عاجل_ اخبار الدار
الرئيسية / قسم الدعوة والدعاة / الميراث وميزته في الشريعة الاسلامية

الميراث وميزته في الشريعة الاسلامية

لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذه الحياة وفضله على كثير من المخلوقات كما قال عز وجل: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) {الإسراء 70}، والإنسان في هذه الحياة مستخلف ومحتاج إلى ما يضمن له هذا البقاء والاستخلاف وتقوم به مصالحه الدنيوية، وقد جعل الله تعالى المال قياماً للناس كما قال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًاً …) {النساء 5}، فبالمال تقوم مصالح العباد، وهو وسيلة لتحقيق تلك المصالح، يحتاج إليه الإنسان ما دام على قيد الحياة، فإذا مات انقطعت حاجتـه، فكـان من الضروري أن يخلفه في ماله مالكٌ جديدٌ….. فلو جُعل ذلك المالك الجديد لمن يحوز المال ويستولي عليه ويغلب، لأدَّى هذا إلى التشاحن والتنازع بين الناس، وتغدو الملكية حينها تابعة للقوة والبطش، ولو جعل المال كله للقطط والكلاب والحيوانات كما تسمح به قوانين الغرب ضاعت مصالح العباد وتعطلت حاجاتهم….. من أجـل ذلك جعلت الشريعة المالَ لأقارب الميت، كي يطمئنّ الناس على مصير أموالهم إذ هم مجبولون على إيصال النفع لمن تربطهم بهم رابطة قوية من قرابة أو زوجية أو ولاء، فـإذا مات الشخص وترك مالاً، فإنّ شريعة الإسلام الشاملة لمصالح العباد تجعل هذا المال مقسَّماً على قرابته بالعدل، الأقرب فالأقرب ممن يُعتبر شخصه امتداداً في الوجود لشخص الميت كالأولاد والأب ومن يليهما في درجة القرابة، وصدق الله العظيم إذ يقول:(…. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا…) {المائدة 3}.

ثلاثة أسباب للإرث في الشريعة الإسلامية :
السبب الأول: النكاح: وهو شرعاً عقد الزوجية الصحيح، وإن لم يحصل فيه خلوة، أو وطء، وهذا السبب يتوارث به الزوجان ما دام عقد الزوجية قائما بينهما أو في معنى القائم، فلو طلق الرجل زوجته وانتهت عدتها انقطع التوارث بينهما لانقطاع سبب الإرث بينهما، إلا إذا طلقها في مرض موته متهما بأنه يريد حرمانها من الميراث، فإنها ترثه حتى بعد انقضاء عدتها بل وبعد زواجها من آخر على قول بعض الفقهاء وذلك معاملة للزوج الظالم بنقيض قصده.
السبب الثاني: الولاء: وهو قرابة حكمية:
إذا أعتق السيد عبده صار بينهما شيء يسمى (الولاء)، وهو نعمة سببها أن السيِّد المعتق تفضل على عبده فأعتقه، حيث أخرجه من الرق إلى الحرية، أو هي قرابة حكمية أنشأها الشارع، ناتجة عن عتق، أو موالاة، والولاء يشبه النسب، فكما أنَّ الرجـل كان سببا في أن يخرج ابـنـه من حيّـز المعــدوم إلى حيز الموجود، فكذلك نعمة المعتق أخرجت المملوك إلى حيز الحرية، فالسيد يرث عبده الذي أعتقه، وهناك تفصيلات أخرى تركنا ذكرها طلباً للاختصار. السبب الثالث: النسب: القرابة الحقيقيَّة:
النسب هو: الاتصال بين إنسانين في ولادة قريبة كانت أو بعيدة، فكلّ إنسان بينك وبينه صلة ولادة قربت أو بعدت، من جهة الأب أو من جهة الأم، أو منهما معاً، فهو قريبك، وهذا السبب هو أقوى أسباب الإرث. والقرابة الوارثون ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
(1)- الأصــول
: وهـم أبو الميت، وأبو أبيه، وإن علا بمحض الذكور. وأم الميت، وكلّ جدة تُدلي بوارث، أو وارثة. (2)- الفروع: وهم أبناء الميت، وابن ابنه وإن نزل، وابنة ابنه وإن نزل أبوها. (3)- الحواشي: وهم إخوة الميت وأخواته مطلقاً، وأبناء إخوته الذكور لغير الأمّ -أي أبناء الإخوة الأشقاء وأبناء الإخوة لأب- وأعمام الميت الأشقاء ولأب وإن علوا، وبنو الأعمام، وإن نزلوا. هذه أسباب الإرث الثلاثة المتفق عليها بين العلماء، وهي أسباب يتفق العقل والفطرة السليمة على أنها تستحق أن تكون سبباً للإرث، وهناك أسباب أخرى مختلف في كونها سبباً للإرث كبيت مال المسلمين، وذوي الأرحام (وهم الأقارب غير الوارثين)، وغير ذلك.

