/335).
  3. [4116] ((المستطرف)) للأبشيهي (1/432).
  4. [4117] ((المستطرف)) للأبشيهي (1/438).

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مؤلفات وكتب مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ..

السيد مهدي بن السيد أحمد بن السيد صالح بن السيد خليل بن السيد موسى بن ...

(( مُجمَلُ اعتِقادِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في محبةِ آلِ بَيتِ الرسُولِ الكَريمِ )) .

1- أهلُ السُّنَّةِ يُوجِبونَ مَحبَّةَ أهلِ بَيتِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، ويجعلون ذلك ...

مفتي الجمهورية هناك أوصاف مهمة في اختيار الصديق الصالح ..