أدب الجـــــوار

أدب الجـــــوار
لقد أولى الإسلام أمور الصلة والروابط الاجتماعية عناية خاصة سواء كانت من جهة النسب والقرابة أم غيرها وجعل الله تعالى حق الجوار من الحقوق العشرة التي أمر بالإحسان فيها،

يقول الله تعالى: ( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ) [النساء36].

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية : “وقوله: ( وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ( وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى )، يعني الذي بينك وبينه قرابة، ( وَالْجَارِ الْجُنُبِ ) الذي ليس بينك وبينه قرابة، وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وميمون بن مهران والضحاك وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة، وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله: والجار ذي القربى: يعني الجار المسلم، والجار الجنب يعني اليهودي و النصراني، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وقال جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وابن مسعود: والجار ذي القربى يعني المرأة وقال مجاهد أيضاً في قوله: والجار الجنب يعني الرفيق في السفر (1) .

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : وكل مَن ذكر في هذه الآية فحقه واجب وإن كان كافرا .ا.هـ(2) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب دارا والأبعد وله مراتب بعضها أعلى من بعض فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك فيعطى كل حقه بحسب حاله وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجح أو يساوي ا.هـ(3) .

من معاني الجوار في اللغة :

المساكنة والملاصقة ،ويطلق الجوار أيضاً على العهد والأمان، ومن الجوار المجاور في المسكن، والشريك في العقار أو التجارة، والزوج أو الزوجة، والضرة …الخ .

أما في الاصطلاح : فيطلق الجوار على الملاصقة في السكن أو نحوه،

ونحوه، يدخل فيها المحلات والمكاتب والمؤسسات فإن الجوار العام يشمل المجاور في الدار، أو في العمل أو المتجر أو المسجد أو الطريق، أو البلد …

وقد اختلف العلماء في حد الجار الذي تترتب عليه هذه الأحكام ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :[ واختلف في حد الجوار فجاء عن علي رضي الله عنه : مَن سمع النداء فهو جار . وقيل : مَن صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار .وعن عائشة : حد الجوار أربعون دارا من كل جانب(4) . وعن الأوزاعي مثله وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن وللطبراني بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعا ( ألا إن أربعين دارا جار )(5) وأخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب : أربعون دارا عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه(6) . وهذا يحتمل كالأولى ويحتمل أن يريد التوزيع فيكون من كل جانب عشرة ] ا.هـ(7)

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى : ” وقد وردت بعض الآثار بما يدل على أن الجار أربعون دارا من كل جانب ولا شك أن الملاصق للبيت جار وأما ما وراء ذلك فإن صحت الأخبار بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فالحق ما جاءت به وإلا فإنه يرجع في ذلك إلى العرف فما عده الناس جوارا فهو جوار “ا.هـ(8) .

_________________

(1) تفسير ابن كثير ( 2 / 261 ) .

(2) أحكام أهل الذمة ( 2/793 ) .

(3) فتح الباري ( 10/441 ) ، عمدة القاري ( 32/197 ) .

(4) رواه البيهقي مرفوعا ( 12987) من طريقين وضعفهما .

(5)رواه الطبراني في المعجم الكبير (143) وضعفه السخاوي في المقاصد الحسنة 1/277 وقال الألباني : ضعيف جدا . ضعيف الترغيب والترهيب (1518) .

(6) أبو داود في المراسيل (328) وابن الجوزي في التحقيق (1648) قال الحافظ : أبو داود في المراسيل بسند رجاله ثقات إلى الزهري . التلخيص الحبير 3/207 .

(7) فتح الباري 10/447 وانظر : عمدة القاري 32/197 سبل السلام 4/166 .

(8) شرح رياض الصالحين 1/364 .