كما أن للإرث أسباباً وموانع، فكذلك له شروط لا بد من تحققها، ويمكن تلخيص شروط الإرث في ثلاثة شروط هي كالتالي:
الشرط الأول: وفاة المورث.
ومعنى ذلك: أن يكون الشخص صاحب التركة قد مات، لأنه لا يمكن أن يورث الشخص وهو حي، وموت صاحب التركة (المورث) قد يكون:
أ‌- تحقيقاً، بمعنى: أنه مات حقيقة بمشاهدة أو شهادة عدول.
ب‌- حكما، بمعنى: أن يحكم القاضي بموته كما هو حال المفقود الميؤوس منه.
الشرط الثاني: العلم بحياة الوارث بعد موت المورث.
بمعنى: أن نعلم أن الشخص الوارث كان حياً عند موت صاحب التركة (المورث)، وهذا العلم قد يكون:
أ‌- حقيقياً، بمعنى: أنه ثبتت حياته بمشاهدة أو شهادة عدول.
ب‌- تقديراً، بمعنى: أن يقدر بأنه حي عند موت صاحب التركة، كالحمل، فإنه حي في التقدير، فإن انفصل حياً حياة مستقرة ثبت له الحق في الميراث.
فإذا لم تعلم حياة الوارث بعد موت المورث كحال الذين ماتوا جميعاً بحادث واحد، فإنه لا توارث بينهم.
الشرط الثالث: ألا يوجد مانع من موانع الإرث التي ذكرناها في المحور الخامس .
فإذا توفرت هذه الشروط مع الأسباب؛ تم الإرث، وصار من حق الوارث أن يكون له نصيب في تركة المورث (صاحب التركة).

كما أن للإرث أسباباً يتوارث بها الشخصان، فهناك موانع تمنع التوارث بين الشخصين، ويمكن إجمال هذه الموانع فيما يلي:
المانع الأول: اختلاف الدين.
ومعناه: أن يكون المورِّث (الميت) على دين، والوارث على دين آخر، فاختلاف الدين بين الشخصين يمنع من توارث بعضهم من بعض، واختلاف الدين بين الشخصين له عدة صور منها:
1: أن يكون الميت مسلماً، والوارث كافر، يهودياً أو نصرانياً أو غيرهما من ملل الكفر، وفي هذه الحال لا يرث الكافر من قريبه المسلم -بلا خلاف بين العلماء في الجملة- لحديث: لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم … رواه البخاري.
2: أن يكون الميت كافراً والوارث مسلماً، وفي هذه الحال لا يرث المسلم قريبه الكافر في قول جمهور أهل العلم بدليل الحديث السابق.
3: أن يكون الميت كافراً من ملة، والوارث كافراً من ملة أخرى، فلا توارث بينهما لحديث: لا يتوارث أهل ملتين شتى. رواه أبو داوود والترمذي.
وتوجد اختلافات فقهية في تحديد الملة، فمنهم من قال الكفر كله ملة واحد، ومنهم من قال الملل ثلاث، اليهودية ملة، والنصرانية ملة، وما سواهما ملة واحدة.
المانع الثاني: القتل.
والقتل هو فعل ما يكون سبباً لإزهاق الروح، ومعناه: أن القاتل لا يرث المقتول، فلو قتل ولد أباه فإنه لا يرثه.
ومن المعلوم أن القتل أنواع، فمنه ما يكون بغير حق كقتل العمد وكقتل الخطأ وكقتل شبه العمد، ومنه ما يكون بحق كالقتل قصاصاً، والعلماء متفقون في الجملة على أن القتل مانع من موانع الإرث لحديث: ليس للقاتل شيء وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه ولا يرث القاتل شيئاً. رواه أبو داوود.
إلا أن الفقهاء اختلفوا في بعض صور القتل هل تكون سبباً في منع القاتل من الميراث أو لا.
المانع الثالث: الرق.
الرق معناه: العبودية، وهي عجز حكمي يقوم بالإنسان بسبب الكفر فيمنعه من التصرُّف، فالرقيق لا يرث الحر، لأن الرقيق لا مال له بل ماله لسيده، وقد قال الله تعالى في بيان عجز الرقيق: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ….} [الآية 75 من سورة النحل].
ومن المعلوم أن العبودية أنواع، فقد يكون الرقيق عبداً خالصاً، وقد يكون مبعضاً (بعضه حر وبعضه عبد)، وقد يكون مكاتباً، (وهو الموعود بالحرية مقابل مبلغ يدفعه)، وقد يكون مدبراً (وهو الموعود بالحرية عند موت سيده)، وقد تكون أم ولد: وهي المملوكة التي وطئها سيّدها، فحملت منه، وأتت بولد، فهذه لا تباع ولا توهب، وتُصبح حرة بمجرّد موت السيّد.
والرقيق الكامل العبودية لا يرث ولا يورث، وغيره من أنواع الرقيق فيه تفاصيل فقهية كثيرة لا يتسع المقام هنا لذكرها.

مكتب رعاية العلماء / قسم الإرشاد

صفر 1441 هجرية تشرين أول 2019


 

عن admin

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مفتي الجمهورية ” اعزه الله تعالى ” يستقبل امام وخطيب جامع بر الوالدين في قضاء المحاويل محافظة بابل ..

التقى سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور مهدي بن احمد الصميدعي ” حفظه الله تعالى ” ...

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى..

مفتي الجمهورية _ الزيارات في الله تعالى سبب لنيل محبة الله تعالى؛ قال صلى الله ...

تهنئة مفتي الجمهورية للجيش العراقي بمناسبة مرور مئة وواحد سنة على تأسيسه .

تهنئة مفتي جمهورية العراق الشيخ الدكتور مهدي بن أحمد الصميدعي ( وفقه الله تعالى ) ...